أطلق رئيس الانقلاب، عبدالفتاح السيسي، ثمانية تكليفات جديدة لحكومته، تستهدف امتصاص الغضب الشعبي المتصاعد، على خلفية إخفاقاته في مواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية، التي تعاني منها البلاد، وتمثل تراجعا مثيرا عن موقفه السابق، الرافض لتعديل قانون تنظيم التظاهر، وحلحلة ملف آلاف المحبوسين.
جاء ذلك في خطاب ألقاه في ختام أعمال "المؤتمر الوطني الأول للشباب"، مساء الخميس، الذي نظمته مؤسسة الرئاسة بمدينة شرم الشيخ، وقام على تمويله رجال أعمال، ومؤسسات حكومية، وتكلف ملايين الجنيهات، واستمر ثلاثة أيام، وسط حضور معظم أعضاء حكومته، برئاسة شريف إسماعيل، ومقاطعة عدد من الأحزاب والحركات الشبابية.
واستهدف المؤتمر، وفق مراقبين، امتصاص الغضب الشعبي المتراكم والمتزايد، ومحاولة وقف تدهور شعبية السيسي، مستبقا تظاهرات دعا إليها معارضون بعد أسبوعين، تحت عنوان "ثورة الغلابة"، وجاء عقده استجابة لأصوات سياسيين وإعلاميين موالين للسيسي، طالبوه بالحديث إلى الشعب.
قرارات لتنفيس الاحتقان
وشملت القرارات والتكليفات الثمانية -التي أعلنها السيسي في كلمته- خمسة قرارات، تضمنت تشكيل لجان عدة؛ لإعادة النظر في قانون التظاهر، ومراجعة ملفات الشباب المحتجزين على ذمة قضايا، وتكليف الحكومة بضرورة الانتهاء من قانون الإعلام، وتنظيم حوار مجتمعي لتطوير وإصلاح التعليم، وحوار ثان لتصويب الخطاب الديني، بالتعاون مع الأزهر والكنيسة.
وكان أول قرار اتخذه السيسي تشكيل لجنة وطنية من الشباب، بإشراف مباشر من رئاسة الجمهورية، تقوم بإجراء فحص شامل ومراجعة لموقف الشباب المحبوسين على ذمة قضايا ولم تصدر بحقهم أي أحكام قضائية، وبالتنسيق مع جميع الأجهزة المعنية في الدولة، على أن تقدم تقريرها خلال 15 يوما على الأكثر؛ لاتخاذ ما يناسب من إجراءات بحسب كل حالة، وفي حدود الصلاحيات المخولة دستوريا وقانونيا لرئيس الجمهورية، وفق قوله.
وفي قراره الثاني، أعلن السيسي قيام الحكومة بالتنسيق مع الجهات المعنية في الدولة بدراسة مقترحات ومشروعات تعديل قانون التظاهر المقدمة من الشباب خلال المؤتمر، وإدراجها ضمن حزمة مشروعات القوانين المخطط عرضها على مجلس النواب خلال الدورة الحالية، بحسب قوله.
وجاء القرار الثالث للسيسي بتكليف الحكومة بالتنسيق مع مجلس النواب للإسراع بالانتهاء من إصدار التشريعات المنظمة للإعلام، والانتهاء من تشكيل الهيئات والمجالس المنظمة للعمل الصحفي والإعلامي.
وكلف السيسي الحكومة، رابعا، بالإعداد لـ"عقد حوار مجتمعي شامل لتطوير وإصلاح التعليم، خلال شهر على الأكثر، يحضره جميع المتخصصين والخبراء؛ بهدف وضع ورقة عمل وطنية لإصلاح التعليم خارج المسارات التقليدية، وبما يتفق مع التحديات والظروف والقدرات الاقتصادية التي تواجه الدولة، على أن تُعرض الورقة مدعمة بالتوصيات والمقترحات والحلول خلال المؤتمر الدوري الشهري للشباب، المقرر عقده خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر المقبل"، بحسب القرار.
وشدد السيسي، خامسا، على "قيام الحكومة بالتعاون مع الأزهر والكنيسة وجميع الجهات المعنية في الدولة بتنظيم عقد حوار مجتمعي موسع يضم المتخصصين والخبراء والمثقفين، بالإضافة إلى تمثيل مكثف من الفئات الشبابية؛ لوضع ورقة عمل وطنية تمثل استراتيجية شاملة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق، ووضع أسس سليمة لتصويب الخطاب الديني، في إطار الحفاظ على الهوية
المصرية بكافة أبعادها الحضارية والتاريخية"، حسبما قال.
وبجانب القرارات الخمسة السابقة، أعلن السيسي ثلاثة قرارات أخرى، كلها تتعلق بالشباب، وتضمنت "قيام رئاسة الجمهورية، بالتنسيق مع مجلس الوزراء ومجموعة من الرموز الشبابية، بإعداد تصور سياسي لتدشين مركز وطني لتدريب وتأهيل الكوادر الشبابية سياسيا واجتماعيا وأمنيا واقتصاديا، من خلال نظم ومناهج ثابتة ومستقرة تدعم الهوية المصرية، وتضخ قيادات مصرية شابة في كافة المجالات".
وأعلن السيسي توجّه رئاسة الجمهورية بالتنسيق مع جميع أجهزة الدولة نحو عقد مؤتمر شهري للشباب يحضره عدد مناسب من ممثلي الشباب من الأطياف والاتجاهات كافة، يتم خلاله عرض ومراجعة جميع التوصيات والقرارات الصادرة عن المؤتمر الوطني الأول للشباب، وما يستجد بعدها، وصولا إلى المؤتمر الوطني الثاني للشباب، المقرر عقده في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وفق قوله.
ودعا السيسي، أخيرا، شباب الأحزاب والقوى السياسية إلى إعداد برامج وسياسات تسهم في نشر ثقافة العمل التطوعي، من خلال كافة الوسائل والأدوات السياسية، على أن تكون أولى قضاياها وموضوعاتها تبنّي مبادرة القضاء على الأمية في المحافظات المصرية، بحسب دعوته.
هكذا حاول السيسي استمالة الشباب
وفي الخطاب، حاول السيسي استمالة الشباب المصري، الذي أثبتت الدراسات واستطلاعات الرأي المختلفة نفوره الشديد منه.. إذ كال له السيسي المديح، واعتبره كلمة السر في المستقبل، وأيقونة التحدي في الحاضر، وثروة قومية لأمتنا يجب استثمارها وتوظيفها؛ لتكون قوة دافعة لمسيرة التنمية، وضلعا أساسيا من أضلاع منظومة الدولة، ورقما فاعلا في معادلاتها"، بحسب وصفه.
وزعم السيسي أن الدولة كونت صورة واضحة جلية عن أنماط اهتمامات شرائح الشباب المختلفة، وتبلورت لديها الرؤية الكاملة حول سبل معالجة قضاياهم، ومراعاة أولوياتهم العلمية والسياسية والاقتصادية والثقافية والمجتمعية، مع الحفاظ على قنوات اتصال حيوية وفعّالة بين الدولة بكل مؤسساتها والشباب من مختلف الفئات، قائمة على الحوار وتبادل الرؤى على أسس وطنية وموضوعية، وفق وصفه.
لغة ناعمة تستبعد الإقصاء والتهوين والتخوين
لاحظ مراقبون استخدام السيسي لغة ناعمة في خطابه هذا، بخلاف خطاباته وحواراته الأخيرة، وآخرها حوار عنق الزجاجة، وخطاب الإخفاء؛ إذ أشار إلى أن فعاليات وأحداث المؤتمر كانت فرصة عظيمة "كي نتبادل جميعا وجهات النظر، ونستمع إلى الرأي والرأي الآخر، دون إقصاء أو تهوين أو تخوين"، وفق وصفه.
"بتحبوا التظاهر أوي كده"
وردا على قراره بتكليف الحكومة مع الجهات المعنية في الدولة بدراسة مقترحات تعديل قانون التظاهر، صفق الحضور في قاعة المؤتمر بشدة للقرار، الأمر الذي دعا السيسي للتعليق، قائلا: "بتحبوا التظاهر أوي كده".
ودعا إلى "استمرار هذا النموذج المحترم من حالة الحوار الإيجابي بين مختلف أجهزة ومؤسسات الدولة والمجتمع وشباب مصر العظيم، وهو ما يفرض علينا أن نحافظ على تنظيم المؤتمر بشكل دوري في نوفمبر من كل عام".
وشدد على أن حجم التحدي الذي يواجه الدولة المصرية كبير، وحجم التغيرات التي يشهدها العالم والإقليم تحتم علينا جميعا الانتباه والاصطفاف لمواجهته، فكل التحديات وإن عظمت تظل بلا قيمة ما دام المصريون على وعي بها ومصطفين في مواجهتها"، بحسب قوله.
واختتم خطابه بالدعوة إلى أن "نخلق فيما بيننا حوارا دائما ومساحات مشتركة نجتمع عليها جميعا دولة وشعبا، ولا نستثني منها إلا من سلك العنف ومنهج الإرهاب"، مردفا: "أود أن أؤكد أن مصر تسع الجميع، إلا من يريد إلحاق الأذى بنا، فليس له مكان بيننا"، مرددا: "تحيا مصر ..تحيا مصر ..تحيا مصر".
تامر أمين: "قرار عجبني أوي"
ووسط توقعات بأن تخصص الصحف المصرية الصادرة، الجمعة، أعدادها لخطاب السيسي وقراراته السابقة، علق الإعلامي تامر أمين على قرار السيسي بتشكيل لجنة من الخبراء والمتخصصين في التعليم لتعديل المناهج، قائلا: "الرئيس عجبني أوي في القرار ده، وهذا يعني أن الرئيس أقر بأن لدينا كارثة في التعليم، والتعليم العالي"، وفق قوله.
وأضاف أمين، في برنامجه "الحياة اليوم"، عبر فضائية "الحياة"، مساء الخميس، أن ما ذكره السيسي يتعارض مع تصريحات وزيري التعليم والتعليم العالي، التي جاء فيها أن لدينا منظومة تعليمية لا أروع منها، واتهام الإعلام بتشويه التعليم، مردفا: "اعترضوا بقى على قرار الرئيس".