قال أمين القسم السياسي بجماعة
الإخوان المسلمين
المصرية، حسين عبد القادر، إن مصر على أبواب ثورة عارمة بدأت مقدماتها تتجلى للجميع، خاصة بعد تفاقم الكثير من الأزمات الداخلية والخارجية لسلطة الانقلاب العسكري، على رأسها الانهيار الكبير الذي تشهده الخدمات الاجتماعية والاقتصادية التي تُقدم للشعب، والانهيار الحاد لقيمة العملة المحلية (الجنيه المصري).
وأشار في مقابلة مع "
عربي 21" إلى "اشتعال أزمة غلاء الأسعار، وارتفاع معدلات التضخم، وضعف البنية التحتية، وسوء توزيع الثروات، واتساع الفجوات الهائلة بين الأغنياء والفقراء، وتقزيم دور الدولة واختزاله في المؤسسة العسكرية فقط".
وأكد أن تلك الأزمات وغيرها أثرت سلبيا على ثقة حلفاء الانقلاب – بالداخل أو الخارج- به، ما دفع الكثيرين منهم إلى التخلي عنه، سواء بالرفض والانتقاد والهجوم أحيانا، أم الانتقال من موقع الدفاع والتأييد إلى موقع الحياد والصمت، كاشفا عن أن بعض مؤسسات الدولة المصرية الآن ترفض الوضع القائم.
وذكر أن للثورة عند المؤسس الأول لعلم الاجتماع "ابن خلدون"، سبعة أسباب، منها "الانهيار الاقتصادي، وانتشار الظلم، وانتهاك الحقوق والحريات، والترف والفساد"، مؤكدا أن كل تلك الأسباب أصبحت متوفرة بقوة في الحالة المصرية.
وشدّد عبد القادر، الذي يشغل أيضا منصب المتحدث الإعلامي باسم حزب الحرية والعدالة، على أن لجوء النظام الانقلابي إلى درجة عالية من العنف الدموي واعتماده على أدوات القهر أفقد هذه الأدوات هيبتها، حيث إن قوة هذه الأدوات تكمن في قدرتها النفسية على الردع.
وأضاف: "يبدو للناظر من الوهلة الأولى أن النظام الانقلابي قد أحكم قبضته على الدولة، وانطلق يمزق أوصالها ويحولها إلى ثكنة عسكرية خربة ينعق فيها البوم، ويستنزف دمها ويتجرعه كل يوم في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
واستدرك بقوله: "لكني أرى جيلا يصُنع ليقود ثورة شعبية من كل طوائف الشعب المقهور والمستنزفة موارده، وأرى أن الثورة أصبح لها كيان صلب وواقع ملموس وأشخاص يعبرون عنه، إلا أنه يعتري هذا الكيان الضعف، للشدة والإسراف في استخدام القوة دون رقيب ولا رادع من ضمير أو دولة أو منظمة دولية".
وأردف عبد القادر: "الانقلاب فعل بأهل مصر ما يفعله الكيان الصهيوني بأهلنا في فلسطين والنظام المجرم في سوريا"، لافتا إلى أن "التحديات والعقبات التي تواجه الثورة طبيعية، لكنها بلا شك قوية ومتجذرة من عمر الحكم العسكري، ومتشعبة تشعب الأمية المنتشرة في ربوع مصر".
وتابع: "لكن قسوتها وإجرامها وخيانتها للشعب وعمالتها الواضحة ستكون من العوامل والمحفزات للتحرك والعمل وأدوات التغيير في المستقبل القريب"، لافتا إلى أن "الثورة حاليا في مرحلة تدافع وصراع إرادات".
وأوضح أن "التحدي الأكبر الذي يواجه
ثورة يناير هو توحيد الصف الثوري، فكرا وموضوعا وعملا على المشترك، وإدراك أن للآخر هوية (قيمة ورسالة وسياسيات واحتياجات)، وبالتالي فإن الهدف من العمل من خلال كيان مشترك ليس تغيير هوية الطرف الآخر أو فرض قيمك ورسالتك عليه، وإنما تحقيق مصلحة عليا أيا كان مداها، ما دامت تمثل لكل طرف نجاحا في مستوى معين"، محذرا من تحويل الهدف من تحقيق مصلحة للوطن وتحقيق للقيم إلى محاولة ضم أو ذوبان الطرف الآخر.
ودعا إلى "الاحتراس من عدم المصداقية أو ضعف الشفافية في التعامل مع ما نلتزم به، وما نتعهد به يجب علينا الوفاء به، حتى يتم تنفيذه على الوجه الأكمل، وما لا نريد الالتزام به أو لا نزال في مرحلة البحث يجب علينا إيضاح ذلك احتراما لأدوات وآليات التعامل والعمل المشترك ما دامت لا تتعارض مع قيمك واختياراتك، فإن تعارضت تعتذر بوضوح تاركا الباب لمرحلة أخرى يحدث فيها التعاون ووضوح تصور أن التحالف أو الكيان لا يعبر عن اندماج كامل أو دائم، وهذه هي أهم المحاذير داخل الكيان الثوري".
وأشار إلى أن جماعة الإخوان تدعو دائما للاصطفاف الثوري، وتشارك بقوة في جميع الكيانات الثورية سواء داخل مصر أم خارجها، مطالبا بإنهاء ما وصفه بـ"الاستبداد" في الصف الثوري، كي تستجمع الثورة قواها المختلفة، ليصبح الفرقاء شركاء قادرين على هزيمة حكم العسكر الذي وصفه بالمستبد والفاشي.
وتابع: "وسط المتغيرات الدولية والإقليمية والتنازع الداخلي بين أبناء الوطن توجد سيناريوهات كثيرة متوقعة، ولكل سيناريو درجات للتحقق تبدأ من انتصار حاسم للثورة إلى انتصار حاسم للانقلاب، وما بينهما كثير، مرورا بحالة من عدم الحسم إلى الاحتراب الأهلي إلى سيناريو استبدال المنظومة بأخرى فاسدة".
وأردف المتحدث الإعلامي باسم حزب الحرية والعدالة: "بصرف النظر عن السيناريو المرجح بالنسبة لنا، فنحن نعمل على سيناريو مصيري، وهو انتصار الثورة الحاسم أو الجزئي المرحلي، حتى تعود لوطننا أراضيه وموارده وتعود الحرية لشعبنا الممتهن".
وذكر عبد القادر أن "ما وصفها بحالة السيولة الدولية والتشابكات هي التي دفعت دولا كبرى لدعم ومساندة الانقلاب، فهم يرون فيه مصالحهم، ولبقاء مصر قيد الاستغلال والتبعية واستنزاف موارد الدولة".
ولفت إلى أن عدم قدرة الثوار حتى الآن على بناء ظهير دولي وإقليمي قوي ساعد في استمرار الحالة الانقلابية، واستمرار إغراق مصر في الاتفاقات والديون المجحفة، وعزز من تعاطي الدول الخارجية ذات المصلحة مع حكومة الانقلاب ودعمها، مؤكدا أن قوى الثورة تحتاج بقوة للتواصل مع المجتمع الإقليمي والدولي، وأن يكون لديها استراتيجية واضحة في هذا الشأن.
وأكد أن الثورة تحتاج إلى خطة عمل تتضح فيها الأدوار وطريقة العمل بها، وفق سياسات وضوابط واضحة للقوى الثورية، وتعظيم دور الشعب أكثر، وتفعيل مشاركته في حل همومه ومشاكله التي تجاوزت كل الحدود، وإبراز رموز من الداخل والخارج قادرة على التعاطي مع القوى الدولية والإقليمية التي تساند نظام الانقلاب، وإثارة الشارع.
وشدّد على أن هناك الكثير من الإشكاليات بخلاف الحقوق والحريات، تستوجب الخروج والانتفاض ضد الانقلاب، وهي تلك التي تتعلق بأمن الوطن وسلامة أراضيه، فضلا عن الحالة الاقتصادية وغيرها.
وأوضح أن سلطة الانقلاب تتبع الكثير من السياسات من أجل مواجهة الثورة، على رأسها تمويت البدائل المحتملة سواء كانت مدنية أم عسكرية، والجمع بين السلطة التنفيذية والتشريعية، واستدعاء هوية وافدة بعد محاولتها القضاء على هوية وقيم المجتمع الأصلية والمتعارف عليها، وشيطنة الثوار والإخوان، والاستئصال الدموي، وبناء جدار الخوف.
ورأى أن 2013 كان عام المذابح الجماعية، و2014 هو عام أحكام الإعدام الجماعية، و2015 عام التصفية الجسدية، و2016 عام الإخفاء القسري، متوقعا أن يشهد عام 2017 بدء تنفيذ أحكام الإعدام حال استمرار سلطة الانقلاب - وبإذن الله لا يكون- بينما سيكون 2018 هو عام التعامل مع قيادات الخارج.
وأوضح عبد القادر أن الاستراتيجية التي تتبعها جماعة الإخوان المسلمين قبل كسر الانقلاب هي استراتيجية الشريك وليس القائد، بينما الاستراتيجية التي ستتبعها عقب كسر الانقلاب هي استراتيجية "
جماعة الضغط".
وحول إشكالية غياب البديل، قال: "الناس تبحث عن بدائل في حالة غياب الأصل، وهو موجود، لأننا لدينا رئيس مصر الشرعي المختطف. إلا أن يشاء الله غير ذلك. ومع هذا لا نشكك في قدرة أحد على قيادة الثورة ولا نمانع في وجود من يقود الثورة أفرادا أم كيانات، فهدفنا واحد جلي، ألا وهو كسر الانقلاب واحترام الإرادة الشعبية".
وشدّد على أن "أي حراك ثوري يقوم به أي فرد في الشارع يسبب أزمة نفسية وحرجا عالميا بالغا للانقلاب، فكل إنسان بالشارع يحمل أي شارة تعبر عن الشرعية لهو دليل الرفض التام وعلامة عدم استقرار، وفي ظل القمع المتنامي تقل الأعداد، لكنني أرى دوافع مختلفة سوف تكون محركا لتيار ثوري جديد يزيح المستبد الباغي".
وأوضح أن هناك رؤى استراتيجية لإسقاط الانقلاب العسكري موجودة لدى بعض القوى الثورية، لكن ينقصها امتلاك أدوات التغيير وتفعيل الآليات، وأولها التوافق على مراحل عمل مرتبة وفق أولويات محددة، مشدّدا على أن من يمارس القمع والتنكيل بشعبه لا يصلح أن يكون طرفا في أي معادلة.
ورأى أن أدوات القوة التي تمتلكها سلطة الانقلاب يمكن أن تنقلب عليها، وقبل ذلك قوة الشعب، والله فوق الجميع. واستدرك بأن "تلك الأدوات عامل قوي ولولاها بعد إرادة الله لما كان الانقلاب، وهي الآن تعاني كما يعاني الشعب، لكن بدرجة مختلفة".
واختتم أمين القسم، السياسي بجماعة الإخوان بقوله: "كل بداية ولها نهاية، وشرط الخروج مما نحن فيه أن نحترم نواميس الله وسننه التي تجرى على عباده، ومنها الإعداد والتجهيز والعمل والصبر".