كتاب عربي 21

من كلمات الإمام الخامس

1300x600
عندما نشر الشيخ على عبد الرازق (1305- 1386 هـ، 1877- 1966 م) كتاب الإسلام وأصول الحكم عام 1925 م، وهو الكتاب الذي ادعى أن الإسلام دين لا دولة، ورسالة لا حكم، وأن رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، لم يقم دولة، ولم يرأس حكومة، ولم ينجز وحدة سياسية، وأعلن - هذا الكتاب - أنه يا بعد ما بين السياسة والدين!.

عندما صدر هذا الكتاب كان فقيه الشريعة والقانون الدكتور عبد الرازق السنهوري (1313- 1391هـ، 1895- 1971 م) ينجز - بباريس - رسالة دكتوراه في الاقتصاد، فاستفزه ما جاء بهذا الكتاب عن الخلافة الإسلامية وعلاقة الإسلام بالدولة والسياسة، فتطوع لإنجاز رسالة دكتوراه - ثانية - عن فقه الخلافة كعصبة الأمم الإسلامية، تجمع القوميات والوطنيات والأقطار الإسلامية، وفيها ناقش ما جاء بكتاب "الإسلام وأصول الحكم" تحت عنوان "رأي شاذ"!.

وفيه قال:

"الإسلام دين ودولة، ملك إلى جانب العقيدة، وقانون إلى جانب الشعائر، والنبي صلى الله عليه وسلم هو مؤسس الحكومة، كما أنه نبي المسلمين، أقام الوحدة الدينية للأمة العربية، والوحدة السياسية للجزيرة العربية، ووضع قواعد الحياة الاجتماعية، والحياة السياسية، فالإسلام دين الأرض كما هو دين السماء.

وهذه الحقيقة تغيب عن بعض الباحثين، فيعتقدون أن الإسلام ليس إلا دينا منزلا، يدفعهم إلى هذا الخطأ تقريب خاطئ ما بين الإسلام والمسيحية، فالمسيحية أعطت ما لله لله وما لقيصر لقيصر، ويظنون أن الإسلام كالمسيحية في ذلك، ولكن الإسلام يختلف عن المسيحية اختلافا جوهريا، فقد جمع ما لله وما لقيصر، وخص المسلمين بما لله، وجعل ما لقيصر عاما واجب التطبيق على الكافة، مسلمين وغير مسلمين.

لقد وضع النبي لحكومته أصلح النظم الممكنة في زمنه، وضع لها النظم السياسية، وأوجد نظاما للضرائب وللتشريع، ونظما إدارية وعسكرية.. إلخ، وهذه النظم كانت تحمل في طياتها عوامل التطور والنمو مع الزمن، وقد تطورت فعلا دون أن تخرج بذلك عن كونها مؤسسة على الإسلام. 

لقد وضع أنظمة مدنية حقيقية، فرض بمقتضاها عقوبات جنائية على من يخالف أحكام التشريع الإسلامي، ولم يكتف بالجزاءات الأخروية، التي يفرضها الدين، وكان له عمال إداريون وماليون، وكان له جيش مسلح.

إنه كان حاكما دنيويا إلى جانب صفته كنبي كمرسل، بل يمكن القول إنه أنشأ حكومة مركزية بالمدينة، وعين حكاما للأقاليم خاضعين لتلك الحكومة، كما حدث في اليمن وغيرها من الأقاليم.

والصحابة - بعد وفاة النبي - لم ينشئوا دولة، وإنما وسعوا رقعة الدولة التي أنشأها.

والنبي بصفة كونه مؤسس حكومة، كانت له الولاية على كل من كان خاضعا لتلك الحكومة، سواء كان مسلما أم غير مسلم، وبوصف كونه نبيا لم يكن يطلب من غير المسلمين - الذين تركهم على دينهم - الاعتراف بنبوته، ولو أن دعوته شاملة لجميع البشر.

ولئن صح أن النبي كان في مكة نبيا فحسب، فلقد كان في المدينة زعيم أمة ومنشئ دولة.

إن هذا الدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، هو دين الأرض كما هو دين السماء، بل لعله بالوصف الأول أقرب إلى العقل البشري، وأنفذ إلى قلب الإنسان، فالإسلام لا يبشر بنعيم الآخرة فحسب، بل هو يبشر أيضا بتاج كسرى وإيوانه، وعرش قيصر وسلطانه، يبشر بالأرض تدين لسلطان المسلمين، ويستخلف الله فيها من عباده الصالحين، والمسلم له عين إلى الأرض وعين إلى السماء، يعمل لدنياه كأنه يعيش أبدا، ويعمل لآخرته كأنه يموت غدا".

تلك بعض من كلمات السنهوري باشا، فقيه الشريعة والقانون، الذي وضع المقومات الدستورية والقانونية لمصر والعراق وسوريا والكويت والسودان وليبيا والإمارات، والذي كان أساتذته الفرنسيون - بباريس - يلقبونه "بالإمام الخامس" في الفقه الإسلامي!