رجح عدد من الخبراء القانونيين أن يؤدي الحكم القضائي الصادر السبت، بقبول رد هيئة المحكمة التي تنظر بطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين
مصر والسعودية، إلى إبطال عرض الاتفاقية على مجلس نواب ما بعد الانقلاب الذي تهيمن عليه أغلبية تابعة لزعيم الانقلاب عبد الفتاح
السيسي.
وكانت الدائرة السابعة بالمحكمة الإدارية العليا، قبلت، السبت، طلب رد الدائرة الأولى، التي تنظر طعن الحكومة على حكم "مصرية جزيرتي
تيران وصنافير".
وقضت المحكمة بقبول طلب الرد بشأن رئيس المحكمة، لبلوغه سن المعاش، وقررت تنحية بقية أعضائها، معللة ذلك في حيثيات حكمها بالقول إن دائرة فحص الطعون الأولى خالفت قانون المرافعات، ومنعت المحكمة من تحقيق نزاع الخصم، ونكلت عن تقديم المستندات المتعلقة بالطعن للمحكمة التي تنظر طلب الرد.
خالد علي: حكم الإدارية لم يتم إلغاؤه
وتعليقا على الحكم، قال أحد رافعي الدعوى، المحامي خالد علي، إن الموقف السياسي لاتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، بعد قبول "الإدارية العليا" طلب رد هيئة المحكمة، التي كان من المقرر أن تنظر الطعن المقدم من الحكومة ورئاسة الجمهورية لوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإداري؛ جعل الاتفاقية باطلة لوجود حكم محكمة لم يتم إلغاؤه بحكم آخر.
وأكد في تصريحات صحفية مساء السبت، أن الحكومة لا تستطيع عرض الاتفاقية على البرلمان، وإلا ستبقى باطلة، فضلا عن أن قبول طلب الرد يعني نظر دائرة أخرى لطعن الحكومة على الحكم، الذي أصبح واجب النفاذ حتى هذه اللحظة.
علي أيوب: الحدود تخضع لسيادة الشعب
ومتفقا مع خالد علي، قال المحامي علي أيوب، صاحب دعوى أخرى، اختصم فيها رئيسي مجلسي الوزراء والنواب بصفتيهما، إنه لا يجوز عرض اتفاقية ترسيم الحدود المصرية - السعودية، على البرلمان المصري، طبقا للمادة 151 من الدستور، نظرا لأن الحدود المصرية لا تخضع لأي سلطة تنفيذية أو تشريعية، وإنما لسيادة الشعب فقط.
وكشف أنه قدم لهيئة المحكمة العديد من الوثائق والأدلة التي تؤكد أن تيران وصنافير مصريتان مئة بالمئة، وفي مقدمتها وثيقة الحدود البحرية لمصر الموقعة عام 1906، التي تنص صراحة على أن الجزيرتين مصريتان.
صبري العدل: أين وثائقكم؟
ورد أحد أستاذ التاريخ، صبري العدل، على وصف "محامي الحكومة"، نائب رئيس هيئة قضايا الدولة، رفيق شريف، لوثائق مصرية تيران وصنافير، التي تقدم بها رافعو الدعوى إلى محكمة القضاء الإداري، بأنها خرائط أطفال يتم تدريسها للتلاميذ، بغضب، وقال: "هذه وثائقنا.. فأين وثائق سعوديتهما؟".
وقال صبري في ما نقلته عنه صحيفة "البداية"، إنه سبق أن أعلن شريف أن مصر كانت محتلة للجزيرتين.
وأبدى دهشته من أن كل من يحاول سعودة تيران وصنافير يسعى للنيل من وثائق مصريتهما، ويشكك في صحة محتواها، مستدركا بأنهم لا يكلفون أنفسهم عناء تقديم وثيقة واحدة تدل على سعوديتهما، ولو كانت ضعيفة في محتواها، وفق وصفه.
واعتبر العدل أن أخطر وثيقة تقدمت بها لجنة الدفاع عن مصرية الجزيرتين هو الكتاب المدرسي المقرر على التلاميذ المصريين في وقت لم تكن السعودية ظهرت إلى الوجود بعد، بحسب تعبيره.
وتساءل: هل لديكم وثائق واضحة لا لبس فيها تؤكد سعودية الجزر، مشددا على أن "ما يطرح على الساحة فقط وثائق ترجح مصرية الجزر.. قولا واحدا"، حسبما قال.
نجيدة: حكم تاريخي لتطرقه للندب
وفي سياق متصل، وصف المحامي طارق نجيدة، حكم رد هيئة المحكمة التي تنظر قضية بطلان الاتفاقية، بـ"التاريخي"، لأنه يتعلق بمسائل فنية نادى بها كثيرون خاصة في مسألة الندب، وفق قوله.
وأضاف، في تصريح صحفي، السبت، أن مصير قضية الجزيرتين سيحدده رئيس مجلس الدولة؛ لأنه من سيحدد الدائرة التي ستنظر القضية.
بصل: 4 مسارات للقضية
إلى ذلك رأى الباحث القانوني بالجامعة الأمريكية، محمد بصل، عبر حسابه بموقع "فيسبوك" أن هناك أربعة مسارات تتجه إليها القضية الآن، الأول هو مسار المحكمة الإدارية العليا، إذ يحدد مجلس الدولة دائرة جديدة لنظر الطعن.
والمسار الثاني هو مسار محكمة القضاء الإداري، التي أصدرت الحكم، إذ مرفوع أمامها الآن استشكالان، واحد من خالد علي للاستمرار في تنفيذ الحكم، والثاني من الحكومة لوقف تنفيذه، على أن تنظر الاستشكالين يوم 6 أيلول/ سبتمبر المقبل.
وعن المسار الثالث، أوضح بصل أنه هو محكمة الأمور المستعجلة، التي تنظر الآن استشكالين مرفوعين من مواطنين عاديين لوقف تنفيذ الحكم، وسيتم نظرهما الثلاثاء المقبل 30 / آب أغسطس الحالي، موضحا أنه لابد أن يحكم في الاستشكالين بعدم الاختصاص، لأن الاستشكال على الحكم يجب أن يقام أمام المحكمة التي أصدرته.
ويأتي أخيرا المسار الرابع، وهو مسار المحكمة الدستورية العليا، إذ إن الحكومة أقامت منازعة تنفيذ لوقف تنفيذ حكم القضاء الإداري بحجة أنه يعرقل تنفيذ أحكام سابقة أصدرتها "الدستورية" في مسألة أعمال السيادة، فيما يتسغرق هذا المسار وقتا أطول نسبيا من المسارات الثلاثة.
والأمر هكذا، اتفق بصل مع خالد علي في الرأي، مؤكدا أن حكم القضاء الإداري يمنع مجلس النواب من الاتصال بالاتفاقية، لأنه يبطل التوقيع عليها من الأساس.
عدلي حسين: عدم إرسال القضية السبب
وفي مقابل الآراء السالفة، أكد رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق، عدلي حسين، عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، أن الحكم برد الدائرة المذكورة كان بسبب عدم إرسالها ملف القضية إلى المحكمة الإدارية العليا.
وأضاف "هو إجراء إداري داخلي بمجلس الدولة، ولم يصدر الحكم برد الدائرة للأسباب التي طعن بها الدفاع"، حسبما قال.
"تيران وصنافير مصرية" يتصدر
إلى ذلك، تصدر هاشتاغ "تيران وصنافير مصرية" تريند مصر على موقع التغريدات المصغرة "تويتر" بعد قبول طلب رد هيئة المحكمة، وتأييد إخلاء سبيل الحقوقي مالك عدلي.
وأخذ نشطاء يرددون عبر حساباتهم قول: "عيش حرية.. الجزر دي مصرية".
حيثيات حكم "الإدارية العليا"
وكانت المحكمة الإدارية العليا، قضت، السبت، برد هيئة المحكمة التي كان مقررا لها نظر طعن الحكومة على حكم بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، التي تقضي بتنازل مصر عن السيادة على جزيرتي تيران وصنافير لها.
وأقامت المحكمة حكمها على أن حياد القاضي وتجرده من المبادئ الأساسية لأي محاكمة منصفة، هما مكونان أساسيان لاستكمال عدالة القاضي، مؤكدة أنه يجب أن يكون القضاء محايدا ومتجردا من الميل لأحد الخصوم .
ووفقا لحيثيات الحكم تبين المحكمة، أن أعضاء الدائرة - بالمخالفة لقانون المرافعات - قاموا بالرد الجماعي على أسباب الرد في ذات يوم تقديم طلب الرد بعبارات عامة مرسلة، ما يعد مصادرة على المطلوب، ويجعل من الدائرة المطلوب ردها، كأنها حكمت فيما هي مختصمة فيه بالمخالفة للقانون.
وأوضحت الحيثيات أن المستندات المقدمة تبرز صحة ما جاء بطلب الرد المقدم، إلا أن الدائرة المطلوب ردها امتنعت عن ضم المستندات التي قدمتها الحكومة أمامها معللة ذلك بأن هذه المستندات ليس لها قيمة في نظر طلب الرد في حين أن هذه المستندات تم تقديمها من هيئة قضايا الدولة في جلسة علنية أمام الخصوم جميعا، وهو ما يضفي مصداقية حول ادعاءات طالب الرد بوجود أوراق أو توقيعات أو أسماء لأعضاء هذه الدائرة من شأنها أن تعزز طلب الرد المقدم منه.
السيسي يسعى لتمرير الاتفاقية برلمانيا
ومن جهته، حرص السيسي في حواره مع رؤساء تحرير الصحف الحكومية، الأسبوع الماضي، على تأكيد احترام أحكام القضاء في القضية، داعيا السعوديين لأن يتفهموا الموضوع، والإجراءات الدستورية بمصر، وفق وصفه.
وادعى السيسي أن مجلس النواب يمثل إرادة الشعب، وأنه سيكون أمامه فرصة كاملة لدراسة الاتفاقية بشكل عميق، مؤكدا أنها تشكل فرصة للتنقيب عن الثروات والنفط بالبحر الأحمر .
لكن مراقبين اتهموا نظام السيسي بأنه أخذ على عاتقه إثبات سعودية الجزيرتين بمحاولة تعطيل حكم القضاء الإداري ببطلان سعودية الجزيرتين من خلال الطعن عليه؛ حتى تتمكن الحكومة من عرض الاتفاق على مجلس النواب قبل نهاية دورة الانعقاد الأولى له، في أوائل أيلول/ سبتمبر المقبل، إلا أن الحكم برد هيئة المحكمة حال دون ذلك.
وكانت مصر والسعودية وقعتا في نيسان/ أبريل الماضي، اتفاقية يتم بموجبها نقل تبعية الجزيرتين إلى المملكة، مما أثار غضبا شعبيا واسعا، ونظم عدد من النشطاء والقوى السياسية تظاهرات رافضة لها، وأقام عدد من المحامين دعاوى قضائية تطالب ببطلانها.
ثم أصدرت محكمة القضاء الإداري، في حزيران/ يونيو الماضي، حكما غير نهائي ببطلان الاتفاقية، لكن هيئة قضايا الدولة، الجهة الممثلة للحكومة، طعنت على الحكم.