جاء قرار اليونسكو المؤكد لعروبة القدس الشرقية والأماكن المقدسة فيها وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك، ليعكس وحدة الموقف العربي والإسلامي والدولي في مواجهة التحالف الأمريكي الإسرائيلي، وفي مواجهة التطرف المسيحي الأصولي الذي يدفع صانع القرار الأمريكي إلى الانحياز لإسرائيل، خصوصا في مسألة تهويد القدس الشرقية، كما يأتي في مواجهة التزوير الصهيوني ومحاولة طمس الهوية العربية الإسلامية للقدس الشرقية، وفي وقت حرج تتداعى فيه الأمم على وطننا العربي الكبير. القرار الذي أصدرته اليونسكو في الأيام القليلة الماضية بشأن حق العرب في الأماكن المقدسة ذو أهمية وأبعاد ومعان يمكن إجمالها فيما يأتي:
أولا- يأتي القرار انسجاما مع قرارات الأمم المتحدة السابقة التي اعتبرت القدس الشرقية أرضا محتلة، وبالتالي فإنه يعزز عروبة القدس ويأتي انسجاما مع القرارين (476) و(478) الصادرين عن مجلس الأمن في عام 1980، ولذي بموجبهما تم التنديد بضم إسرائيل للقدس الشرقية عام 1980 وببطلان كل الإجراءات التي غيرت معالم مدينة القدس الشريف ووضعها الجغرافي والسكاني والتاريخي، مع استمرار سريان اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 على العرب الفلسطينيين في المدينة، كما يبطل القرار الخرافة الصهيونية التي تقول بالأحقية التاريخية لليهود في المدينة قبل 3000 سنة.
ثانيا- يأتي قرار اليونسكو نافيا أي حق لليهود في المسجد الأقصى خاصة والقدس الشرقية عامة، وبالتالي يُعد باطلا أي تغيير لملامح القدس الشرقية، بما في ذلك الكنس التي بنتها إسرائيل على مقربة من المسجد الأقصى، وكذلك أعمال الحفر والتنقيب عن الهيكل المزعوم التي طالبت اليونسكو دولة الاحتلال بوقفها، كما يطالبها وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقيات وقرارات اليونسكو ذات الصلة بالتخلي عن مشاريع ربط جبل الزيتون بالبلدة القديمة في القدس عن طريق العربات المعلقة بالأسلاك، بالإضافة إلى بناء مركز كيدم وهو مركز للزوار يقع قرب الحائط الجنوبي من المسجد الأقصى المبارك و"بيت ليبا" و"مبنى شتراوس"، ومشروع المصعد في ساحة البراق ووقف العدوان على الأملاك الوقفية شرقي الحرم القدسي الشريف.
ثالثا- عد القرار، إدانة للعدوان الإسرائيلي ولهجوم المتطرفين اليمينيين والجنود الإسرائيليين الذين اعتادوا اقتحام الحرم الشريف والمسجد الأقصى، ويطالب إسرائيل باتخاذ ما يلزم لوقف هذه الاعتداءات، وكذلك وقف الاعتداء على رجال دين مسلمين وعلى كهنة مسيحيين من قبل مسؤولين في دائرة الآثار الإسرائيلية.
رابعا- يؤكد القرار عروبة حائط البراق وأن الادعاء بأن حائط المبكى باطل، فلا سند قانونيا ولا تاريخيا لهذا الادعاء، فقبل القرن السادس عشر الميلادي لم يكن ثمة شيء اسمه حائط المبكى، وحتى ثورة البراق 1929 كان التصدي الفلسطيني الشجاع لمحاولات اليهود جلب الكراسي أمام الحائط وقرار اليونسكو يبطل الدعاوى اليهودية الصهيونية، ويوجب على العالم حماية الهوية الثقافية للمعالم التاريخية الفلسطينية، بما فيها حائط البراق بنزع أي صفة يهودية عنه في الكتب والدوريات ووسائل الإعلام.
خامسا- ينزع القرار أي ولاية إسرائيلية على المعالم الدينية والثقافية في القدس الشرقية، ويعتبرها كما اعتبرتها قرارات الأمم المتحدة السابقة أرضا فلسطينية محتلة لا يجوز تغيير ملامحها، ويطالب بعودة الولاية على المسجد الأقصى إلى دائرة الأوقاف الأردنية الإسلامية كما كانت عليه قبل سنة (2000).
سادسا- أكد القرار أهمية القدس الشرقية للديانات السماوية الثلاث وأدان رفض إسرائيل تعيين ممثل دائم لليونسكو فيها، رغم تكرار طلب الأخيرة ذلك منها مرات عدة، ويؤكد أيضا مسؤولية دولة الاحتلال عن صيانة الإرث الثقافي للحرم الشريف، ويطالبها بعدم إعاقة مشاريع الإعمار الهاشمي في المسجد الأقصى المبارك، وبفتح باب الرحمة أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك الذي أغلقته السلطات الإسرائيلية منذ عام 2003.
أهمية قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" تكمن في نفيه أي علاقة تاريخية بين اليهود والمسجد الأقصى وحائط البراق، وهو الأمر الذي ينسف من الأساس الدعاوى التي قام عليها الكيان الصهيوني، كما يشكل القرار ضربة نافذة لليمين المسيحي المتصهين الذي يدعو أكثر من اليهود أنفسهم إلى بناء الهيكل الثالث على أنقاض المسجد الأقصى. ومن هنا فمن المتوقع أن تشن الدولة العبرية التي جن جنونها واعتبرت القرار سخيفا ومخالفا للتوراة، حربا شعواء على المنظمة حتى تعدل عن قرارها.
وواجبنا -نحن العرب والمسلمين- التصدي للجهود الصهيونية ودعم اليونسكو، حتى لا تستجيب للضغوط الصهيونية التي لن تتوقف بعد اليوم في هذا الاتجاه.
الشرق القطرية