يرى متابعون للشأن السوري أنه من الصعب تطبيق
الهدنة التي تم التوصل إليها بموجب اتفاق أمريكي روسي في
سوريا، بسبب الواقع العسكري على الأرض، حيث إن النظام ما زال يقصف مناطق خارجة عن سيطرته، كما أن موقف كبرى الفصائل المقاتلة من الاتفاق غير واضح حتى الآن، ما يرجح أن الاتفاق الجديد لن يكون أوفر حظاً من الاتفاقات السابقة المماثلة.
ويتساءل البعض عن السبب الذي يدفع بروسيا إلى السعي بقوة لهذا الاتفاق، وهو الأمر الذي أوضحه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بشدة، حيث قال في وقت سابق في مؤتمر صحفي في موسكو؛ "إن تأخير المفاوضات لم يعد ممكناً"، كاشفاً في الوقت ذاته عن رفض الولايات المتحدة لمقترح تقدمت به موسكو يقضي بنشر بنود الاتفاق السرية للاتفاق الذي تم التوصل إليه في جنيف، والذهاب بها إلى مجلس الأمن لتبنيه كقرار دولي.
وفي هذا الإطار، يعزو المعارض السوري محمود الحمزة سبب "الرغبة الروسية الجامحة" لتثبيت هذا الاتفاق؛ لـ"قناعتها بعجز هذا النظام (السوري) عن القيام بمهامه القتالية، دون الاعتماد على تغطيتها الجوية للعمليات القتالية، ودون وجود المليشيات غير المنضبطة التي لها الدور الأبرز في القتال على الأرض".
وقال الحمزة في حديث خاص مع "
عربي21": "الروس يحاولون في آخر أيام الرئيس الأمريكي (باراك) أوباما تحصيل مكاسب، وخصوصاً أن هناك تفاهماً جرى؛ نالت
روسيا بموجبه الحرية الكاملة في إدارة الملف السوري، ولذلك بتنا نلمس هذا الرغبة الروسية المتسارعة بتثبيت بنود هذا الاتفاق، قبل تغيير الإدارة الأمريكية، للخروج من الورطة الاستراتيجية في سوريا، وللحيلولة دون ترحيل هذا الملف للإدارة المقبلة"، وفق تقديره.
ويشير الحمزة، الذي يقيم في روسيا والخبير بشؤونها، إلى حديث المحللين العسكريين الروس، وإلى ما يُكتب في الصحافة الروسية المحلية في الشأن السوري، موضحا أن الأوساط الروسية تُجمع على اعتبار "المضي في الخيار العسكري"، مع وجود جيش سوري متهالك، لا يمكن الاعتماد عليه كحليف للحرب ضد الإرهاب، لأنه بات مؤلفاً من مليشيات متعددة الجنسيات، هو "أمر بمثابة المغالطة الكبيرة"، كما قال.
وفي هذا السياق، ينوه الحمزة إلى دعوة المحلل العسكري الروسي ميخائيل خوداريونوك؛ لحكومة بلاده للخروج والانسحاب من الملف السوري، لأنه "من الأسهل حل جيش النظام وتشكيل جيش جديد، على مواصلة القتال مع هذا الجيش العاجز عن تحقيق النصر".
حرص روسي على الحل
أما رئيس الحركة الدبلوماسية الشعبية، بسام البني، فقد خالف رأي الحمزة. وبالرغم من تأكيده لوجود مخاوف روسية من ترحيل الملف السوري إلى الإدارة الأمريكية المقبلة، اعتبر أن الإصرار الروسي على التوصل لحل سياسي للقضية السورية "ليس وليد هذه الهدنة"، وإنما هو "نهج دأبت عليه موسكو منذ اليوم الأول للثورة السورية"، وفق قوله.
وقال البني في حديث خاص لـ"
عربي21"؛ إن "الروس شددوا منذ اليوم الأول على
الحل السياسي، بينما الأطراف المقابلة راهنت على سقوط النظام، وبالتالي إن وصلت روسيا لحل سياسي تكون قد انتصرت، وهذا الحل السياسي الذي سيمهد للانتصار لن يحدث إلا بوجود هدنة"، معتبراً أن وجود هدنة بضمانة دولية؛ سيشكل أمل بالتقدم في المفاوضات الهادئة، كما قال.
وأضاف: "لقد حان الوقت للجميع بأن يدرك أن ما يجري في سوريا هو أكبر من حجم الموالاة والمعارضة". وتساءل: "هل ستتغير المعادلة الدولية في حال سقوط النظام، وفي حال تم هذا الأمر ستتحول الموالاة إلى معارضة وستحمل السلاح ضد الحكومة الجديدة؟".
ورأى البني أن "هناك إصرارا روسيا على عدة قضايا، من بينها ايجاد عالم متعدد الأقطاب وعلى حماية مصالحها الاقتصادية".
وعن حظوظ نجاح هذا الاتفاق الأمريكي الروسي الأخير في سوريا، قال البني: "إن هذا الاتفاق هو خطوة للأمام، وهو تراكم سياسي جديد، لكن قد يتعرض إلى عراقيل كبيرة، بسبب الرغبة الأمريكية بترحيل الملف إلى ما بعد الانتخابات"، وفق تقديره.