أعرب رئيس
الانقلاب في
مصر، عبد الفتاح
السيسي، عن ثقته الكاملة في قدرة مجلس النواب الحالي بمصر، على "اتخاذ القرارات الصعبة"، واصفا إياه بأنه الأوسع تمثيلا في تاريخ مصر، وأن دستور 2014 (الذي وضعته لجنة "الخمسين" المعينة من قبل العسكر) قد كفل له سلطات وصلاحيات واسعة وغير مسبوقة، وفق قوله.
جاء ذلك في كلمته في الاحتفال بمرور 150 عاما على بدء الحياة النيابية، وإنشاء
البرلمان، في مصر، بمدينة شرم الشيخ الساحلية، الأحد، الذي نظمه البرلمان الحالي، وسط مخاوف تسود الشارع المصري حاليا، من قرارات متوقعة تزيد من الأعباء المعيشية الملقاة على عاتق المواطنين، وفي ظل اتهامات من النشطاء للمجلس، بهدر المال، والهرب من القاهرة، والبحث عن شرعية بتنظيم الاحتفال.
وفي كلمته، وضع السيسي "محدودي الدخل" في ذيل أولويات القضايا التي يرى أنه يجب على البرلمان الاهتمام بها، على الرغم من المتاعب الاقتصادية الجمة التي تعاني منها تلك الفئة، التي تشمل غالبية الشعب المصري، حيث أشار السيسي إلى: "قضايا التعليم والصحة والشباب والمرأة ومحدودي الدخل".
وأعرب عن تطلعه إلى قيام المجلس باستكمال ترجمة تطلعات الشعب المصري إلى قرارات وتشريعات فعالة تحقق التنمية والاقتصادية والاجتماعية المنشودة، على حد قوله، في إشارة إلى قرارات مرتقبة كثيرا ما ألمح السيسي إليها تتعلق برفع الدعم، ورفع سعر الوقود، وتقليل الرواتب، وزيادة الضرائب.
وأشار السيسي في خطابه إلى ما يسمى بـ"ثورة 30 يونيو" مرتين، الأولى منفردة، والثانية عندما شدد على ضرورة أن يلبي المجلس النيابي "طموحات المصريين الذين خرجوا في ثورتين متتاليتين"، بحسب تعبيره.
وفي البداية قارن السيسي بين البرلمان المصري الحالي والبرلمانات السابقة في تاريخ مصر، فوصف الحالي (المشتبه بتدخل السلطات في تشكيله) بأنه الأوسع تمثيلا في تاريخها، من حيث عدد أو تمثيل مختلف فئات الشعب وأطيافه، على حد قوله.
ولتأكيد ما سبق، قال السيسي إن البرلمان الحالي يتكون من 596 عضوا، ويضم ممثلين عن 19 حزبا سياسيا، إلى جانب الأعضاء المستقلين، و25 لجنة داخلية، وهو ما يعكس التطور الذي شهدته الحياة النيابية في مصر، بالإضافة إلى حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقه، حسبما قال.
وأشاد بأداء المجلس الحالي قائلا: "لقد شرع مجلس النواب في ممارسة مهامه مع بداية العام الجاري في ظل ظروف وتحديات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، وكان على المجلس مهام جسام حدد الدستور لبعضها آجالا زمنية لإنجازها نتيجة للظروف الخاصة الناجمة عن المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة 30 يونيو".
وزعم أن البرلمان المصري الجديد قد تمكن من استكمال هذه المهام التشريعية بنجاح، وفي مواعيدها المحددة، فضلا عن مناقشة وإقرار عدد من التشريعات الحاكمة والضرورية، لإعادة دفع عجلة التنمية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وترسيخ قيم المواطنة.
وأضاف أن ذلك كله بهدف ضمان مشاركة جميع أطياف وفئات المجتمع المصري في عملية صنع القرار، تحقيقا لتطلعاتهم نحو ترسيخ مرحلة جديدة في الحياة السياسية المصرية.
وأشار إلى أنه "تزامنا مع احتفالنا اليوم بدأ منذ أيام قليلة الفصل التشريعي الثاني بمجلس النواب الموقر".
وأضاف: "مع إدراكي أن المهام الملقاة على عاتقه ستكون جسيمة إلا أنني على ثقة كاملة في أن أعضاء المجلس قادرون على اتخاذ القرارت الصعبة التي تحافظ على أمن البلاد، وتحقيق النهضة الاقتصادية المنشودة، والاستمرار في إعلاء المصالح العليا للوطن، وممارسة سلطتي التشريع والرقابة، بكل نزاهة وتجرد، وأن تكون قضايا التعليم والصحة والشباب والمرأة ومحدودي الدخل على قمة أولوياته، وترجمة تطلعات الشعب".
واختتم السيسي خطابه بالقول: "نتطلع الآن إلى أن يستكمل مجلس النواب الحالي مسيرته في ترجمة تطلعات الشعب المصري إلى قرارات وتشريعات فعالة تحقق التنمية والاقتصادية والاجتماعية المنشودة، وأن يلبي طموحات المصريين الذين خرجوا في ثورتين متتاليتين، خلال سنوات، للمطالبة بالنهوض بأوضاع الوطن، وحماية مقدراته، بحسب تعبيره.
تمرير 340 قانونا
ويذكر أن البرلمان المصري الحالي أصدر أكثر من 340 تشريعا في غضون أقل من أسبوعين دون استيفاء الشروط اللازمة للبحث والمناقشة، وبنظام التمرير السريع، لتلك التشريعات التي صدرت في الفترة السابقة عليه.
وقد أصدرها كل من الرئيس المؤقت، المعين من قبل العسكر، عدلي منصور، ورئيس الانقلاب، عبد الفتاح السيسي.
وأثار العديد من هذه القوانين استياء شعبيا عارما، ورفضا حقوقيا واسعا، لا سيما قانون "تنظيم التظاهر" الذي يقيد حرية الرأي والتعبير والحق في التظاهر، علاوة على قانون "الخدمة المدنية"، الذي يضر بطبقة الموظفين والعمال الكادحة، وخرجت مظاهرات عدة ضده.
فضلا عن قانون "الضريبة على القيمة المضافة"، الذي يؤثر سلبا على أصحاب المهن المختلفة، سواء أطباء، أو محاسبين، أو محامين، ونظم هؤلاء الأخيرون مظاهرات حاشدة ضده في الأسبوع قبل الماضي.
نسيان اسم "أميرة رفعت"
يذكر أن السيسي قدم العزاء لأسرة "الراحلة النائبة المصرية"، التي لقيت مصرعها السبت، وهي في طريقها للمشاركة في الاحتفالية، إثر انقلاب سيارتها، دون أن يقول اسمها، وهو "أميرة رفعت".
وعقب انتهائه من إلقاء كلمته، تعرض السيسي، والحضور لموقف محرج بسبب خطأ فادح من جراء عدم عزف السلام الجمهوري على الرغم من قول المذيع الداخلي "السلام الوطني لجمهورية مصر العربية".
وانتظر السيسي والحضور واقفين عزف السلام لأكثر من دقيقة دون جدوى، ما جعل عددا من النواب، يسارعون إلى إنشاد المقطع الأول منه، إنقاذا للموقف، ثم أخذوا يصفقون، وسط ابتسامة رسمها السيسي على وجهه، وهو يغادر القاعة وسط حراسه.
وقيل إن الإعلاميين الموالين للسيسي هم الذين أنقذوا الموقف بهذا التصرف، حيث سخر بعضهم منه.
نوم في البرلمان
ورصدت الكاميرات أيضا نوم عدد من أعضاء البرلمان، لدى إلقاء رئيسه، علي عبد العال، كلمته.
وفي السياق نفسه، وقع القائمون على تجهيز قاعة الاحتفال في خطأ إملائي في الجدارية الرئيسة بالقاعة.
وجاء عنوان الاحتفالية متوسطا خريطتين كبيرتين لمصر في صدر القاعة، كالتالي: "مُضيّ 150 عاما علي الحياة النيابية المصرية"، إذ كُتب حرف الجر "على" بياء منقوطة بدلا من ألف المد.
ما هدية عبد العال للسيسي؟
وكان السيسي تلقى هدية من رئيس البرلمان المصري، في بداية الجلسة الافتتاحية، ما جعل نشطاء يتساءلون عن ماهية هذه الهدية؟
اتهامات بهدر المال العام
وأقيمت الاحتفالية بحضور 16 رئيس برلمان ومنظمة دولية، ووفود تمثل 14 برلمانا على مستوى أمناء عموم ونواب، وعدد من الشخصيات البرلمانية العالمية، ورئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل، وعدد من كبار المسؤولين والشخصيات العامة ورجال الأعمال.
ويقام حفل عشاء تكريما للحضور، في المساء، بحضور السيسي، بالإضافة إلى حفل فني، تنظمه دار الأوبرا المصرية.
واتهم نشطاء السلطات المصرية بإهدار المال العام في تنظيم الاحتفالية، مشيرين إلى البذخ الكبير في استضافة الوفود، للزعم بوجود شرعية للمجلس، أو السيسي نفسه، وذلك على حساب مال الشعب المصري، في الوقت الذي لا يتوقف المسؤولون عن الممطالبة بالتقشف.
هروب من القاهرة
وكانت قوات الأمن عززت من تدابيرها بالمدينة السياحية المهمة؛ لتأمين الحدث، ودفعت وزارتا الشباب والطيران وغيرهما من الوزارات، بالعديد من كوادرها في استقبال المشاركين بالمطار، وتأمين وصولهم لمقار إقامتهم.
واندهش مراقبون من تنظيم الاحتفالية في قاعة احتفالات بشرم الشيخ، وليس في مقر البرلمان المصري العريق بالقاهرة، مرجعين ذلك إلى محاولة السلطات الهرب من أجواء القاهرة، التي سادت فيها مخاوف الأحد، من شن "هجمات إرهابية محتملة"، في الذكرى الخامسة لمذبحة "ماسبيرو"، التي لقي فيها قرابة 24 مسيحيا مصريا مصرعهم برصاص العسكر عام 2011.
تاريخ الحياة البرلمانية بمصر
وتأسست الحياة النيابية في مصر عام 1866 في عهد الخديوي إسماعيل بإنشاء "مجلس شورى النواب"، كأول مجلس نيابي منتخب في تاريخ مصر يمتلك اختصاصات نيابية.
وأخذت لائحة المجلس الأساسية الكثير من اللوائح البرلمانية الأوروبية، التي منحته اختصاصا ماليا يتيح له الحق في الاطلاع على ميزانية الحكومة، وغيرها من المسائل المالية، التي تخص الدولة.
وبحسب الموقع الرسمي لمجلس النواب، أنه "ما لبثت هذه الاختصاصات أن اتسعت مع إقرار اللائحة الأساسية الجديدة للمجلس عام 1879م، التي أقرت المسؤولية الوزارية أمام البرلمان لأول مرة فضلا عن منح سلطات أكبر فيما يخص الاختصاص المالي للمجلس".