يعتمد النظام السوري وحليفه الروسي سياسة
الأرض المحروقة، من أجل السيطرة على الطرق الرئيسية في مدينة
حلب وريفها، ولعل معارك الملاح؛ من أجل السيطرة على طريق "الكاستيلو"، شمال المدينة، كانت الأكثر عنفاً وتدميراً على الأرض، وفتكاً بالفصائل التي تقاتل نظام بشار الأسد.
وتكرر الأمر في الراموسة، عندما استطاعت الفصائل فتح طريق إمداد لها عبر محور الكليات في آب/ أغسطس الماضي، في الوقت الذي اعتبر فيه طريق خناصر، الشريان الرئيسي للنظام من حماة إلى حلب، والذي أصبح مهددا بعد معارك الراموسة، مسألة حياة أو موت بالنسبة للنظام وبالتالي فالنظام وحلفاؤه الروس اتبعوا سياسة الأرض المحروقة في هذه المنطقة أيضا، لينتهي الأمر باستعادة قوات الأسد سيطرتها على مناطق جنوب حلب وإعادة فرض
الحصار على القسم الشرقي منها الشهر الماضي.
وبالرغم من الإقرار بسياسة الأرض المحروقة التي يتبعها النظام السوري، وحليفه الروسي؛ من أجل السيطرة على الطرق الرئيسية، وفرض الحصار على معارضيه، إلا أنّ الناطق العسكري باسم حركة أحرار الشام، أبو يوسف المهاجر، يؤكد لـ"
عربي21" أنّ الفصائل قدّمت الكثير من التضحيات من أجل فك الحصار عن حلب، والسيطرة على الطرق الرئيسية، وستقوم بما عليها فعله في المستقبل.
ويقول قيادي بارز في أحد الفصائل، فضل عدم نشر اسمه أو اسم حركته، إنّ "معارك الملاح كانت بالفعل انتحارا عسكريا، كون الفصائل خسرت الكثير من المقاتلين فيها، بسبب قيام النظام وحليفه الروسي بحرق كل شيء على الأرض، حتّى باتت الجبهة مكشوفة بشكل كامل"، وفق قوله.
وأشار القيادي إلى رفض معظم مقاتلي الفصائل الزج بهم في تلك الجبهة، بما في ذلك الفصائل ذات "الطبيعة الجهادية"، على حد وصفه، كون سلاح الجو الروسي أصبح يلاحق المقاتلين، "وكأنهم في الصحراء، ما جعل إصابته محققة في صدورهم، وهو ما دفع عددا من الفصائل لأن تنسحب بالفعل، في الوقت الذي وصف البعض من الفصائل كأحرار الشام، المعارك بالانتحار العسكري".
وتكرر الأمر في جبهة الراموسة، جنوب مدينة حلب، حينما نجحت الفصائل في فك الحصار عن الأحياء الشرقية من المدينة، إلا أنّ تراجع الفصائل من ذلك المحور تم بعد أقل من شهر من السيطرة على تلك الجبهة، لاعتماد النظام السوري وحليفه الروسي على المنهجية ذاتها، ليتم شل حركة الإمداد للفصائل، فضلاً عن تمكّنه من رصد طريق الإمداد للفصائل منذ اليوم الثالث على فك الحصار عن المدينة عبر الراموسة.
وبالرغم من إقرار معظم من التقتهم "
عربي21" من قادة عسكريين في الفصائل المقاتلة؛ بعدم الجدوى العسكرية لمعركة الراموسة الأخيرة، إلا أنّ أحد القياديين أكد لـ"
عربي21" أنّ "مكاسب المعارضة تمثّلت في قتل عدد كبير من قوات النظام، وأعوانهم من المليشيات الطائفية، بالإضافة لاغتنامهم عددا كبيرا من الأسلحة الثقيلة والذخائر".
وحول الآليات التي تمتلكها الفصائل المقاتلة لتجنيب مقاتليها مخاطر سياسة الأرض المحروقة في صراعها مع النظام وحلفائه، يقول الناطق العسكري باسم تجمع فاستقم كما أمرت، عمار سقار، لـ"
عربي21" إنّ "الثوار لا يملكون أي شيء من مقومات منع سياسة الأرض المحروقة التي يتبعها النظام، كونهم لا يملكون مضادات صاروخية، ومضادات طيران على الأرض"، مشيراً إلى أنّ الرادع الوحيد لسياسة النظام الحالية، هو "وجود الإرادة الدولية الفاعلة، وهو الشيء الغائب وغير المتوفر حتّى الآن"، بحسب تعبيره.
وتتعدد الرؤى والأفكار حول الأوراق التي تملكها الفصائل من أجل فك الحصار المفروض على الأحياء الشرقية من مدينة حلب، منذ شهر ونيف.
في هذا الصدد، يرى قيادي في جيش الفتح، فضل عدم نشر اسمه، في حديث لـ"
عربي21"، أنّ "الخيار الوحيد أمام الفصائل في المدينة هو الهجوم على عدة مواقع لقوات النظام في حلب المدينة، وتشتيت مجهوده الحربي، مع الحفاظ على المخزون الاستراتيجي للفصائل في الأحياء المحاصرة، وعدم اللجوء لمعارك جانبية غير ذات فائدة"، على حد وصفه.
ولا تعوّل المعارضة السورية على دور تركي فاعل في فك الحصار عن حلب، حيث تشير مصادر خاصة بـ"
عربي21" إلى أنّ المجهود العسكري التركي في الوقت الحالي، منصب على تأمين شريطها الحدودي، وبالتالي أمنها القومي، مع غياب أي رؤية تركية لدور الفصائل في المناطق المسيطر عليها في ظل عملية "درع الفرات"، وعدم وجود أي جهود فعلية من قبل الأتراك، والفاعلين الدوليين والإقليمين في الملف السوري، بتوحيد راية الفصائل من أجل فك الحصار عن المدينة.
ويرى متابعون للشأن السوري أن معركة حلب مصيرية للفصائل من جهة، ولقوات النظام وحلفائه على الأرض من جهة أخرى، حيث أنه لا خيار أمام النظام في هذه المرحلة إلا القضاء على الفصائل في المدينة، وجعلها محدودة الانتشار في الريف الحلبي، في الوقت الذي لا توجد فيه أمام الفصائل المقاتلة سوى خيار مواجهة النظام على كافة الجبهات، لانتزاع حرية الأحياء الشرقية من المدينة.