قالت منظمة "هيومن رايتس مونيتور" (جهة حقوقية مستقلة) إنها وثقت اعتقال أكثر من 25 ألف شاب
مصري ممن هم دون سن الثلاثين خلال الفترة ما بين عامي 2015- 2016، مؤكدة أن أغلبهم تعرضوا للتعذيب داخل
السجون بهدف انتزاع اعترافات منهم على تهم وصفتها بالملفقة، بالإضافة لتعذيب جميع المعتقلين منذ لحظة الاعتقال فيما يعرف بـ "التشريفة"، وهي الضرب والركل والسحل والسب بألفاظ مهينة.
وأضافت في بيان لها الجمعة بمناسبة اليوم العالمي للشباب: "بينما يتعرض شهريا مئات الحالات للاختفاء القسري فور اعتقالهم مباشرة وتختلف مدة إخفائهم قسرا - قد تطول لشهور أو لأيام- إلا أن ما رصدته المنظمة هو ظهورهم دوما بعد الاعتراف وتسجيل فيديوهات مصورة لهم، وقد ظهر على وجوههم آثار التعذيب".
وأشارت إلى صدور أحكام قاسية على الآلاف من الشباب خلال العام المنصرم منها أحكام بالمؤبد وأحكام بالإعدام، كان من بينها قضية "التخابر مع قطر"، والمتهم فيها الصحفية "أسماء الخطيب" (26 عاما)، وهي أم لرضيع، وغيرها من القضايا الأخرى التي بلغ عددها 23 قضية حكم على المتهمين فيها بالإعدام في غياب أبسط معايير المحاكمة العادلة.
واستطردت قائلة: "لم تقتصر
الانتهاكات على قيام الأجهزة الأمنية فقط، بل استخدمت الهيئات التعليمية أيضا سلاح الفصل من الجامعات والحرمان من أداء الامتحانات؛ كنوع من التعذيب النفسي والإرهاب للطلاب أصحاب الرأي الحر، ففصل المئات من الطلاب من المدارس والجامعات خاصة الأزهرية منها، وحرموا من إكمال تعليمهم"، مؤكدة أن حال شباب مصر الآن ما بين التطرف، وتهم الإرهاب، والتهميش.
وقالت: "في اليوم العالمي للشباب من كل عام، نقف لنتذكر ما تحقق وما لم يتحقق في مسيرة الشباب للحصول على حقوقهم في التعليم، والصحة، والاقتصاد، والسياسة، واتخاذ القرارات، والحياة العامة، وفي هذا اليوم فرصة تنتهزها منظمات الأمم المتحدة وشركاؤها لتأكيد أهمية دور الشباب في كل جهد ومسعى لتحقيق التنمية المستدامة، وضرورة استثمار طاقات الشباب وحماسهم وإبداعاتهم، ولإيجاد حلول لحاجاتهم، وإزالة المعوقات والتحديات التي أمامهم، ودعمهم في تحقيق آمالهم وتطلعاتهم وتطوير وتمكين قدراتهم".
وأردفت: "لقد حظي شبان مصر بعد ثورة 2011، بإشادة قادة البلاد وشركائها الدوليين على السواء باعتبارهم منارة الأمل للبلاد، وكانت مثاليتهم والتزامهم بالدعوة إلى "العيش، والحرية، والعدالة الاجتماعية" قوة دافعة حاسمة نحو التغيير. أما اليوم، فيقبع كثير من هؤلاء النشطاء الشبان وراء القضبان، فيما يوفر كل الدلائل على أن مصر قد عادت إلى دولة تقوم على القمع بلا كلل".
ونوهت إلى أن رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي أعلن عام 2016 عاما للشباب، وتحدث عن مبادرات وقرارات رئاسية من شأنها تحسين حال الشباب وتأهيلهم على المستوى المهني والتعليمي والثقافي، على غرار إطلاق مبادرة لتأهيل الشباب للقيادة، وتنفيذ برنامج لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتدشين بنك المعرفة، وتطوير مراكز الشباب وقصور الثقافة، في ظل مصطلح (تمكين الشباب) الذي يتردد في أروقة النظام.
وتابعت: "يظل
عام الشباب أو تمكينهم حاضرا في الخطاب السياسي والإعلامي، وغائبا على مستوى آليات تفعيله العملي، فدعونا نتصارح أن العام الماضي كان (عام الإقصاء)، حيث شعرت فيه قطاعات شبابية بالإحباط وقلة الحيلة، لاسيما أن الوضع الحالي يعيد إلى أذهان بعضهم النظام القديم، ليس بالمعنى السياسي الضيق، بل بالمعنى الاجتماعي الأعمق، فعودة خطابات تستهين بالشباب، مثلما كان الحال قديما، في حين يتحدث بعض المسؤولين عن تأهيل الشباب (الذي نؤيده)، يتخذ منه بعضهم حجة لتهميش الأخير بدعوى قلة خبرته، حتى وإن لم يكن كذلك".
وقالت: "بالرغم من المشاركة الضخمة للشباب في أحداث ثورة يناير، فإن ذلك لم يُترجم إلى مشاركة حقيقية بالقدر نفسه في الاستحقاقات السياسية التالية للثورة، وذلك على مدار السنوات الأربع الماضية، وهو واقع يشير إلى أن ثمة خطأ ما لابد من ضرورة التعامل معه بحرص، وتجاوزه، من أجل ألا يتم إعادة إنتاج التهميش مرة أخرى".
وذكرت: "في الحقيقة إن واقع الشباب في مصر بائس إلى حد بعيد جدا، فالشباب إما تم تدجينه بالمعنى الحرفي للكلمة لخدمة أصحاب الثروة والسلطة، أو مهمش ومقيد بإطار يحدده لهم أجيال قديمة الفكر تمتاز بالتسلط والفساد، ورافضة لفكرة تعدد الآراء ويهمها فقط في المقام الأول وضع الشباب وأفكارهم تحت السيطرة الجبرية".
وأشارت إلى أن "
السلطات المصرية اعتقلت ما يزيد عن 40 ألف معتقل؛ 90% منهم تحت سن الثلاثين، فيما قامت بتنفيذ حكم الإعدام على سبعة شباب خلال العامين الماضيين في قضايا لا تستند لأي أدلة توجب الحكم وتنفيذه، سوى أن المتهمين معارضون للنظام، موضحا أن كل الأحكام مبعثها تخويف القوى الشبابية لا أكثر".
وذكرت: "في الوقت الذي تمتلئ فيه قنوات الإعلام بمختلف أنواعها بمواد عن دعم الشباب؛ لإقامة مشروعات متناهية الصغر وصغيرة ومتوسطة لخلق وظائف للشباب وإطلاق روح الابتكار، تظل قنوات التمويل المالي المتاحة لمساعدة الشباب على بدء مشروعاتهم محدودة أو مسدودة في غالب الحال، ويكبلها الكثير من الضمانات والمتطلبات، وفي النهاية قد لا تكون مناسبة لأغلب الشباب، وبالتالي يتخلى عن حلمه في إنشاء مشروعه الخاص، وينضم إلى طابور طويل من الشباب العاجز عن كسب الرزق والعمل".
وتابعت: "على مدار عامين كاملين منذ تولي عبدالفتاح السيسي الرئاسة، شهدت الجامعات المصرية، صراعات وأزمات، وانتهاكات للحقوق والحريات الطلابية، سواء كانت من قبل قوات الشرطة، أو إدارات الجامعات، أو الأمن الإداري، أو شركات الأمن الخاصة التي تتولى تأمين الجامعات، أو من قبل الحركات الطلابية المختلفة، وقد حاولنا حصر أعداد الطلاب الذين لقوا مصرعهم، ومن اعتقلوا، أو المحكوم عليهم، والمحالين للتأديب، لكن لم نتمكن من الرصد بشكل دقيق؛ لعدم وجود معلومات تفصيلية، وعدم إعلان الجهات الرسمية عن الأرقام الحقيقية، بالإضافة إلى أن هناك حالات لم يتم توثيقها؛ لأن القبض عليهم كان خارج أسوار الجامعة".
وأضافت: "بجانب ذلك، يختفي العديد من الشباب في مصر في ظروف غامضة سواء في الشارع أو في الجامعة أو حتى في أثناء تناول العشاء مع الأصدقاء، أما السجون فحدث ولاحرج فهي تتكدس بآلاف الشباب ذووي التوجهات المختلفة والآراء المختلفة، بتهمة الانتساب للإرهاب في تُهم مُلفقة وقضايا وهمية واعترافات انتزعت تحت التعذيب، ويأتي أهم أسباب اتساع الانتهاكات بالسجون واستمرار تردي أوضاعها هو عدم خضوع موظفي السجون لأي رقابة، بحيث باتوا في أمن من العقاب أو المحاسبة بسبب انتهاكهم حقوق السجناء. وقد أثبتت الخبرات الدولية أن الأسلوب الناجع في تحسين أوضاع السجون والحد من الانتهاكات داخل أماكن الاحتجاز، هو المراقبة والإشراف الدائم عليها".
وأكملت: "أما عن الحقوق الاقتصادية، فـ 30% من الشباب المصري بين الفئة العمرية 18 إلى 29 سنة لم يستكملوا تعليمهم الأساسي، وبشكل عام لم يحدث أي تحسن كبير في كل مراحل التعليم من حيث الجودة، خاصة أن هناك أكثر من 30% من المصريين فقراء، وأولئك يواجهون قدرا أكبر من الصعوبات في الالتحاق بالمدارس، و90% من العاطلين عن العمل تقل أعمارهم عن 30 سنة".
وأكدت "مونيتور" أن الشباب يمكن أن يمثل قوة هائلة من أجل التنمية، إذا ما توافرت الظروف المناسبة التي يشعر الشباب من خلالها بقيمتهم ويوفر لهم فرصا جيدة للتعليم، ولإيجاد فرص العمل اللائقة والانخراط بشكل فعال في المجتمع.
وقالت إن "النشاطات السياسية عديمة الجدوى، وعاجزة عن إحداث فرق في حياتهم، أو التصدي لهمومهم الحقيقية، كما أن شواغل الشباب تتعلق أكثر بالتوجس والخوف من المشاركة السياسية وليس بالتطلعات السياسية، وعليه نؤكد أن الشّباب هم المُستقبل للدولة فوجب على الجهات المعنية النظر بعين الجدية لمشاكلهم الحالية في أرض الواقع، والتعامل معها عن قرب بداية بالأزمة السياسية الحالية والمعتقلين، إلى الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر بالضرورة على الشباب بشكل أو آخر".
وأوصت "مونيتور" بالإفراج عن المعتقلين السياسيين كافة؛ تعزيزا وحماية لحقوق الإنسان التي تقرها القوانين كافة، والسماح للشباب بالتعبير عن آرائهم السياسية والمشاركة في رسم الخريطة السياسة الاجتماعية والمستقبل بطريقة جيدة تفعل وجودهم في المجتمع، ودعم الشباب من ذوي المهارات من أجل تحقيق أحلامهم ومبادرتهم والتفكير بشكل نقدي، والتعبير بحرية عن ذاتهم من خلال توفير برامج تدريبية وتوعوية وتعليمية متطورة تساعدهم على تحقيق أهدافهم.
كما أوصت بضرورة ربط الشباب ببرامج تنموية حقيقية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، تمكن الشباب من العمل الإبداعي الخلاق، وتساعدهم على كسب الرزق والعمل، ومراعاة حقوق الشباب لينشئوا أصحاء وآمنين بفضل حصولهم على نصيب عادل من الاستثمارات الاجتماعية والثقافية، مع وضع آليات لتشجيع الشباب على القيادة والمشاركة في القرارات التي تؤثر على مستقبلهم، بما في ذلك تلك التي تتعلق بخطط التنمية المستدامة في مجتمعاتهم.
وطالبت بضمان شفافية واستقلالية العمل الأهلي، من خلال تأكيد دوره التنموي والتنويري، وعدم استخدامه من جانب جماعات المصالح الخاصة المحلية والأجنبية لتحقيق مصالح خاصة على حساب المصالح العليا للشعب المصري، على أن يتم إصدار قانون جديد للجمعيات الأهلية يضمن هذه القواعد ويعاقب على انتهاكها.
وذكرت أن منظمات
المجتمع المدني مطالبة بأن تقدم نموذجا ومثلا في تداول السلطة وديمقراطية الإدارة، والفصل بين "المؤسس" و"المؤسسة"، والاتجاه لتسيير أعمال المنظمة بنهج "إدارة الأعمال"، حتى مع وجود هدف غير الربح المادي.
وشدّدت على أهمية تعزيز سعي منظمات المجتمع المدني المصري التي تتبني قضايا حقوق الإنسان (على أجندة وطنية) إلى الوجود على المستوى الدولي من خلال الحصول على الصفة الاستشارية، والمشاركة في المنتديات، وتأهيل كوادرها للتعاطي مع المنظمات الدولية والإقليمية والإعلام الغربي.
واتخذت منظمة الأمم المتحدة من يوم 12 آب/ أغسطس يوما عالميا للشباب، وأول يوم دولي للشباب كان في عام 2000، وهو يوم للتوعية من قبل الأمم المتحدة. كما هو الحال مع سائر أيام التوعية السياسية، مثل يوم الأرض، الغرض من هذا اليوم هو لفت الانتباه إلى مجموعة معينة من القضايا الثقافية والقانونية وغيرها.
وتسعى الأمم المتحدة هذا العام لخلق فرص تعليمية، ومهاراتية أكثر، وفرص عمل مجدية للشباب ولنشاطاتهم الاجتماعية، والرياضية، والفنية، والثقافية، والنفسية، والصحية، والاقتصادية.