كتاب عربي 21

السعودية و"قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب"

1300x600
لم تكن ولادة "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يسمح لذوي ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية عسيرة في ظل تحولات الرؤية الإستراتيجية الأمريكية المتعلقة بتحديد طبيعة مصالحها الأمنية القومية وإعادة تعريف مصادر التهديد والخطر فقد تبدلت نظرة الولايات المتحدة إلى حلفائها في منطقة الشرق الأوسط باستثناء المستعمرة الاستيطانية الإسرائيلية التي تتجاوز علاقاتهما المجال السياسي وتدخل في سياق لاهوت السياسة.

كان الرئيس أوباما قد كشف في 10 آذار/ مارس 2016 في حوار صحفي مع مجلة "أتلانتيك" الأمريكية عن طبيعة تحول النظرة الأمريكية للمنطقة وإعادة بناء أسس التحالفات الجديدة حيث قال إن "دول الخليج والسعودية تؤجج الصراع الطائفي في المنطقة، وتنتفع بالمجان من خلال دعوتها لأمريكا للحرب دون المشاركة فيها" وأضاف في تصريحاته التي عرفت إعلاميا باسم "عقيدة أوباما"، أن "المنافسة الإقليمية بين السعودية وإيران أدت إلى تغذية النزاعات في اليمن والعراق وسوريا"، مطالبا المملكة بضرورة مشاركة المنطقة مع إيران، وفي سياق تبدل النظرة الأمريكية للسعودية من دولة حليفة في مواجهة التطرف والإرهاب إلى دولة تعمل كحزام ناقل للراديكالية والإرهاب علل أوباما محاججته من خلال أرخنة تاريخ التطرف بالقول: "لأن السعوديين والدول الأخرى دفعت بالأموال، وأعداد كثيرة من الأئمة والأساتذة، نحو البلاد، ففي التسعينات، مول السعوديون بشدة المدارس الوهابية، التي تعلم النسخة الهوياتية من الإسلام والتي تفضلها العائلة الحاكمة السعودية"، وعندما سئل أوباما "أليس السعوديون أصدقاءك؟" ابتسم وقال: "الأمر عقد".

ولادة "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" باتت ممكنة في ظل تحولات السياسة الخارجية الأمريكية وبروز "عقيدة أوباما" فمع قرب حلول الذكرى السنوية الخامسة عشرة لهجمات 11سبتمبر 2001 أقر مجلس النواب الأمريكي بالإجماع حيث صادق في 9 أيلول/ سبتمبر 2016 على مشروع "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يسمح لذوي ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية طلبا لتعويضات وذلك بعد مرور أربعة أشهر من تبنيه في مجلس الشيوخ في أيار/ مايو 2016 وأحيل إلى الرئيس باراك أوباما الذي كان قد وعد باستخدام حق الـ "فيتو" باعتبار أن هذا الإجراء سيؤثر على مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من الملاحقات المدنية أو الجنائية لكن إقراره في مجلسي النواب والشيوخ بسهولة يشير إلى احتمال إقراره بتصويت يتجاوز "فيتو" الرئيس ويتطلب ذلك موافقة ثلثي الأعضاء في المجلسين وهو أمر يبدو ممكنا بعد أن نال مشروع القرار إجماع الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب.

إذا أصبح مشروع "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" قانونا فإنه سيرفع الحصانة السيادية التي تمنع إقامة دعاوى قضائية ضد الحكومات عن الدول التي يثبت أنها متورطة في هجمات إرهابية على الأراضي الأمريكية وسيسمح القانون للناجين من الهجمات وأقارب القتلى بالمطالبة بتعويضات من الدول الأخرى، وكان 15 من 19 شخصا خطفوا الطائرات التي استخدمت في اعتداءات 11 سبتمبر 2001 من السعوديين وعلى الرغم من التصريحات الرسمية الأمريكية المتتالية التي برأت المملكة العربية السعودية من أي مسؤولية عن الهجمات إلا أن ذلك بات في مهب الريح مع تبدل الظروف وتغيّر السياسات الأمر الذي سيتيح إقامة دعاوى بمحكمة اتحادية في نيويورك يسعى من خلالها المحامون إلى إثبات أن السعوديين كانوا ضالعين في الهجمات على مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، ويحتدم الجدل والنقاش في واشنطن حول ما إذا كان يجب رفع التصنيف السري عن 28 صفحة من تقرير أحداث 11 أيلول/ سبتمبر يعتقد أنها تتطرق إلى أدوار محتملة لحكومات وكيانات أجنبية بينها السعودية.

تطمينات أوباما للسعودية أثناء زيارته الأخيرة للمملكة في نيسان/ إبريل الماضي باستخدام نفوذه وحق الـ "فيتو" برفض مشروع القانون ليست سوى ذر للرماد في العيون وإشارة لطبيعة الجدل في واشنطن لكنها لا تغير من فهم التحولات، ويبدو أن معارضة السعودية لمشروع القانون وممارسة ضغوطات لن تكون كافية كما أن تهديدات السعودية ببيع سندات أمريكية وأصولا تصل قيمتها إلى 750 مليار دولار إذا أصبح المشروع قانونا ليست مجدية وهي خطوة متأخرة جدا، أما حملة التضامن العربي واستنكار جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي لمشروع القانون فلا يعدو كونه قلقا مشروعا وتضامنا محمودا.

أحد المسائل المحيرة في العقل السياسي الرسمي العربي المعاصر هي حالة البلادة والجمود وعدم القدرة على إدراك تحولات الواقع الدولي فقد طرأ تحول أمريكي جذري نحو السعودية حيث تبدلت الرؤية الأمريكية للمملكة من كونها تعمل كجدار واق ضد التطرف والإرهاب إلى اعتبارها كحزام ناقل للتطرف والإرهاب ففي الآونة الأخيرة تكاثرت الدراسات والمواقف والآراء الأمريكية في مراكز البحث والأفكار وعبر وسائل الإعلام والاتصال التي تربط بين العقيدة السلفية الوهابية وتنظيم الدولة الإسلامية وبعد أن كانت الإيديولوجية الراديكالية الإخوانية بنسختها القطبية متهمة بصورة رئيسية بوقوفها خلف هجمت 11 سبتمبر أصبحت الإيديولوجية السلفية بنسختها الوهابية السعودية المتهم الأساس، وهو الأمر الذي أغرى إيران للدفع بصب مزيد من الزيت على النار فقد كتب وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف مؤخرا مقالا في صحيفة "نيويورك تايمز" بعنوان "لنخلص العالم من الوهابية" هاجم فيه المملكة العربية السعودية واعتبرها راعية للإرهاب.

التقارب الأمريكي الإيراني والتباعد الأمريكي السعودي لم يكن سوى نتيجة مؤكدة لسياسات أوباما الخارجية التي تبنت منذ وصوله للبيت الأبيض منظورا استراتيجيا يقوم على مفهوم "إعادة التوازن الاستراتيجي" من خلال التحول نحو آسيا ــ المحيط الهادي، والتي استندت إلى إعادة النظر في تحديد أولويات أمريكا بنقل الثقل الاستراتيجي نحو المناطق الأكثر نموا  ووضع صراعات الشرق الأوسط في مرتبة متأخرة فقد حافظت الولايات المتحدة لمدة طويلة على زعامتها في منطقة آسيا ــ المحيط الهادي، ومنذ قدوم  الرئيس أوباما شدد على أن الولايات المتحدة تنوي بكل إصرار مواصلة دورها القيادي في هذا الطرف من العالم حيث أعلن في شهر تشرين ثاني/ نوفمبر 2011 عن "تحول" سياستها الخارجية إلى التركيز على آسيا وقد عبرت السياسات الخارجية الأمريكية عن تحول استراتيجي أميركي واضح باتجاه آسيا والشرق الأدنى من خلال شراكات أميركية آسيوية جديدة، الأمر الذي أثار قلقا بالغا حول نتائج هذا التحول على منطقة الشرق الأوسط عموما والخليج العربي خصوصا.

على الرغم من معرفة وإدراك دول العالم العربي بهذا التحول الاستراتيجي، إلا أنها تصرفت دون مبادرة تذكر بينما استثمرت بعض دول الشرق الأوسط هذا التحول الكبير بالانكفاء حيث قامت إيران بالإسراع بانجاز اتفاق نووي مع أمريكا والغرب وأخذت بالتمدد أما الولايات المتحدة فقد تعاملت مع سائر قضايا المنطقة بالحد الأدنى باستثناء تحقيق الاتفاق النووي مع إيران وهو الأمر الذي نُظر إليه من جميع حلفاء الولايات المتحدة التقليديين وخصوصا دول الخليج باعتباره كارثة أسوأ من إعادة التوازن الآسيوي ببروز قوة إقليمية معادية.

خلاصة القول أن الشرق الأوسط لم يعد أولوية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية الأمر الذي ظهر جليا عبر جبهة سورية فالانكفاء الأمريكي أفسح المجال واسعا لتدخل لاعبين آخرين كروسيا وإيران، وهو أمر أدركته هذه القوى جيدا بينما تردد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في المنطقة كالسعودية وأحجموا فالولايات المتحدة حددت أولوياتها في المنطقة بحرب الإرهاب العابر للحدود ممثلا بتنظيم الدولة الإسلامية ولا مكان لـ "ركاب بالمجان" وإذا كانت إيران أصبحت شريكا فاعلا في حرب تنظيم الدولة الإسلامية وجدار واق ضد الإرهاب بحسب التقديرات الأمريكية فإن السعودية باتت إشكالية في حرب الإرهاب الأمريكية وباتت تمثل حزاما ناقلا للراديكالية والإرهاب بتبنيها النسخة السنية الوهابية بحسب الاجتهادات الأمريكية الجديدة وبهذا فإن مشروع "قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب" سوف يصبح ناجزا عاجلا أم آجلا.