ذكر تقرير لوكالة أنباء "أسوشيتد برس"، نشرته صحيفة "واشنطن بوست"، أن مصر جعلت من محاربة تنظيم الدولة أحد أهم أهدافها في السياسة الخارجية، ما قربها بشكل كبير إلى سوريا بشار الأسد وروسيا وإيران، وأغضب موقفها هذا داعمتها المالية المهمة، وهي السعودية.
ويعلق كاتب التقرير حمزة هنداوي، قائلا إن "هذه السياسة محفوفة بالمخاطر، وتأتي في وقت تكافح فيه مصر لاحتواء تمرد إسلامي داخلي، ومواجهة أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ عقود، وعبرت السعودية، التي حمت ملياراتها الاقتصاد المصري من الانهيار، عن عدم ارتياحها، من خلال وقف تزويدها بالنفط المدعوم".
ويضيف هنداوي أن "سياسة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الخارجية متجذرة منذ الإطاحة العسكرية لسلفه محمد مرسي، وقد كتب الخبير في شؤون الشرق الأوسط ستيفن كوك في مجلة (فورين أفيرز)"، قائلا "إن (ملاحقة القاهرة للإخوان المسلمين، وأي جماعة إسلامية تشبهها، أصبحت المبدأ الأساسي الذي يوجه السياسة الخارجية، وكذلك المحلية)، ولا يوجد مثال يكشف عن هذا التوجه إلا دعم مصر هذا الشهر للقرار الروسي المتعلق بسوريا في مجلس الأمن".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن موسكو تقدمت بالقرار في الوقت الذي صوتت فيه ضد القرار الفرنسي، الداعي إلى وقف الغارات الجوية الروسية، التي خلفت المئات من القتلى السوريين في الأسابيع الماضية، وصوتت مصر لصالح مسودتي القرار، وقالت إنها صوتت أملا بوقف المعاناة السورية.
ويعلق الكاتب قائلا إن "الوقوف مع روسيا، وبالضرورة مع نظام بشار الأسد، يظهر أن أولوية مصر هي هزيمة تنظيم الدولة، وأدى هذا الأمر إلى أول جدال علني بين القاهرة والرياض منذ وصول السيسي إلى السلطة عام 2014، وأضافت مصر إلى تلك الإهانة إهانة أخرى عندما استضافت هذا الأسبوع أكبر مسؤول لدى الأسد، وأجرت معه محادثات، فيما أجرى القادة الروس والمصريون مناورة عسكرية، في وقت يشعر فيه العرب بالغضب تجاه العمليات العسكرية التي يقوم بها الطيران الروسي ضد المدنيين في حلب".
وتلفت الصحيفة إلى أن السعودية تسعى للإطاحة بالأسد، وتدعم بشكل قوي جماعات المعارضة السورية، مشيرة إلى أنه بالمقارنة مع هذا الموقف، فإن مصر تتعامل مع جماعات المعارضة على أنها تهديد لها، وأبدت برودة تجاه فكرة الإطاحة بالأسد.
ويجد التقرير أن "توجه مصر يقضي على الآمال السعودية ببناء محور سني لمواجهة المحور الشيعي، وفي الحقيقة، فإن دعم القاهرة للأسد يجعلها قريبة من إيران، الحليفة لنظام دمشق، وقد وقفت مصر مع روسيا، رغم منع الأخيرة الطيران الروسي إلى مصر بعد إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء في العام الماضي، وأعلن فرع تنظيم الدولة في مصر مسؤوليته عن وضع عبوة ناسفة على متن الطائرة التي كانت متجهة من شرم الشيخ إلى روسيا، وأثر حظر الطيران الروسي إلى مصر في السياحة المصرية".
ويورد هنداوي أن المحلل المصري أيمن الصياد يرى أن الحملة ضد التشدد الإسلامي هي جزء مهم من محاولة السيسي الحصول على الشرعية، مشيرا إلى أنه وصل إلى السلطة بعد عام من الإطاحة بمرسي عام 2013، وقامت القوى الأمنية منذ ذلك الوقت بملاحقة عناصر جماعة الإخوان المسلمين وقمعهم، وقتلت المئات منهم، واعتقلت عشرات الآلاف، بالإضافة إلى أن قوات الأمن شنت حملة ضد الجماعات المتشددة، خاصة تنظيم الدولة في سيناء، التي زادت قوة وجرأة بعد الإطاحة بمرسي.
وتنوه الصحيفة إلى أن السيسي أكد في أحاديثه كلها أن أيديولوجية الإخوان تعد أساس مشكلات التطرف التي تواجه العالم، ويعلق الصياد قائلا إن القاهرة مستعدة لاتباع سياسة خارجية محفوفة بالمخاطر لأنها تعتقد أن هناك "من يخشى سيطرة الإسلام السياسي"، ويضيف الصياد أن أكبر دولة عربية من ناحية عدد السكان تراهن على أن داعميها العرب لن يوقفوا دعمهم لها؛ لأنها "لو انهارت فإن تداعيات هذا الانهيار ستنتقل إلى خارج حدودها"، ويعلق قائلا: "هذا صحيح، لكنه يحتوي على عنصر من الابتزاز".
ويفيد التقرير بأن السعودية وبخت مصر علنا بعد تصويت الأمم المتحدة، ورد السيسي بأن مصر تقوم بمتابعة "سياسات مستقلة"، تهدف إلى تحقيق الأمن العربي من "منظور مصري".
وينقل الكاتب عن المحلل في مؤسسة القرن في نيويورك مايكل جورج حنا، قوله إن "استعداد مصر لإغضاب السعودية يثير الدهشة"، منوها إلى أن هناك ملفات خلافية أخرى بين مصر والسعودية، مثل اليمن، حيث رفضت القاهرة إرسال قوات للمشاركة في التحالف الذي تقوده السعودية ضد المتمردين الحوثيين هناك، وجاء الموقف تعبيرا عن تردد القاهرة في العودة مرة أخرى إلى البلد الذي قاتلت فيه أثناء حقبة النزاع بين الملكيين والجمهوريين في ستينيات القرن الماضي.
وبحسب الصحيفة، فإنه علاوة على هذا كله، فإن القاهرة أبقت على قنوات اتصال مع الحوثيين، وحزب الله المدعوم من إيران، والحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد، مبينة أنه في الوقت الذي ركز فيه السيسي على ملاحقة المتشددين في سيناء، فقد قدم الدعم للجنرال خليفة حفتر في ليبيا، وشدد الحصار على قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة حماس.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول المحلل المصري شادي لويس بطرس من موقع "المدن" إن مصر نجحت في أداء دور، وإن كان محدودا، في المنطقة، من خلال سياسة خارجية لا تتبع طرفا معينا، لكنها في الوقت ذاته خلقت لنفسها عداوات ليست بحاجة لها، في الوقت الذي هي بأمس الحاجة إلى دعم البعض.