علق الصحافي البريطاني باتريك كوكبيرن في مقال نشرته صحيفة "إندبندنت"، على دلالات مقتل المتحدث باسم
تنظيم الدولة أبي محمد
العدناني، قائلا إن مقتله يعد ضربة قوية، مع أن التنظيم ضعيف جدا، ولم يعد كما كان من ناحية القوة.
ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، إن "ضعف التنظيم لم يؤد إلى توحيد صفوف أعدائه، فهم لا يزالون مفككين، ولطالما فاخر التنظيم سابقا بأنه قوة ساحقة، وأقوى من أعدائه في عام 2014، إلا أنه عانى منذ صيف عام 2015 من هزائم متكررة ومقتل عدد من قادته، وقال العدناني عندما سيطرت قوات التنظيم على مدينة الموصل في شمال
العراق قبل عامين: (لقد ذهل الأعداء والأصدقاء على حد سواء)، وحث مقاتلي التنظيم على التقدم للأمام، وألا يغتروا بالنصر، قائلا: (احذروا من الوقوع في أسر الكبرياء والغرور)، و(لا تتركوا نفوسكم أسيرة الغرور لما حققتموه من انتصارات ومكاسب عسكرية، مثل الهمفي، والمروحيات، والبنادق، والمعدات العسكرية)".
ويعلق كوكبيرن قائلا إن "العدناني كان الأجدر به اتباع نصيحته للمقاتلين، حيث أصبح تنظيم الدولة وفي فترة قصيرة الجيش القوي، الذي ظهر من المجهول، وسيطر على مساحات في
سوريا والعراق تعدل مساحة بريطانيا العظمى".
ويبين الكاتب أن "مزاعم كل من الولايات المتحدة وروسيا بأنهما استهدفتا العدناني، وأنه قتل وهو يتفقد المقاتلين، الذين يواجهون القوات التركية والأكراد، تشير إلى عدد من الأعداء الذين استعداهم التنظيم بعد انتصاره قبل عامين، حيث أعلن التنظيم الحرب ضد العالم باسم أيديولوجية عقيدية، ويدفع اليوم ثمن هذا العداء".
وتشير الصحيفة إلى أن تنظيم الدولة سيطر على كل من الرمادي وتدمر عام 2015، إلا أنه في تراجع مستمر منذ ذلك الحين، حيث خسر المدينتين، ولم يعد يسيطر إلا على مراكز حضرية في الموصل والرقة، بالإضافة إلى أن مقاتليه يتكبدون خسائر فادحة عندما يقررون القتال والصمود، لافتة إلى أن "الخيار المتوفر أمامه هو العودة إلى حرب العصابات، إلا أنه لم يعد قادرا على القيام بهجوم مضاد".
ويفيد المقال بأن العدناني حاول الظهور بمظهر الشجاع أمام هذه الهزائم، عندما قال: "هل تعتقدين يا أمريكا أن النصر هو قتل قائد أو آخر؟"، مذكرا أن مقتل أبي مصعب الزرقاوي عام 2006، وأسامة بن لادن عام 2011 لم ينه التنظيمين، حيث قلل العدناني من قيمة خسارة المدن، وتساءل قائلا: "هل هزمنا عندما فقدنا المدن في العراق وسوريا وعشنا في الصحراء (2007- 2010) دون مدينة أو أرض؟".
ويلفت كوكبيرن إلى أن "الوضع هذه المرة بالنسبة لتنظيم الدولة صعب؛ لأنه محاصر بالأعداء الذين يزعمون أنهم يتقدمون للقتل، إلا أن تعدد الأعداء وتنوعهم لم يكن دون فائدة لمن أطلقت على نفسها (الخلافة)؛ لأنهم يكرهون بعضهم، ويشكون ببعضهم أكثر من شكهم بتنظيم الدولة، وهذا الأمر ينطبق على حال تركيا وأكراد سوريا، حيث يزعم كل منهما بأنه يقاتل تنظيم الدولة، إلا أنهما في حالة احتراب، وتحاول الولايات المتحدة التوصل إلى وقف إطلاق للنار بينهما، إلا أن أنقرة ترفض الاتفاق مع الأكراد (الإرهابيين)".
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة دعمت الحرب في جرابلس الواقعة على الحدود السورية التركية، التي تقف على نهاية منطقة طولها 60 ميلا، وكانت آخر معبر لتنظيم الدولة إلى العالم الخارجي، وجاءت المعركة بعد خسارته في منبج، حيث سقط ألف من مقاتليه، مشيرة إلى أن تنظيم الدولة انسحب من جرابلس ليفسح المجال أمام قوات المعارضة المدعومة من تركيا للدخول إليها، حيث توصل إلى نتيجة أنه لا معنى لخسارته المدينة، وتكبد خسائر فادحة فيها، وربما أراد أن يدفع بمواجهة تركية كردية، بدلا من مواجهة تركيا مع الجهاديين.
ويرى الكاتب أنه "بعد بناء دولة شبه مستقلة، فإنه من الصعب استمرار تحالف الأكراد مع الأمريكيين في حرب تنظيم الدولة لقتال الجهاديين، فكان التعاون ناجحا، حيث خسر التنظيم معركة كوباني التي استمرت أربعة أشهر ونصف، وربما منح هذا النصر الأكراد الثقة بأنفسهم وبقوتهم العسكرية، واستمرار الدعم الأمريكي لهم".
ويورد كوكبيرن أن "المناطق التي سيطر عليها الأكراد في شرق الفرات تظل عرضة للضربات التركية، خاصة أن معظم سكانها يعيشون في المدن على طول خطوط القتال، ومشكلة تركيا في شمال سوريا هي وجود دولة كردية فعلية في سوريا اليوم، ولا يمكن القضاء عليها إلا بحرب شاملة، وهذا يضع الولايات المتحدة أمام معضلة؛ لأنها ستقف مع الأكراد في وجه الهجوم التركي".
ويقول الكاتب إن "الحروب في العراق وسوريا تشبه حرب الورود، التي كان ينظر فيها كل طرف للآخر بنوع من الشك، ويخشى خيانة الطرف الآخر، واستمرار الفوضى والعنف لن يصب إلا في مصلحة تنظيم الدولة وتنظيم
القاعدة، وهما نتاج للحرب".
ويتساءل كوكبيرن قائلا: "هل كان العدناني محقا عندما توقع نهوض تنظيم الدولة كما فعل في الماضي؟ فبعد زيادة القوات الأمريكية عام 2006/ 2007، وانقسام المقاومة والمجتمع السني، ووجود تنظيم القاعدة، كان من المفترض أن يكون تنظيم الدولة، الذي أعلن عن الخلافة بعد سنوات، قد مات ودفن".
ويجد الكاتب أن "الفرق اليوم هو أن الكثير من سنة العراق فقدوا بيوتهم، وسيفقدون أكثر لو سقطت الموصل، وبالتالي سيكون التنظيم ناقوس الموت للمجتمع السني ذاته، أما في سوريا فإنه في تراجع نتيجة للضربات الأمريكية، والروسية، والتركية، وغيرها من القوى، فهو على خلاف العراق، لا يهيمن على السنة السوريين، وقد يستطيع شن هجمات كبيرة تسيطر على عناوين الأخبار لأيام، إلا أن هذا لن يمنع من سقوط الدولة ولو بعد سنين".
ويخلص كوكبيرن إلى القول إن "مقتل العدناني ربما قرب النهاية أكثر، إلا أنه وغيره من القادة فشلوا في العثور على حلول للمشكلات التي كانت نتاجا لجرائمهم الوحشية ولعنفهم".