إلى المرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016
السيدة هيلاري
كلينتون،
إن عقد لقاء سياسي مع حاكم عرف دوليا أنه "قاهر لشعبه"؛ تصرف إنساني مثير للخجل، وليس مجرد نشاط في حملة انتخابية رئاسية. إننا ندعوك لإلغاء الاجتماع المقترح مع قائد الانقلاب، والحاكم الظالم لمصر، والمقرر عقده على هامش اجتماعات الدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد في نيويورك.
يعاني عشرات الملايين من أبناء
مصر اليوم، بسبب الانقلاب العسكري الفاسد، الذي تسبب في مقتل آلاف الأبرياء، واعتقال عشرات الآلاف من الناشطين والقياديين السياسيين، وأصدر أحكاما بالإعدام على أعداد هائلة من الأبرياء، وخالف بشكل مستمر وعلى نطاق واسع، العديد من قوانين وأعراف حقوق الإنسان. يقوم هذا الانقلاب العسكري أيضا بسحق كل الخيارات السياسية البديلة له، ولقائده المجرم، وذلك بشكل ممنهج عبر استخدام القوة المفرطة، وبث الخوف والاستفزاز، وإجبار أعداد كبيرة من القيادات المعارضة على مغادرة الوطن، والحياة في المنفى.
هذه التجاوزات ليست سرا يخفى عليك، أو على الحملة الانتخابية لكم، فهي تجاوزات ينقلها الإعلام الدولي بشكل متكرر ودائم. وقد أصدرت منظمة العفو الدولية أكثر من تقرير يوثق حالات الاختفاء القسري والتعذيب التي يمارسها نظام
السيسي. بل أن السيناتور توم كاين، وهو المرشح لمنصب نائب الرئيس في حملتك الانتخابية، مطلع على هذه التجاوزات، وأصدر العديد من البيانات الرافضة لها طوال الأعوام الثلاثة الماضية.
لقد نادى السيد توم كاين مرارا بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بدورها في مساندة حقوق الإنسان في مصر، وانتقد علانية أسلوب القمع الذي يفضله ويمارسه قائد الانقلاب العسكري الذي ترتيبن لقاء سياسيا معه! يأتي السيسي إلى هذا الاجتماع مستعدا لتحويله إلى مكسب سياسي، وإقرار إعلامي بقبولكم للسياسات القمعية التي يستخدمها ضد شعبنا.
إن اللقاء بمثل هذا المجرم يطعن في مصداقيتكم بين كل من يحترمون حقوق الإنسان في دول العالم، وليس فقط من هم في مصر أو في الولايات المتحدة الأمريكية. إن شخصا كالسيسي لا يمكن مقارنته إلا بالقتلة والمجرمين من أمثال "سلوبودان ميلوسوفيتش"، والذي اعتاد الإعلام الأمريكي أن يلقبه بـ "جزار البلقان". هل كنت ستقابلين "ميلوسوفيتش" كجزء من حملتك الانتخابية لو كان لا يزال حيا؟
من الصعوبة بمكان، قبول الأسباب المعلنة لعقد هذا اللقاء مع السيسي. لا يوجد سياسي محترم يوافق أن يقابل حاكما قاتلا من أجل أن يظهر قدراته في التعامل مع السياسات الدولية. السيسي ليس شخصية سياسية محترمة. إنه ليس أكثر من مجرم قاتل. إننا نعتقد أنه من المستهجن أن يقوم مرشح رئاسي أمريكي بمقابلة مثل ذلك الشخص، والتغاضي عن سجله المشين في حقوق الإنسان.
نتعجب حقا: هل تؤيد هيلاري كلينتون قيام انقلاب عسكري في الولايات المتحدة؟ إذا كانت الإجابة بلا، فلماذا تؤيد وتوافق على مقابلة قائد عسكري مجرم اغتصب العملية السياسية في مصر، وحرم ملايين الأشخاص من خياراتهم الانتخابية، وحقوقهم القانونية في اختيار رئيسهم، والحياة في دولة حرة ديمقراطية، قاموا بتضحيات هائلة من أجل الوصول لها عبر ثورة يناير 2011م؟ الحقوق الإنسانية حقوق عالمية، وليست ألعابا سياسية.
نشعر اليوم بعميق القلق تجاه المسار الحالي للعلاقات المصرية الأمريكية، وعدم وجود سيناريوهات مقبولة لإزالة أسباب عدم الاستقرار الحادث في تلك العلاقات. يرى الرأي العام المصري بالعموم أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال تدعم الدكتاتورية في مصر، وتتغافل عن حقوق الشعوب، وتسحق أحلامها.
وهذا الاجتماع المقرر ليس إلا خطوة خاطئة في توقيت خاطئ مع الحاكم الخطأ، وفي مواجهة الشعب الخطأ أيضا. إن شعب مصر لا يزال يتذكر للسيدة هيلاري كلينتون موقفها في يناير 2011م - وهي وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية - عندما ترددت في مساندة الثورة المصرية حينها، ويرى المصريون - أنها حقيقة لا تحتمل الشك - أن هيلاري كلينتون قد عارضت الثورة المصرية في بدايتها.
نقل عنكم في كانون الثاني/ يناير 2011م قولكم: "إن تقييمنا هو أن الحكومة المصرية متماسكة ومستقرة، وأنها تبحث في الخيارات التي يمكن أن ترد بها على المطالب والرغبات المشروعة للشعب المصري". ثم قلتم: " نحن كشركاء، نؤمن بقوة أن الحكومة المصرية تحتاج لأن تتواصل بشكل مباشر مع الشعب المصري من أجل تحقيق الإصلاحات المطلوبة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا". فهل لا يزال لديك نفس الرغبة في طرح هذه النقاط لصالح شعب مصر وضد قائد الانقلاب؟
إن الواقع المصري اليوم أسوأ من واقع عام 2011م من تلك النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ليس سبب هذا أن شعب مصر لم يقاتل من أجل أحلامه، فالحقيقة أنه فعل، وسيستمر في القيام بذلك. وعلى العكس من ذلك، فإن من أسباب هذا الواقع السيئ، هو إصرار الولايات المتحدة على الاختيار الخاطئ مجددا، ومساندة قائد انقلاب عسكري ضد آمال وأمنيات الشعوب. إننا نتساءل: هل تنوي الولايات المتحدة الأمريكية الاستمرار في مساندة الحكام القتلة والمجرمين في مصر؟
وإذا كنتم تنوون مهاجمة خصمكم في الانتخابات القادمة لأنه يمدح الدكتاتوريات، فمن غير المعقول إذن، أن تقوموا بمصادقة دكتاتور آخر! عندما كان الشعب المصري يعاني من الظلم والقهر تحت حكم حسني مبارك، الدكتاتور السابق في مصر، كنت تتحدثين عنه وعن زوجته أنهم "أصدقاء لأسرتي". وعندما كان السيسي منشغلا في قتل واعتقال الأبرياء في مصر، قمت أنت وزوجك بلقائه في مقابلة خاصة عام 2014م، وقمتم بكل سعادة بالتقاط الصور التذكارية معه. في نفس ذلك العام، تحدثت في كتابك أنك تتوقعين أياما صعبة في العلاقات المصرية الأمريكية!
ومع ذلك، وفي نفس الوقت، قمت بوصف السيسي بشكل إيجابي، مدعية أنه "يبدو أنه يتتبع نفس النموذج التقليدي لرجال الشرق الأوسط الأقوياء".
وفي هذا الكتاب الصادر لكم في عام 2014م، تحت عنوان "الخيارات الصعبة"، نقلت محادثة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما حول مستقبل مصر كان فيها: "يمكن أن تتحسن الأمور كلها خلال 25 عاما، ولكنني أعتقد أن الفترة بين الآن وحينذاك ستكون فترة صعبة للشعب المصري، وللمنطقة، ولنا أيضا".
إن مساندة انقلاب عسكري، والاهتمام بمقابلة القائد المجرم له خلال الحملة الانتخابية لكم، ليس من الوسائل التي يمكن تصورها لتجنب أو تقصير مدة هذه المرحلة الصعبة التي توقعتموها للمستقبل سواء بالنسبة لمصر أو للولايات المتحدة الأمريكية. وكما كتبت في كتابك: "لا يوجد أدنى سبب لتصور أن استعادة الحكم العسكري سوف يؤدي إلى وضع أكثر استقرارا من تلك الفترة التي كانت تحت حكم مبارك".
إننا نؤمن بقوة أن الوقت قد حان لتطبيق استراتيجية أخرى، تسمح للولايات المتحدة الأمريكية أن تقف بجانب شعب مصر، وليس أن تساند ظلمة مصر. هذه الاستراتيجية تحتاج في بدايتها إلى رسالة قوية واضحة. إلغاء الاجتماع المقرر مع السيسي يمكن أن يكون قرارا يعتبره الشعب المصري خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تلك الاستراتيجية.
أما إن كان لديكم الإصرار على المضي قدما في اللقاء بـ"الظالم للشعب"، فإننا نطالبكم أن تلتقوا أيضا بـ"وفد من الشعب". أنتم بحاجة لأن تستمعوا للشعوب وليس للحكام الذين يظلمونهم. هذا هو الخيار المنطقي الوحيد من أجل استراتيجية طويلة المدى تحفظ أمن مصر والولايات المتحدة، وتحافظ على العلاقات والاهتمامات المشتركة بين البلدين.
لقد قالت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، كوندليزا رايس، عند نقاش سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، ذات مرة: "على مدى 60 عاما، فإن بلدي، الولايات المتحدة، اهتمت بالاستقرار فقط على حساب الديمقراطية في المنطقة. ولم نحصل على أي منهما". فبدلا من اللقاء بحاكم متسلط، فالأفضل لكم أن تكون الحملة الانتخابية فرصة هامة لوضع الخطط الملائمة لمراجعة وعكس المسار الحالي الذي رسخ لتاريخ طويل للولايات المتحدة الأمريكية في مساندة الطغاة.
لقد حان الوقت لأن تساند الولايات المتحدة الحرية والديمقراطية في مصر، وليس القهر والدكتاتورية. إلغاء الاجتماع بالسيسي يمكن أن يكون خطوة في الطريق الصحيح. إن شعب مصر يتوقع، وسوف يحترم قراركم بإلغاء اللقاء. هناك دائما من الوقت ما يكفي لاتخاذ القرار الصحيح. ونحن نطالبكم أن تفعلوا ذلك: قوموا بإلغاء هذا الاجتماع المشين. لا تجتمعوا بـ"جزار مصر".