تسببت السياسات الخاطئة من قبل
البنك المركزي المصري في هروب المستثمرين وخاصة الأجانب من مصر طيلة الفترات الماضية، والتوجه نحو أسواق أكثر استقرارا ووضوحا بالمنطقة.
وقال محلل مالي، طلب عدم ذكر اسمه، إن الإدارة الفاشلة لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي تسبب في العديد من الكوارث التي تواجه المصريين وخاصة الفقراء ومحدودي الدخل، حيث تسببت هذه السياسات في أن يقفز سعر صرف الدولار إلى مستويات قياسية وتاريخية مقتربا من نحو 14 جنيها في تعاملات السوق السوداء.
وأبرز ما جناه المصريون من السياسة الفاشلة لإدارة احتياطي البلاد من النقد الأجنبي هو تراجع هذا الاحتياطي بنسبة كبيرة منذ ثورة يناير 2011 وحتى الآن، حيث فقد خلال هذه الفترة نحو 21 مليار دولار تعادل ما نسبته 57.5% حيث تراجع من 36.5 مليار دولار قبل ثورة يناير إلى نحو 15.5 مليار دولار مع نهاية الشهر الماضي، وذلك وفقا للبيانات والأرقام الصادرة عن البنك المركزي المصري.
أما التضخم فيعد الأزمة الأكثر تعقيدا والتي تواجه الفقراء ومحدودي الدخل من المصريين، حيث تسبب ارتفاع سعر صرف الدولار في ارتفاع أسعار السلع والخدمات بنسب تفوق 200% منذ بداية العام الجاري وحتى الآن.
ومع اتجاه الحكومة المصرية نحو تعويم الجنيه مقابل الدولار فمن المتوقع أن يسجل سعر صرف الدولار في السوق الرسمي نحو 12.5 جنيها بنسبة تقدر بأكثر من 40%، ما يشير إلى أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء سوف يقفز إلى مستويات 18 جنيهاً بحلول نهاية العام الجاري.
وأطاحت السياسات النقدية خلال الفترة الماضية بالاقتصاد المصري والتي تتلخص في طريقة إدارة الاحتياطي النقدي والسوق الدولارية وتحديد سعر الجنيه واتجاهات أسعار
الفائدة، حيث تسبب إصرار المركزي على سياسة توفير احتياجات السوق الدولار الأمريكي من خلال الاقتطاع من الاحتياطي النقدي في نزيف حاد لاحتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
وانتهت هذه السياسة إلى عدم توافر الدولار وانهيار حجم الاحتياطي النقدي، وبدلا من قيام المركزي بالحفاظ على الاحتياطي النقدي والبحث عن مصادر تمويلية أخرى للدولار لتلبية احتياجات السوق، قام بوضع إجراءات صارمة لتداول الدولار ووضع نفسه كمصدر رئيسي لتمويل احتياجات السوق من الدولار في الوقت الذي لا يمتلك فيه السيولة الدولارية الكافية لتلبية كل احتياجات السوق وكانت النتيجة أنه قام باستنزاف الاحتياطي النقدي.
يضاف إلى ذلك أن الإجراءات التي اتخذها المركزي لكبح السوق السوداء ومواجهة تجار الدولار في ظل عدم توافره وفي ظل عدم قدرة المركزي على تلبية احتياجات السوق من الدولار، كل ذلك أدى إلى عرقلة الشركات عن استيراد المكونات الوسيطة والمواد الخام من الخارج مما أدى إلى تعثر نمو
الاقتصاد المصري والدخول في حالة كساد وتوقف العديد من المصانع والمؤسسات.
وكذلك أصبح عدم توافر الدولار عائقا جوهريا أمام دخول المستثمرين العرب والأجانب للاستثمار في السوق المصري سواء في الاستثمار المباشر أو إلى البورصة المصرية، حيث أدت سياسة تسعير الجنية أمام الدولار إلى الإطاحة بتحويلات المصريين في الخارج، وذلك في ظل وجود سعرين للدولار ما أدى إلى رفض المصريين بالخارج تحويل الدولار عن طريق البنوك بسبب السعر المنخفض للدولار.
على صعيد آخر وفي ظل مستويات الفائدة المرتفعة والتي بلغت أعلى مستوى تاريخي فقد اتجه الاقتصاد المصري بقوة نحو سياسة انكماشية واضحة، حيث في الوقت الذي تنتهج فيه الحكومة سياسة توسعية تقوم على أساس زيادة الإنفاق الاستثماري وجذب الاستثمارات لرفع معدلات النمو الاقتصادي، نجد البنك المركزي يتجه بأسعار الفائدة لارتفاع غير مسبوق لنجد حالة تضاد واضحة بين الحكومة والبنك المركزي لعدم الاتساق بين قرارات السياسة النقدية والسياسة المالية بما لا يصب في صالح الاقتصاد المصري.
وانعكست الآثار السلبية لرفع أسعار الفائدة على زيادة تكلفة الإنتاج وتراجع حجم الاستثمارات المباشرة سواء الأجنبية أو المحلية نتيجة لارتفاع تكلفة الاستثمار نظرا لارتفاع تكلفة التمويل من البنوك لإنشاء وتشغيل استثمارات جديدة، هذا بجانب أثر رفع أسعار الفادة على سحب السيولة من السوق ومن قطاعات الاستثمارات الأخرى والبورصة المصرية وتحويلها للبنوك وحجزها بها دون استثمارها لأن تكلفة استثمار هذه الأموال أصبح مرتفعا جدا على المستثمرين مما دفع البنوك للإحجام عن تمويل المشروعات والاتجاه إلى الاستثمار في اقراض الحكومة.
ومع ارتفاع تكلفة الاستثمار وارتفاع تكلفة الإنتاج وارتفاع أسعار السلع في ظل انخفاض القدرة الشرائية، كل ذلك أدى إلى مزيد من الركود في النشاط الاقتصادي مما تسبب في انخفاض إنتاجية القطاعات الإنتاجية دافعا لتراجع معدلات النمو وزيادة معدلات البطالة.