محاولة الانقلاب الفاشلة التي قامت بها مجموعة من الضباط الموالين للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة
غولن، لفتت الأنظار إلى نجاح مثل هذه الجماعات في تحويل المواطنين إلى روبوتات تعمل بالتحكم عن بعد، وعبيد ليست لهم حرية الإرادة والاختيار.
كيف يمكن أن يعطل إنسان عقله وضميره ليتحول إلى مجرم مستعد لتجاوز جميع الخطوط الحمراء، وتجاهل كافة القيم الأخلاقية الإنسانية، ظنا منه أنه يرتكب كل تلك الجرائم والموبقات من أجل قضية سامية؟
البحث عن جواب هذا السؤال يجعل فتح ملفات شائكة أمرا ضروريا لمعالجة المشكلة من جذورها. ويأتي على رأس تلك الملفات دور الجماعات في
التعليم، نظرا لأهمية هذا الدور في استغلال الدين وعمليات غسل الأدمغة وترسيخ العبودية للعباد.
معظم عناصر
الكيان الموازي، بمن فيهم هؤلاء الضباط الذين شاركوا في محاولة الانقلاب العسكري، انتموا إلى هذا التنظيم السري أثناء دراستهم في المدارس التابعة لجماعة غولن. وكانت الجماعة تختار الطلاب الأذكياء والمجتهدين وتقوم بتوجيههم إلى الكليات والجامعات وفقا لقدراتهم، بالإضافة إلى حاجة الجماعة إلى عناصر في الأجهزة المختلفة.
رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، انتقد قبل حوالي شهرين تغريدة كتب فيها أحد الأكاديميين المنتمين إلى الكيان الموازي، أن "فتح الله غولن أقرب إليهم من حبل الوريد". وأكَّد أردوغان أن الله سبحانه وتعالى هو وحده الأقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، مشيرا إلى أن ما كتبه ذلك الأكاديمي الذي كان يدرس يوما في أكاديمية الشرطة، يتعارض مع العقيدة الإسلامية.
هناك أمثلة كثيرة تشير إلى أن عقول عناصر الكيان الموازي مغسولة، لدرجة أنهم مستعدون للتضحية بدنياهم وآخرتهم من أجل زعيم الجماعة فتح الله غولن. وفي مثال لهذا الانحراف الخطير، كتب مغرد موالٍ للجماعة يدير حساب جامعة مولانا بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر"؛ أن قضية فتح الله غولن باقية إلى الأبد، وأن الإسلام بحاجة إلى مجاهدين يضحون بدنياهم وآخرتهم حتى يجتمعوا تحت ظل المهدي المنتظر.
ولعل قصة لاعب كرة السلة الشهير، أنس كانتر، الذي يلعب حاليا مع فريق أوكلاهوما سيتي ثاندر، في الدوري الأمريكي لكرة السلة للمحترفين، من أبرز أمثلة ما يمكن أن ينزلق إليه الإنسان في الطاعة العمياء لمخلوق مثله. وفي بيان نشره كانتر في حسابه على موقع تويتر، بعد إعلان والده تبرؤ عائلته من ابنه بسبب انتمائه إلى الكيان الموازي، ذكر أنه مستعد ليضحي بأبيه وأمه وجميع أقاربه من أجل أستاذه فتح الله غولن، مؤكدا أنه مستعد أيضا ليضحي بجنته ولا يبالي بدخول جهنم في سبيل خدمة الجماعة، كما أنه قام بتغيير اسم عائلته من كانتر إلى غولن، ليعلن انتسابه إلى عائلة فتح الله غولن.
ومما لا شك فيه أن هذه العبودية من ثمار تغذية العقول لسنين طويلة بالخرافات والمفاهيم الخاطئة عن الإسلام وخدمته، مارستها جماعة غولن لتخدير المنتمين إليها، حتى يستمروا في خدمتها والالتزام بأوامر زعيمها، دون أن يترددوا أو يسألوا عن حكمة ما يقومون به من أعمال غير شرعية، بل يعتقدون أن كل ما يفعلونه تلبية لأوامر غولن جائز يثابون عليه وأنه لو كان غير جائز لما أمر به. ولكن المشكلة هي أن مثل هذه المعتقدات المنحرفة ليست لدى جماعة غولن فحسب، بل إن هناك جماعات أخرى تقدس زعيمها كهذا التقديس وتربي أتباعها على بذل الغالي والنفيس في سبيل إرضاء ذاك الزعيم.
الجماعات الدينية في
تركيا تملك مدارس ومنظمات للمجتمع المدني تنشط في مجال التعليم وتوفير السكن والخدمات للطلاب والطالبات. وهذه الأنشطة غالبا ما يتم استغلالها في عملية غسل الأدمغة وتجنيد عناصر لخدمة تلك الجماعات. ولذلك فإن الحاجة ماسة إلى مراقبة الحكومة حتى لا تعمل تلك الأنشطة كمصائد تستخدم لاصطياد طلاب أذكياء وتحويلهم إلى انتحاريين مستعدين لارتكاب جرائم بشعة، كالقتل والتفجير والغدر والتجسس والخيانة من أجل مصالح الجماعات.
تحرير عقول المواطنين من الانحرافات والخرافات، بالتوازي مع ترسيخ مفهوم الحرية، يجب أن يكون من أولويات الحكومة. وتقع على عاتق رئاسة الشؤون الدينية مسؤولية كبيرة في حماية أبناء الوطن من أن يتحولوا إلى دمى يتم تحريكها عن بعد. ولا يتحقق ذلك إلا بإنقاذ التعليم قدر الإمكان من قبضة الجماعات، وتعزيز سيطرة الدولة على المؤسسات التعليمية.