كشف تحقيق لصحيفة "الغارديان" عن أن أموال المساعدة، التي تدفعها
الأمم المتحدة لمشاريع الإغاثة الإنسانية في
سوريا، تذهب لرئيس النظام السوري بشار
الأسد والمقربين منه.
وجاء في التحقيق، الذي أعده كل من نيك هوبكنز وإيما بيلز، أن الأمم المتحدة تعاقدت مع أشخاص مقربين من النظام لقاء عقود بملايين الدولارات، مشيرا إلى أن الشركات ورجال الأعمال، ممن وضعوا على قوائم العقوبات الأمريكية والأمم المتحدة، حصلوا على مبالغ ضخمة من بعثة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى وزارات الحكومة والجمعيات الخيرية التي تديرها، بما فيها واحدة أنشأتها زوجة رئيس النظام أسماء الأسد، وأخرى لابن خاله رامي مخلوف.
ويورد الكاتبان نقلا عن الأمم المتحدة قولها إنها تعمل فقط مع عدد من الشركاء، الذين تمت المصادقة عليهم من الأسد، وتعمل جهدها للتأكد من أن الأموال تنفق بطريقة مناسبة.
وتنقل الصحيفة عن متحدث باسم المنظمة الأممية، قوله إن "أهم الأولويات هي وصول المساعدات للمدنيين، الذين هم بحاجة ماسة، وقدر الإمكان"، وأضاف: "خياراتنا في سوريا محدودة؛ بسبب الوضع غير الآمن، حيث يصعب العثور على شركات وشركاء يرضون بالعمل في المدن المحاصرة، وهو أمر فيه تحديات عالية".
ويستدرك التحقيق، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن نقاد المنظمة الأممية يقولون إنها ربما تنازلت عن مبادئها، ويعتقدون أن المساعدات الإنسانية تعطى أولوية مساعدتها للمناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، ويقولون إن أموال الأمم المتحدة تساعد في تقوية النظام المسؤول عن مقتل مئات الآلاف من مواطنيه.
ويعلق الكاتبان بأن مصادر في داخل الأمم المتحدة تعترف بأن الإغاثة في سوريا هي المهمة الأولى التي تواجهها من ناحية الكلفة، والتعقيد، والتحديات، إلا أن القرارات المثيرة للخلاف التي اتخذتها تم الكشف عنها في تحقيق مطول للصحيفة، وجاء فيه أن المنظمة قدمت عروضا مالية باهظة لشركاء الأسد، فقد دفعت الأمم المتحدة 13 مليون دولار للحكومة السورية؛ من أجل تعزيز المراعي والزراعة، مع أن الاتحاد الأوروبي منع التعامل التجاري مع هذه الوزارات؛ بسبب المخاوف من إساءة استخدام المال.
وتلفت الصحيفة إلى أن الأمم المتحدة دفعت أربعة ملايين دولار لمزود حكومي للوقود وضع الاتحاد الأوروبي اسمه على القائمة السوداء، وأنفقت منظمة الصحة العالمية خمسة ملايين دولار لمساعدة البنك الوطني للدم، الذي تسيطر عليه حكومة الأسد.
وتقول "الغارديان" إن
الوثائق التي اطلعت عليها تكشف عن أن الأموال على إمدادات الدم جاءت من متبرعين فرضوا عقوبات اقتصادية ضد حكومة النظام السوري، بمن فيهم الحكومة البريطانية، مشيرة إلى أن الوثائق تكشف مظاهر قلق منظمة الصحة العالمية حول وصول الدم للمحتاجين، أو وصوله أولا للجيش.
ويكشف التحقيق عن أن منظمات الأمم المتحدة تشاركت مع "جمعية الثقة السورية"، وهي المؤسسة التي أنشأتها أسماء الاسد، وأنفق عليها مبلغ 8.5 مليون دولار، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي ضم اسم أسماء للممنوعين على قوائمه.
ويبين الكاتبان أن منظمة اليونسيف دفعت مبلغ 267993 دولارا إلى جمعية البستان الخيرية، التي يديرها رامي مخلوف، وهو رجل الأعمال الثري وابن خال رئيس النظام، وربطت جمعيته بعدد من المليشيات المؤيدة للنظام، ويدير مخلوف شبكة الهواتف النقالة "سيرياتل"، التي دفعت لها الأمم المتحدة مبلغ 700 ألف دولار في السنوات الماضية، لافتين إلى أن الاتحاد الأوروبي وضع مخلوف على القائمة السوداء، ووصفته برقية أمريكية بأنه "وجه
الفساد في البلد".
ويظهر تحقيقق "الغارديان" أنه تم منح عقود لأفراد ممن هم في القوائم الممنوعة للتعامل معها، التي أعدتها الأمم المتحدة ذاتها، وتظهر العقود الكيفية التي قامت فيها عملية الأمم المتحدة بتأمين عقود وبهدوء مع أفراد وشركات ممن حظرهما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وبحسب الصحيفة، فإنه علاوة عن هذه العقود كلها، فإن وثائق مشتريات الأمم المتحدة تظهر أن المنظمات التابعة لها تعاملت تجاريا مع 285 شركة ورجل أعمال سوريا، ودفعت ما مجموعه 54 مليون دولار، ومعظمهم مرتبطون بالأسد أو مقربون منه.
وينقل الكاتبان عن الأمم المتحدة قولها إن عملياتها أنقذت حياة الملايين من المدنيين، وإنه لا مجال أمامها إلا بالتعامل مع النظام، إن كانت ستدير عمليات في سوريا.
وينوه التحقيق إلى أن الوثائق تكشف أن جزءا من الأموال أنفق على إقامة الطواقم التابعة لها في فندق "فورزيزون" في دمشق، حيث حصل الفندق على فاتورة 929632559 دولارا في الفترة ما بين عام 2014 إلى 2015، ولا يزال ثلث الفندق مملوكا من وزارة السياحة السورية، التي يحظرها الاتحاد الأوروبي، مشيرا إلى أن الفندق يعد أكثر منطقة آمنة لإقامة الفرق التابعة للأمم المتحدة داخل سوريا.
وتورد الصحيفة نقلا عن المتحدث باسم الأمم المتحدة، قوله: "العمل في سوريا، وفي أجواء نزاع دخل عامه السادس يفرض على قوى الإغاثة اتخاذ قرارات صعبة"، وأضاف: "عندما تواجه بقرار شراء بضائع، أو خدمات من رجال الأعمال مرتبطين بالحكومة، أو ترك المدنيين دون مساعدة، فإن الخيار واضح: الواجب هو توفير احتياجات المدنيين".
وينقل الكاتبان عن المنظمة الدولية، قولها إنها لا تتبع قوائم الحظر الأمريكية أو الأوروبية، بل قوائمها الخاصة، مستدركين بأن مسؤولا في الأمم المتحدة تحدث للصحيفة قائلا إن هناك حالة عدم ارتياح داخل بعض منظمات الأمم المتحدة حول سيطرة حكومة الأسد على جهود الإغاثة، وأضاف المسؤول، الذي عمل داخل سوريا، أن العمل هناك فيه الكثير من التحديات، إلا أن وضع الأمم المتحدة مخيب للآمال، وقال آخر إن النزاعات كلها تضيف صعوبات للعمل فيها، مستدركا بأن "الوضع في سوريا لا يحدث في أي مكان آخر".
ويشير التحقيق إلى أن مسؤولا آخر عمل في دمشق تحدث في بداية النزاع، قائلا: "كان فريق الأمم المتحدة في البلد يعرف منذ البداية أنه لا الحكومة، ولا المؤسسات التي رشحتها على قائمة التعامل، أو الشراكة مع الأمم المتحدة تعد مناسبة للعمل الإنساني المبدئي والمستقل المحايد"، وأضاف أن الاعتبارات المهمة تجاهلتها الأمم المتحدة؛ من أجل إرضاء رغبة الحكومة ومطالبها في الإغاثة، وهو ما دفع الأمم المتحدة للتورط مع كيانات مرتبطة بشكل وثيق بالحكومة.
وتفيد الصحيفة بأن مصدرا آخر وصف ما أسماه "ثقافة صمت" مثيرة للقلق فيما يتعلق بالعمل الداخلي وعملية الأمم المتحدة في دمشق، وقال أستاذ دراسات الحرب في جامعة كينعز في لندن رينود ليندر، إن الأمم المتحدة بحاجة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها؛ لأنها أصبحت قريبة من النظام، وأضاف ليندر أن مسؤولي الأمم المتحدة يجدون أن طبيعة الوضع المعقد في سوريا تدفعهم للاستجابة أو الموافقة على بعض مطالب الحكومة ليديروا عمليات الإغاثة، إلا أن "البراغماتية تحولت إلى قرب مثير للقلق من النظام"، بحسب قوله.
وتختم "الغارديان" تحقيقها بالإشارة إلى قول ليندر إن "عقود المشتريات المربحة مُنحت لأعوان النظام السوري، ممن يقومون بتمويل القمع، والوحشية، والذين تسببوا في الكارثة الإنسانية".