لم تخرج العلاقة بين الجزائر وتونس -حتى الآن- عن سياق المشورة الأمنية والتنسيق على الحدود؛ لمنع الإرهابيين من التسلل، مع "رشّ" بعض التوابل الدبلوماسية المختلفة، على غرار الحرص أن تكون الخرجة الأولى لأيّ رئيس حكومة معيّن حديثا في تونس (وما أكثرهم بعد الثورة) نحو "الشقيقة الكبرى" الجزائر... زيادة طبعا على زيارات الصداقة التي يقوم بها شيخ النهضة راشد الغنوشي للرئيس بوتفليقة، التي بات ينافسه فيها "حليفه داخل السلطة" الباجي قائد السبسي بشكل ملحوظ!
ماعدا ذلك، لا جديد يذكر، ولا قديم يعاد في العلاقة بين البلدين، مجرد خطاب إعلامي للاستهلاك المحلي، مع تبادل مديح لا يغني الشعبين ولا يسمنهما من جوع.. هكذا كانت الزيارة الأخيرة ليوسف الشاهد، وهكذا ستكون لغيره أيضا في حال سقوطه سريعا مثلما يتوقع البعض داخل تونس!
رئيس الحكومة التونسية قال في حواره للشروق إنه على الرغم من كل الاحتفاء الكبير بالعلاقات بين البلدين، إلا أن التعامل التجاري (1.25 مليار أورو فقط) ما يزال ضعيفا جدا ومخجلا، وغير متناسب تماما مع الخطاب الذي يروِّجه المسؤولون هنا بالجزائر أو هنالك في تونس.
الوزير الأول عبد المالك سلال قال الكلام ذاته، مع أسبقية الإعلان عن لجنة مشتركة بين البلدين شهر شباط/ فبراير المقبل، من شأنها أن تُحوِّل الكلام الإعلامي وخطاب المديح المتبادل بين البلدين إلى علاقات فعلية ومشاريع مشتركة حقيقية.
تونس تعيش أزمة اقتصادية خانقة، والجزائر تمرّ بوضع مالي صعب نتيجة انخفاض سعر البترول، فلماذا لا يبحث المسؤولون في كلا البلدين عن طريقة مشتركة للرفع من حجم تبادلهما التجاري ومواجهة الأزمة؟ لماذا ما يزال التوانسة ينظرون إلى الجزائريين على أنهم منقذٌ لسياحتهم، وينظر الجزائريون إلى تونس على أنها فندقٌ كبير ومحطة للاستجمام فقط؟!
لماذا تفوّقت مافيا التهريب في نشاطها على حكومتَيْ البلدين، ونجحت في تحويل كل ما هو ممنوع على الحدود إلى سوق مشتركة تُشغّل المئات من الشباب، كما توفر السلع والبضائع وتدرّ أرباحا خيالية على شبكات غير شرعية هنا وهناك؟!
وإذا كانت العلاقة بين الجزائر وتونس قوية فعلا وبالشكل الذي يدّعيه الشاهد وسلال، وقبلهما العديد من المسؤولين في أعلى المستويات، لماذا سقطت فجأة ومن دون سابق إنذار بمجرد فرض ضريبة بقيمة 30 دينارا تونسيا على الجزائريين وكادت حوادث "امتهان الكرامة على الشريط الحدودي" أن تنسفها نسفا؟!
المثير في القصة، أن رئيس الحكومة التونسي قال -معلقا على استمرار تلك الضريبة- إنه وصل إلى منصبه بعد شهر ولم يكن قادرا على إبطالها قبل ذلك!
كلام غير منطقي تماما، فإنهاء الضريبة لم يكن بحاجة إلى 30 يوما، بل كان من الضروري على الشاهد إلغاؤها بمجرد جلوسه على كرسي الحكومة، وليس الانتظار حتى تصدر الجزائر قرارا بالمعاملة بالمثل، فيصبح سحب الضريبة حينها مجرد ردّ فعل لا معنى له!
ألم تعترف وزيرة المالية التونسية قبل أيام بأن السياح الجزائريين أنقذوا اقتصاد بلدها؟ ألا يعدّ هذا دليلا كافيا على خطأ التصرف التونسي منذ البداية؟!
ومع ذلك، فإنه يقع على عاتق الجزائر دورٌ أخلاقي كبير نحو تونس؛ لأن هذا البلد "الصغير مساحة والكبير تأثيرا" منح للعرب كثيرا من عمره واقتصاده و"دمه"، ما جعل بعضهم يتآمر على إسقاطه ويراهن على انهيار تجربته الفتيّة. تونس تحتاج دعمنا، ليس فقط لأنها تجاورنا موقعا، أو لدواع أمنية فحسب، وإنما لأن هذا البلد ساهم في تحرير العرب جميعا بمنحهم ثورة كبيرة. ثورة كنّا قبلها، قد سلّمنا أن الاستبداد قدَر عربي، وأنّ العجز عن التغيير "ماركة مسجلة" بنا.
الشروق الجزائرية