سيطرت قوات تابعة للجيش المنضوي تحت البرلمان بقيادة خليفة حفتر على موانئ تصدير النفط التي استأثر بالقرار حولها إبراهيم الجظران، لفترة زمنية تربو عن ثلاث سنوات أضرت بالبلاد والعباد بشكل كبير.
ما من شك أن التحكم في النفط، الذي يشكل المصدر الأساسي للدخل، هدف استراتيجي لطرفي الصراع، ويدرك خليفة حفتر أن الدعم الذي توفره بعض الدول لن يستمر، وبالتالي فإن قرار وضع يد الجيش الذي يقوده على النفط لا بديل عنه.
الجديد هو تسليمه للموانئ للمؤسسة الوطنية للنفط التي هي خارج نطاق سلطة البرلمان والجيش. فحفتر لم يعترف بالمجلس الرئاسي، وإلى أيام قليلة سابقة كانت له تصريحات حادة تجاهه. والمؤسسة الوطنية ستقوم بتحويل عوائد بيع النفط إلى المصرف المركزي بطرابلس، وفق المعروف والمألوف وما تقضي به القوانين النافذة، والاثنان مؤسسات خاضعة للمجلس الرئاسي وفق اتفاق الصخيرات وقد أقرت كلاهما بذلك.
بالقطع لم يكن خليفة حفتر ينوي حل أزمة النفط وفق ما وقع اليومين الماضيين، فالنفط ورقة مهمة جدا في التفاوض حول تركيبة الحكومة التي من المنتظر أن يشكلها الرئاسي، وقد أكدت مصارد مقربة من دوائر صناعة القرار أن حفتر يقبل بالانضمام إلى الاتفاق السياسي، على أن يسلم له ملفا الدفاع والداخلية، وستساعده ورقة النفط على فرض شروطه.
يبدو أن بيان الأطراف الغربية، والولايات المتحدة وحلفائها الخمسة الأوروبيين، الذي دعا إلى الانسحاب الفوري لقوات حفتر من الهلال النفطي، ساهم في تغيير استراتيجية حفتر، واتجاهه إلى تسليم الموانئ للمؤسسة الوطنية للنفط، وهي حركة ذكية جدا، فعودة تصدير النفط بانتظام ستؤدي إلى التخفيف بشكل كبير من الأزمة الاقتصادية والمالية الحادة وتحسن من أوضاع عيش الليبيين بتراجع سعر الدولار أمام الدينار، وبالتالي مزيد من التأييد للجيش التابع للبرلمان ولقائده العام، خصوصا إذا تعهدت الأطراف الدولية لحفتر بالدعم في المفاوضات إذا انصاع لموقفها.
السؤال المهم هو هل سيصمد إجراء إرجاع المنشآت النفطية الحيوية لسلطة المؤسسة الوطنية للنفط، وهل سيكون ما وقع بداية لتحول إيجابي يعزز الوفاق ويقوي اللحمة ويقود إلى استقرار البلاد وانتعاش اقتصادها، أم إن الواقع ما يزال شديد التعقيد وقد ينذر بتأزم الوضع من جديد؟
من المهم القول إن ما وقع كان مفاجئا، وبالتالي يعسر فهمه وتفسيره وتغيب فيه حلقات تمنع من بناء توقعات على ما جرى. هذا الغموض يدفع إلى البحث في ما يمكن أن يقع من خلال سيناريوهين هما:
- أن بادرة تسليم المنشآت النفطية تنسجم مع المطلب المحلي لعودة تدفق النفط لوقف التردي الكبير في الوضع الاقتصادي والمعيشي لليبيين، ومع مطلب الغرب الذي يريد نجاح الاتفاق ومن أهم أسباب نجاحه هو توفر الموارد المالية. وأن حفتر قبل بالانضمام للاتفاق السياسي وفق مفاوضات غير معلنة مع بعض أعضاء المجلس الرئاسي وأطراف وطنية فاعلة ضمن جبهة طرابلس، وأيضا مع الفاعلين الدوليين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية. ولا أستبعد أن واشنطن دخلت على خط الأزمة الليبية بقوة خلال الأسابيع الماضية، ومارست ضغوطا على الطرفين، وذلك في سياق بحثها عن تطور إيجابي في الملف الليبي يتمحور حول تعزيز الوفاق بهدف تقوية وضع الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية التي باتت على الأبواب، ونعرف أن الملف الليبي مثل أحد أداوت التراشق بين الحزبين الرئيسيين.
- السيناريو الثاني يقوم على أن ما وقع لا يعدو أن يكون مناورة لن تكون طويلة العمر، وأن الأزمة يمكن أن تمتد، ذلك أن قبول شروط حفتر بإخضاع الدفاع والداخلية في حكومة الوفاق لسلطته وبصلاحيات واسعة أمر مستبعد، وبالتالي فإن ردة الفعل هو وضع يد حفتر على الموانئ من جديد، فلن يكون مقبولا في حال فشل الوفاق أن تذهب أموال النفط إلى طرابلس وحفتر ليس موجودا، ويتفرد بوضع السياسات الأمنية وإدارة ملفي الجيش والداخلية من هناك.