اتهمت
دعوى قضائية تنظرها محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي بالتخلي والتنازل عن جزيرة "تشيوس"
المصرية الكائنة في مياه البحر الأبيض المتوسط، بمقتضى توقيعه على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان في عام 2015 مع رئيس الوزراء
اليوناني الحالي، أليكسيس تسيبراس.
وطالبت الدعوى بإصدار حكم قضائي بوقف تنفيذ القرار الصادر بتوقيع الاتفاقية، مع ما يترتب عليها من آثار أخصها بطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية (السيسي) على الاتفاقية، في ما تضمنته من التخلي والتنازل عن الجزيرة، واستمرارها ضمن الأوقاف المملوكة لمصر.
كما طالبت الدعوى باستمرار نفاذ عقد إيجار الجزيرة بين الجانبين مع قيام المطعون ضدهم (الجانب اليوناني) باتخاذ الإجراءات الدولية الكفيلة بالحفاظ على حقوق مصر في الجزيرة، والالتزام بسداد ريع الإيجار السنوي لها، مع عرض الاتفاقية على مجلس النواب المصري.
وكان السيسى استقبل في التاسع من آب/ أغسطس الحالي وزير خارجية قبرص يوانيس كاسوليدس، وبحث معه نتائج "القمة الثلاثية" الأخيرة بين زعماء مصر واليونان وقبرص، التي عقدت في أثينا كانون الأول/ ديسمبر الماضي، والتحضير لعقد القمة الثلاثية المقبلة في القاهرة خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، بحسب بيان المتحدث الرسمي باِسم الرئاسة المصرية، علاء يوسف.
كما تطرق السيسي غير مرة في خطبه المختلفة إلى التعاون بين الدول الثلاث، لاسيما بعد توقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينها، زاعما أنها تمثل نموذجا للتعاون بين دول المتوسط، وأنها تساعد مصر على الاستفادة من ثرواتها في مياهها الإقليمية بحوض المتوسط.
مطالب برلمانية بتوضيح الحقيقة
ومن جهته، طالب عضو مجلس نواب ما بعد الانقلاب، هيثم الحريري، الحكومة المصرية بتوضيح حقيقة تنازل مصر عن "تشيوس" بناء على الاتفاقية الموقعة بين مصر واليونان لترسيم الحدود بين البلدين.
وقال الحريري في تصريح نقلته صحيفة "صوت الأمة"، إن البرلمان لا يملك أي معلومات عن الاتفاقية أو ما يشاع حول تنازل مصر عنها، مطالبا برد رسمي من الدولة المصرية حول موقف الجزيرة، ودقة الأخبار المشاعة عنها.
وكانت صحف يونانية أكدت تنازل مصر عن جزيرة "تشيوس" خلال اتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان التي تم التوقيع عليها في 2015، مشيرة إلى رفض الحكومة اليونانية سداد مليون دولار قيمة إيجار الجزيرة السياحية للأوقاف المصرية، طبقا للعقد المبرم بين الحكومتين اليونانية والمصرية عام 1997.
كما زعمت الصحف اليونانية أن الجزيرة تقع ملكيتها لليونان طبقا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجديدة المشار إليها بين البلدين.
دعوى لوقف ترسيم الحدود مع اليونان
فيما أقام المحاميان حميدو جميل البرنس، وعلي أيوب، دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري طالبت بإصدار حكم قضائي بوقف تنفيذ القرار الصادر بتوقيع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان، في ما تضمنته من التخلي والتنازل عن جزيرة "تشيوس" بالبحر الأبيض المتوسط.
واختصمت الدعوى كلا من: رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، ورئيس وزرائه شريف إسماعيل، ووزير أوقافه محمد مختار جمعة، ووزير خارجيته سامح شكري.
وذكرت الدعوى أن تلك المفاجأة لم يتم اكتشافها إلا بعد رفض الحكومة اليونانية سداد قيمة إيجار الجزيرة المشار إليه طبقا للعقد المبرم بين البلدين، ويؤكدان فيه ملكية الجزيرة لمصر باعتبارها تقع ضمن أراضي الأوقاف المصرية.
وأوضحت الدعوى أن الجزيرة كانت هبة من السلطان العثماني إلى محمد علي باشا أوقفها فيما بعد للأعمال الخيرية، ولهذا اتفق الطرفان على سداد الجانب اليوناني مبلغ سنوي يقدر بمليون دولار إلى الأوقاف المصرية.
وذكرت أن الحكومة اليونانية رفضت سداد قيمة الإيجار، وأكدت أن الجزيرة تقع ملكيتها لليونان طبقا لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية الجديد بين رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس في 2015.
أدلة امتلاك مصر للجزيرة
واستندت الدعوى إلى تصريح مدير عام إدارة الأوقاف بمصر سابقا، عاطف عثمان، أن مصر تملك جزيرة "تشيوس" في اليونان، وأن الجزيرة مساحتها 50 كيلو متر مربع، وأنها تضم قصرا لمحمد علي مملوك للأوقاف أيضا، وأنه تم الاتفاق على سداد مبلغ مليون دولار سنويا للأوقاف من الجانب اليوناني كحق إيجار للجزيرة، وأكد أن المبلغ كان يسدد باستمرار حتى خروجه إلى المعاش.
وشددت الدعوى على أن رئيس الجمهورية له أن يبرم الاتفاقيات والمعاهدات كافة، وفقا لما نصت عليه المادة 151 من الدستور، بشرط ألا يخالفه، وأن هذا الحظر مطلق، ولا استثناء فيه، ولا مجال للتحلل منه تحت أي ظروف أو مبررات.
وأضافت أنه كان يتعين على السلطة التنفيذية قبل التوقيع على تلك الاتفاقية أن تدرسها دراسة دقيقة وافية للتأكد من خلوها من أي مخالفة دستورية، مشيرة إلى أنه لما كان بمقتضى تلك الاتفاقية أن تنازلت مصر عن الجزيرة فكان لزاما على الدولة أن تحجم عن التوقيع عليها، لاسيما أنها تضمنت تنازلا مخالفا للدستور.
وخلص المحاميان في دعواهما إلى أن التوقيع على اتفاقيه ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان في ما تضمنه من تخل وتنازل عن حقوق مصر التاريخية في جزيرة "تشيوس" بحجة أنها تقع داخل المياه الإقليمية اليونانية؛ قد انطوى على مخالفة جسيمة للدستور تبطله، على الرغم من محاولة ستر هذا التنازل المحظور خلف اتفاق على ترسيم الحدود البحرية، بحسب الدعوى.
وشددا على أنه مما لا شك فيه أن الدفاع عن "تشيوس" هو شأن كل مواطن مصري، وأن الشعب وحده هو صاحب السيادة يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات طبقا لنص المادة 4 من الدستور، وأن موافقة ممثل الدولة على المعاهدة أو الاتفاقية يجب أن يتم صحيحا وفقا لأحكام قانون الدولة ودستورها، وهو نزاع وطني يخضع لأحكام قانون الدولة.
ماهية الجزيرة ومساحتها
وبينت الدعوى أن الجزيرة تعد خامس أكبر الجزر باليونان، وأنها إحدى أهم الوجهات السياحية، وتحتوي على العديد من المعالم السياحية سواء الإغريقية أو البيزنطية أو الإسلامية، وأبرزها المتحف البيزنطي والمسجد العثماني القديم، وقلعة محمد علي.
كما تعتبر الجزيرة، وفق الدعوى، مسقط رأس الشاعر الإغريقي هوميروس مؤلف الملحمتين الشهيرتين "الإليادة والأوديسا"، وتتميز شواطئها بمناظرها الساحرة، والهدوء الذي يضيف لها سحرا خاصا، يجعلها قبلة لراغبي الاستجمام والهدوء، حيث لا تزال أسواق الجزيرة وشوارعها، تحتفظ بطرازها القديم مما يجعلها بمثابة متحف أثري مفتوح.
وتطرقت الدعوي أيضا إلى سعادة اليونان بتملكها للجزيرة بعد اتفاقية ترسيم الحدود، إذ اعتبر الكاتب الصحفي اليوناني "ستافروس ليجيروس" أن عملية ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة بين مصر واليونان صار حلما دخل حيز التنفيذ.
وأضاف الصحفي اليوناني أن بلاده تضمن الآن الحق في جزيرة "تشيوس" طبقا للاتفاقية الجديدة، بعيدا عن اتفاقيات تم إبرامها في العصر العثماني.
السيسي يحصر أملاك "محمد علي" ليصادرها
ويذكر أن السيسي قرر حصر أموال وأراضي وقصور الأوقاف المصرية في اليونان، ومن بينها أملاك أسرة محمد علي باشا، في محاولة للاستيلاء عليها بحجة دعم اقتصاد البلاد المأزوم.
وعيَّن السيسي إبراهيم محلب، رئيس الوزراء السابق، في منتصف الشهر الماضي، على رأس لجنة لحصر أملاك هيئة الأوقاف المصرية من الأراضي والمباني والمشروعات، لبحث كيفية الاستفادة منها في دعم الاقتصاد.
وتسعى حكومة الانقلاب للاستفادة من هذه الممتلكات لتوفير سيولة لسد العجز بالموازنة العامة للدولة.
وكان المحلل الاقتصادي، ممدوح الولي، صرح لـ"
عربي21"، بأن هناك غموضا كبيرا حول دور "لجنة محلب"، وذهاب وفد وزارة الأوقاف لأثينا، مشيرا إلى أن هيئة الأوقاف المصرية تملك ملفات ومستندات ممتلكاتها في مصر والخارج، وهو ما يثير التساؤلات حول إصرار نظام الانقلاب على حصر تلك الأموال والأراضي والعقارات المعروفة بالفعل والموثقة لدى الهيئة.
وكان قد تقرر قيام وفد من هيئة الأوقاف المصرية بزيارة إلى اليونان لحصر أملاك محمد علي باشا هناك، فيما أعلن وزير الأوقاف المصري تشكيل لجنة لبحث تنمية ممتلكات مصر باليونان، واستثمارها من خلال مصريين ويونانيين.
وسبق لنظام مبارك أن طرح فكرة بيع قصر محمد علي في اليونان، في بداية حقبة التسعينيات من القرن الماضي، فيما قوبلت الفكرة بالرفض من قبل الأثريين الذين أكدوا القيمة التاريخية للقصر.