نشرت مجلة "نيويورك تايمز" القصة المفصلة لفصل أستاذة العلوم السياسية الأمريكية الأفريقية لاريسيا
هوكينز، وهي مسيحية متدينة، من جامعة إنجيلية في ويتون في إلينوي، هي "كلية ويتون"؛ بسبب ارتدائها للحجاب، تضامنا مع النساء المسلمات، وبسبب تصريحها بأن المسلمين والمسيحيين يعبدون الإله ذاته.
وبدأت الصحافية روث غراهام، التي كتبت القصة، والتي كانت على اتصال بهوكينز وغيرها من الأشخاص ذوي العلاقة بالقصة خلال الأشهر الماضية، للتعرف على ما جرى معها، بالحديث عن قداس سمته الإدارة قداس المصالحة الخاص، الذي أقامته الكلية بعد موافقة هوكينز على ترك وظيفتها في الكلية، الذي كان حضوره اختياريا، وكانت القاعة مكتظة بالحضور من زملاء هوكينز الأكادميين وطلابها.
وقال قسيس الكلية: "نكسر ونجرح ونؤذي ونندم"، تلت ذلك ترتيلة حزينة، ثم تحدث رئيس الكلية فيليب ريكين، فقال: "أومن بوحدتنا الجوهرية في عيسى المسيح، حتى في وقت الصعوبات الجمة، التي تفرقنا، وتهدد بتدميرنا"، ثم قال: "لقد كانت هذه الأسابيع الأخيرة هي أكثر أيام حياتي حزنا".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن كلية ويتون كانت تمر بأسوأ تجاربها على مدى عمرها البالغ 156 عاما، ففي كانون الأول/ ديسمبر 2015 كتبت هوكينز على "فيسبوك" عن نيتها لبس الحجاب خلال أعياد مجيء المسيح، "التي تسبق أعياد الميلاد"، فقامت الكلية خلال أيام بتوقيفها عن التدريس ثم فصلها، فشبهها جيسي جاكسون بناشطة الحقوق المدنية الأمريكية الأفريقية روزا باركس، في الوقت الذي قال فيه فرانكلين غراهام "ابن بيلي غراهام" الداعية المتطرف: "عيب عليها".
وتذكر المجلة أن هوكينز هي أول أنثى سوداء تحصل على العمل مدرسة في هذه الكلية، التي تعد أهم الكليات الإنجيلية في أمريكا، وقد عملت فيها لمدة تسع سنوات أستاذة أنثروبولوجيا، مشيرة إلى أنه عندما جاء دورها لتعتلي المنصة وتلقي كلمة، وفي الوقت الذي كانت تصعد فيه درج المنصة، وقف عشرات من طلابها، الذين لبسوا الأسود، في الصفوف الأمامية، متضامنين بصمت معها، وبعد قليل بدأ الجمهور يقف واحدا تلو الآخر، وبقي الصمت يلف القاعة لدقيقة كاملة، حتى وقف معظم من في القاعة.
وتبين غراهام أن هوكينز بدأت بالحديث، فقالت إن عليهم أن يروا عيسى في المظلومين، مشيرة إلى أن الديانة
المسيحية بطبيعتها سياسية، وقرأت من الإصحاح الأول من سفر إشعيا: "فحين تبسطون أيديكم أستر عيني عنكم، وإن زدتم الصلاة لا أسمع، أيديكم ملآنة دما.. ويصير القوي مشاقة وعمله شرارا، فيحترقان كلاهما معا".
ويلفت التفرير إلى أنه عندما بدأت هوكينز التدريس في الكلية عام 2007 كانت تريد أن تكون مدرسة تتحدى الأفكار المبلورة مسبقا لدى طلابها، وتضمنت محاضراتها "العرق وسياسة الرفاه"، أو "العرق ورئاسة أوباما".
وتذكر كاتبة القصة بأنها نشأت في ويتون، وأنها كانت ترى قبة مركز بيلي غراهام من غرفتها، ودخلت للدارسة فيها عام 1998، وكان قد تخرج فيها والدها ووالدتها، وكذلك جدها، الذي تخرج عام 1928، وعمل قسيسا أورثوذوكسيا، وكان على الطلاب حضور الكنيسة ثلاث مرات في الأسبوع، كما كان على المدرسين والطلاب أن يتعلموا ويؤمنوا بالمبادئ الاثني عشر، التي تقوم عليها الديانة المسيحية الإنجيلية، ابتداء بعقيدة التثليث، والخطيئة الأصلية، ووجود الشيطان، وبعث المسيح.
وتنقل المجلة عن مديرة القسم الذي كانت تعمل فيه هوكينز، لي ليا أندرسون، قولها إنه تم التحقيق معها مرتين، بعد أن شكا عليها أهالي الطلاب، بعد أن ناقشت معهم فكرة العائلة، فاتهمت بأنها ضد فكرة العائلة.
وتقول غراهام إنها مثل هوكينز، كانت متدينة منذ شبابها، لكنها متشككة، وتضيف: "بدت ويتون بالنسبة لي المكان الصحيح للدراسة، خاصة أنها تعد (هارفارد الكليات المسيحية)، إن هوكينز عملت بجد منذ البداية في كلية ويتون، وكانت عضوا في أكثر من لجنة، ومشاركة دائمة في النشاطات العامة، ما أرهقها جسديا، وقد يكون جزء من تعبها نابعا من إحساسها القوي بمشكلات العالم، وفي إحدى المحادثات التي أجريتها معها خلال ثمانية أشهر وصفت كيف تشعر بالثقل من الظلم الذي تسمع به وتقرأ عنه، وتضمنت اهتماماتها اللاجئين السوريين، ومذابح رواندا، وعنف الأسلحة النارية، والتفاوت في الدخل، وقالت إن هذه الأمور تؤرقها، بصفتها متخصصة في العلوم السياسية ومسيحية".
وتتابع الكاتبة قائلة إنه "بعد حوالي سنتين من عملها في الكلية، بدأت تكره بعض الأفعال لإثبات الوطنية، فتوقفت عن تحية العلم وغناء النشيد الوطني، وتقول عن ذلك: (أشعر بأن ولائي لمملكة أخرى غير هذه المملكة الدنيوية.. إنه للمملكة العليا ولمبادئ تلك المملكة)، ومع أن الإنجيليين يميلون للظهور بمظهر الصلاح على المستوى الشخصي، إلا أن هوكينز بدأت تميل للمعتقدات الدينية، التي تشدد على اقتراف الذنب والتوبة".
ويفيد التقرير بأن هوكينز اهتمت بدراسة حركة التحرير السوداء،ن التي ترى أن عيسى أتى لتحرير المظلومين، وترى أيضا أن التيار المسيحي الرئيسي في أمريكا رهينة "للعقيدة البيضاء" الفاسدة، مشيرا إلى أن نبرة تحرير السود عادة نبرة غاضبة، وكمثال على ذلك خطا جيرميا رايت، عندما قال: "لعن الله أمريكا".
وتستدرك المجلة بأن هوكينز بدأت ترى تعليمات الكتاب المقدس، من خلال عدسة عرقية وطبقية، بالإضافة إلى أنها بدأت تعمل على فكرة سمتها "التضامن المتجسد"، وهي فكرة نابعة من التعاليم الكاثوليكية الاجتماعية وحركة العمال، وتريد أن تنقل مستوى التضامن إلى أكثر من مجرد التضامن اللفظي، وبدأت ترى بأن التضامن الحقيقي ينطوي على مخاطر جسدية وعمل دؤوب، كما ترى أن عدم المساواة البنيوية هو نوع من العنف الذي يترك آثارا جسدية على الضحايا، وتشير إلى فقرة في سفر لوقا، حيث يذكر أن عيسى لم يعرفه أتباعه بعد البعث، وتقول: "هذا السؤال يشغل روحي: من لا أرى معاناته؟ وأي مجموعات كاملة من الناس لا أرى معاناتهم؟".
وتبين الكاتبة أن هوكينز نشرت في 10 كانون الثاني/ يناير 2015، على "فيسبوك" مقالا من 11 فقرة، أعلنت فيه عن نيتها ارتداء الحجاب خلال موسم "مجيء المسيح"؛ تضامنا مع المسلمات، منوهة إلى أن المرشح الجمهوري دونالد ترامب قد دعا إلى منع المسلمين من دخول أمريكا، كما دعا جيري فالويل جونيور إلى تقنين حمل أسلحة مخفية "لإنهاء هؤلاء المسلمين"، وقالت: "أقف وقفة تضامن ديني مع المسلمين؛ لأنهم مثلي، بصفتي مسيحية، هم أهل كتاب.. وكما ذكر البابا فرانسيس الأسبوع الماضي نحن نعبد الإله ذاته".
ويورد التقرير أنه "بعد هذا المقال مباشرة، بدأت إدارة الكلية تسمع الشكاوى من الخريجين والمانحين وأهالي الطلاب، والطلاب الذين ينوون الانضمام للكلية، واتصلت أم يدرس سبعة من أبنائها في الكلية بأندرسون، مديرة هوكينز، وتركت لها رسالة غاضبة، حيث قالت إن عائلتها ضحت كثيرا لتستطيع إرسال ابنتها الى الكلية، حيث يتوقعون أن تتلقى تعليما مسيحيا في الكلية، وشهر كانون الأول/ ديسمبر هو الشهر الذي يقدم فيه كثير من المانحين تبرعاتهم، وهو الشهر الذي يبدأ فيه طلاب الثانوية بتقديم الطلبات للكليات، وقام عميد الكلية ستانتون جونز بوصف رد فعل الأباء والطلاب المحتملين بأنه (موجة عارمة)، وقال إن الخسائر المادية التي كانت ستترتب على هذه المشكلة، قد تودي بـ 15 إلى 20 وظيفة، وبعد خمسة أيام من نشر المقال دعا جونز هوكينزإلى اجتماع، وطلب منها الإجابة كتابة عن عدة قضايا مقلقة، وأوقفها عن العمل، مع إبقاء الراتب ساريا".
وتذكر المجلة أن هوكينز قدمن في 17 كانون الأول/ ديسمبر ردا مؤلفا من أربع صفحات، أكدت في بدايته إيمانها بعقيدة التثليث، وألوهية عيسى، وخلق الإنسان على صورة الخالق، وتحدثت فيما إذا كان
المسلمون والمسيحيون يعبدون الإله ذاته، وهي المسألة التي كانت أكثر حساسية بالنسبة للعامة، وقالت إن إشارتها للمسلمين بأنهم "إخوتها وأخواتها" يعكس "ثقافتي وإرثي بصفتي أمريكية أفريقية".
وبحسب غراهام، فإنه مع بداية عطلة أعياد الميلاد، اجتمع جونز مرة ثانية بهوكينز، وهذه المرة خارج الكلية، وقال لها إن بقاءها في الكلية سيكون صعبا جدا، ما يعني أن عليها أن تخضع لعملية مراجعة بعد سنتين، وأن الورقة التي قدمتها ليست كافية، وهي بحاجة لأن تكون في "حوار مستمر" مع المديرين الدينيين، ونصحها في نهاية الاجتماع أن تعين محاميا.
وينوه التقرير إلى أن هوكينز رفضت بعد ذلك الاجتماع تقديم المزيد من التبريرات الدينية لما نشرته على "فيسبوك"، وأبدى بعض الخريجين والأهالي البيض استغرابهم لماذا توقفت هوكينز عن الحوار مع المسؤولين، في الوقت الذي يشعر فيه بعض المدرسين السود الحاليين والسابقين بالتعاطف معها.
وتشير المجلة إلى أنه في 4 كانون الثاني/ يناير، نسب جونز رسميا لرئيس الكلية بفصل هوكينز، على أساس أنها "أخفقت في قبول بعقيدة الكلية و/ أو ميثاق المجتمع والالتزام بها".
وتقول الكاتبة إنه "من خلال حديثي مع حوالي 20 موظفا أكاديميا حاليا وسابقا، تبين لي أنه كانت هناك انقسامات كبيرة داخل الكلية وخارجها حول قرار الإدارة فصل هوكينز، وفي شهر كانون الثاني/ يناير، قام العديد من الأساتذة بارتداء ملابسهم الأكاديمية؛ لإظهار تأييدهم لزميلتهم، في الوقت الذي قام فيه البعض الآخر بتوزيع منشور ينتقدون عقيدتها، ونظم الآباء المؤيدون للإدارة صلوات، زاد عدد الحضور فيها لدرجة أنهم اضطروا لإقامتها في إحدى قاعات الكلية، بعد أن كان من المخطط إقامتها في أحد البيوت، وفي بداية شهر شباط/ فبراير، وقع 78 عضوا في الكلية على رسالة، يطالبون فيها الإدارة بإعادة هوكينز إلى وظيفتها، بالإضافة إلى أن مجموعات كثيرة من الجانبين قامت بنشر الأخبار والشائعات حول الموضوع على (فيسبوك)".
وتضيف غراهام: "بعد ستة أشهر من مغادرتها لكلية ويتون، التقيت بها في شهر آب/ أغسطس في مكتبها في جامعة فيرجينيا، حيث قبلت زمالة بحثية في معهد الدراسات المتقدمة في الثقافة، وبدأت رفوف مكتبتها تمتلئ بالكتب والأشياء الأخرى، وفي مكتبها لوحة زيتية رسمها أحد طلابها السابقين، التي يصور فيها عيسى على أنه رجل أسود وعلى رأسه هالة ذهبية".
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن هوكينز حققت بعد مغادرة ويتون شهرة لدى إعلام
الأديان المختلفة، ولدى العديد من المؤسسات غير الربحية، حيث دعيت إلى إلقاء محاضرات عديدة، بالإضافة إلى أن جمعية إسلامية في نيويورك رتبت لها زيارة إلى تركيا، حيث التقت باللاجئين السوريين، ووقعت عقدا مع الناشر هاربر وان، لتكتب كتابا عن "التضامن المتجسد"، وهو المفهوم الذي أشارت إليه طيلة الأشهر الماضية.