يفاجئ وزير العدل
اللبناني المستقيل أشرف ريفي الجميع بوتيرته التصاعدية في الهجوم على زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، الذي كان يدين له بالولاء قبل شهور قليلة، وتحديداً قبل إعلان الحريري أن وزير العدل لم يكن يمثله عندما انسحب من جلسة الحكومة احتجاجاً على عدم البحث في قضية إحالة ملف الإرهابي "ميشال سماحة" إلى المجلس العدلي، فردّ ريفي بالاستقالة من الحكومة وبالخروج من أجواء "المستقبل" بشكل تدريجي، وصولاً إلى مواجهة الحريري مؤخراً وكَسرِه في انتخابات بلدية طرابلس، معقل تيار المستقبل.
ريفي لم يكتفِ قبل يومين بإطلاق ما يُشبه أَيمان الطلاق النهائي على الحريري بل وصل إلى حدّ نَعيِ الأخير سياسياً، مؤكداً أن "الشيخ سعد" انتهى وأن السُنّة ينتظرون قائداً جديداً. وكشف ريفي في لقاء تلفزيوني بطريقة غير مباشرة عن القائد الجديد الذي يقصده، وهو ريفي نفسه، فأعلن أنه سيخوض الانتخابات النيابية المقبلة حال إجرائها بمرشحين في أكثر من محافظة لبنانية وصولاً إلى العاصمة بيروت، حيث سينافس الحريري أيضاً في دائرته الانتخابية نفسها، مؤكداً في كل مناسبة بأنه الأمين على مسيرة رفيق الحريري وأن "سعد" انحرف عنها، والوراثة السياسية لا تقتضي العضوية العائلية.
مواقف ريفي هذه خلّفت ردود فعلٍ مختلِفة في الأوساط السياسية في لبنان ما تزال أصداؤها تتردد، ووصفه مناصرو خصومه في صُحفهم وعلى صَفحاتهم بأنه مصاب بجنون العظمة، ورأَوا فيه ميشال عون جديداً بنسخة سُنية، وأنه مغفّل يريد أن يحارب الجميع وسيجتمع الجميع للإنقضاض عليه في أقرب فرصة.
من يعرف أشرف ريفي عن قُرب يعرف أنه غير مغفّل وغير موتور، بل اشتهر أثناء خدمته كضابط في قوى الأمن الداخلي بقدرته على تدوير الزوايا وبتهذيب مبالغ فيه وبولَعه في نسج العلاقات مع الناس عبر ما أمكن من التواصل والخدمات، من حساب عائلة الحريري ونفوذها في الدولة.
لكن وزير العدل ابن طرابلس، الحاضنة السنية وفق التقسيمات البسيكولوجية الجديدة في لبنان، يطمح لأن يحقق ما عجز عنه والده الراحل عندما كان يترشح ويرسب في الانتخابات، بل بات يتطلع إلى أكبر من ذلك بكثير بعد تقدّمه على زعامات طرابلس ومعهم زعيم "المستقبل" في الانتخابات البلدية، فرأى أنه طالما ابتلّ بخصومةٍ مع الحريري فما عليه إلا أن يكمل السباحة غير عابئ بالغرق، سباحةٌ يعزف فيها على لحن سُنة لبنان "المضطهدين" في مواجهة سياسييهم الذين يتّهمهم بأنهم خانعون لإرادة حزب الله وحلف الممانعة.
وما يؤخذ عليه من تجميعه معظم القيادات السُنية في حلفٍ واحد ضده هو استراتيجيته الذكية في معركة الإلغاء التي يشنها ضد الآخَرين. فبدل أن يرِث هو وخصوم الحريري التقليديين، وتحديداً الرئيس نجيب ميقاتي، تيار المستقبل المتراجع شعبياً، يريد أن ينفرِد بالميراث فجمَعهم كلهم ضده لقناعة منه بأن لوائح الحريري ستَغرق وتُغرق المتحالفين معها، وليقول بعد أقرب انتخابات نيابية، أنا الزعيمُ السُني الذي بشّرتُكم به، مطمئنّاً إلى أنه سيكون تسونامي السُنة القادم، كما شكّل الجنرال ميشال عون تسونامي مسيحياً عام 2005 عندما واجه منفرداً في الإنتخابات النيابية معظم الأحزاب والعائلات السياسية المسيحية، فتفوق عليهم دون أن يتمكّن من إلغائهم، لكنه استطاع أن يُصبح أبرز المرشحين لرئاسة الجمهورية ورئيس أكبر كتلة نيابية وأكبر حزب مسيحي في لبنان، والجنرال ريفي لا يريد أكثر من ذلك على الجانبِ السُني.
في البُعدِ الخارجي المُلزِم لبناء أي زعامة في لبنان، لا يبدو ريفي مقطوعاً من شجرة فهو مقرّب من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز الذي لا يميل لتبنّي المملكة سعد الحريري ويشجّع على البحث عن بديل، إضافة إلى بعض علاقات الصداقة التي تربطه بمسؤولين رفيعين إماراتيين وآخرين أتراك، فضلاً عن صِلاتٍ بعدد كبير من الضباط العرب في مواقع المسؤولية.
أما في العلاقات الداخلية فهو يؤكد دائماً تفاهمه البعيد مع حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع، وفي الوقت نفسه، يولي عنايةً خاصة لعلاقته مع هيئة العلماء المسلمين في لبنان المناصرة للثورة السورية، كذلك يعلن أن مرشحه لرئاسة الجمهورية هو قائد الجيش الجنرال جان قهوجي، معتبراً أن ترشيح ميشال عون هو هدية مجانية لإيران، كما أن ترشيح سليمان فرنجية هو خضوع للنظام السوري وتنكّر لدماء الشهداء.
الرّد على الجنرال أشرف ريفي في كل ما يطرحه ليس مهمّة صعبة، لكن فلسفة المنطِق لم تحكُم يوماً الشارع اللبناني بل فلسفة المناطِق، وكما كان الهوى الشعبي السُني مع سعد الحريري منذ عام 2005 فإنه اليوم ضدّه أو على الأقل تراجع كثيراً.
ريفي مؤمِن يقيناً بضَعف الحريري الرّاهن داخلياً وخارجياً وهو يريد أن يسبق الجميع على خصومته وفيها، مع إدراكه أن الرئيس نجيب ميقاتي أَولى بهذا المسار، فالميقاتي لم يكن يوماً مقرّباً من عائلة الحريري بل هو منافسُها المعتدِل وهنا تكمن مشكلته.. فالاعتدال لا يصنع زعامةً في لبنان.