غيّرت عملية "درع الفرات" التي دعمتها
تركيا، الخارطة العسكرية في ريف
حلب، سريعاً، وأصبحت خيوط اللعبة أكثر تشابكاً لاختلاف المصالح والأهداف للأطراف المتصارعة في شمال
سوريا.
النظام يراقب ويدفع القوى "الرديفة"
وتظهر تطورات المعارك الأخيرة أنّ النظام يراقب المستجدات، ويسعى حثيثاً لتحقيق أهدافه مستعيناً بالدعم الروسي و"قواته الرديفة" في إشارة إلى المليشيات التابعة له.
ويقول العقيد المنشق محمود المصطفى لـ"
عربي21": "يهدف النظام لبسط سيطرته على أوسع مساحة ممكنة من الأرض، والسيطرة على حلب بشكل كامل".
ويمثل الريف العمق الاستراتيجي وطوق الأمان لقوات النظام في حلب المدينة.
ويقول مصطفى حاج عبد الله، رئيس مجلس أمناء الثورة في منبج، بريف حلب: "يدرك النظام أن وجوده في حلب هش، لذلك يحاول جاهداً تقوية الهشاشة بالطوق الريفي".
لكن بدا لافتاً محاولة النظام تجنب أي احتكاك مباشر مع الثوار في الريف. ويرى حاج عبد الله، في حديث لـ"
عربي21" أن النظام "يدرك ضعفه، وفقره بالعنصر البشري، فاستثمر الكرد ليكونوا طوقاً يحميه، وحاجزاً بينه وبين الثوار"، وفق تقديره.
ويُستبعد بالتالي أن يكون للنظام طموح أبعد من ذلك، على الأقل مؤقتاً، وفق ما يرى عماد حنيظل رئيس المجلس الثوري في منبج سابقاً.
ويضيف حنيظل لـ"
عربي21": "النظام وصل إلى نبل والزهراء وتوقف دون أن يتابع بالريف الشمالي، ووصل إلى مطار كويرس وتوقف دون أن يتابع نحو الباب، فطموحه الحالي يتمثل بتأمين المدينة، وخطوط الإمداد لها وحسب".
التنظيم الخاسر الأكبر
ويبدو
تنظيم الدولة الخاسر الأكبر من التطورات العسكرية الأخيرة، حيث كسرت قوات النظام حصار مطار كويرس، وطردت تنظيم الدولة من المناطق الواقعة بين السفيرة ومطار كويرس، وخسر مدينة منبج وريفها ومنطقة سد تشرين أمام القوات الكردية، وخسر مؤخراً ريف حلب الشمالي وجرابلس وأجزاء من ريف حلب الشرقي أمام الثوار المدعومين من تركيا.
وبات هدف التنظيم الحالي الحفاظ على مدينة الباب، آخر معقل له في ريف حلب، والبوابة الخلفية لمدينة الرقة.
ويقول الناشط الإعلامي عمر الأحمد، من ريف حلب، لـ"
عربي21": "يدرك التنظيم أن خسارة الباب سيتبعها خسارة الرقة، وهذا ما يفسر انسحابه أمام النظام في الريف الشمالي، وتعزيز مواقعه قرب أخترين والقرى الموصلة للباب"، فمعارك التنظيم باتت تأخذ صبغة الدفاعية، ولم يعد بمقدوره وفق التوازنات الجديدة، حالياً على الأقل، توسيع نقاط سيطرته.
الكرد يخشون ضياع حلم الدولة
وتحاول القوات الكردية امتصاص اندفاع قوات "درع الفرات"، فما زالت متمسكة بمنبج وترفض الانسحاب إلى شرق الفرات، بل لا تخفي سعيها للتوجه نحو الباب، لتسابق فصائل "درع الفرات".
ويقول حنيظل في هذا السياق: "أهداف قسد (قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل
الوحدات الكردية عمودها الفقري) لم تعد خافية على أحد، إذ تعمل على وصل كانتون عفرين بكانتون عين العرب، وخصوصاً بعد سيطرتهم على منبج"، وفق تقديره.
وتستثمر القوات الكردية تحت مظلة "قسد"؛ الدعم الجوي الأمريكي والروسي من جهة، ودعم قوات بشار الأسد لها من جهة ثانية، وبدا ذلك واضحاً من خلال قصف النظام لقوات درع الفرات في الريف الشمالي للمرة الأولى، وتقديم دعم لقوات سوريا الديمقراطية، حيث تشير معلومات إلى حصول هذه القوات في عفرين؛ على سلاح من النظام السوري.
ويوضح العقيد محمود المصطفى أن قسد تهدف للحصول على أكبر مكسب حالياً، "وهو الحفاظ على ما حصلت عليه سابقاً".
كما تحاول قسد الاستفادة من حاجة النظام لها للمضي في تحقيق أهدافها، ويوضح المصطفى: "يسعى النظام جاهداً لتكون قسد بديلا عنه في الباب". فالنظام، وفق المصطفى، لا يمتلك العناصر الكافية للسيطرة على المنطقة، فيلجأ مؤقتاً لاستخدام القوات الكردية.
التنظيم يحاول ضرب أعدائه ببعضهم
ويبدو لافتاً انسحاب التنظيم من عدة قرى في الريف الشمالي أمام الكرد، دون قتال. ويدرج عناصر التنظيم ذلك الانسحاب في إطار "التكتيك العسكري".
ويؤكد حنيظل أن "تمدد البي ي دا (الوحدات الكردية) جاء بعد انسحاب داعش من مدرسة المشاة والتلال المحيطة وتل جيجان. وفي هذه المنطقة التقى الثوار مع قسد وداعش والنظام".
ويرى مراقبون أن هدف تنظيم الدولة هو تخفيف الضغط عن مقاتليه، وخلق مواجهة بين الثوار من جهة، والقوات الكردية والنظام من جهة ثانية.
ويبدو أن القوات الكردية ستمضي في تقدمها دون أن تستطيع السيطرة على الباب؛ لأنها غير "مكلفة"، بحسب حنيظل، الذي يقول: "أوكل النظام المهمة لشريكه قسد لتشكيل طوق يحيط بالنظام يصل للطعانة، ويمنع أي احتكاك بين النظام وقوات درع الفرات".
فالدعم المقدم للوحدات الكردية لن يمكنها، على الأرجح، من السيطرة على الباب، وبالتالي استبعاد إمكانية وصل مناطق سيطرتها في الشمال السوري ببعضها.
ويرى الخبير العسكري أحمد رحال؛ أن الدور الكردي في حلب توقف هنا بعد التفاهمات التركية مع الروس والأمريكان معاً.
الثوار القوة المتعاظمة
واستعاد
الجيش الحر في ريف حلب مؤخراً؛ زمام المبادرة، بعد أن كاد وجوده يتلاشى نتيجة هجوم التنظيم من جهة، وهجوم النظام والقوات الكردية من جهة ثانية. فحوصر الثوار بشريط حدودي ضيق جداً.
ويأتي هذا التطور بمساعدة تركية. ويتقدم الثوار نحو الباب في الريف الشرقي؛ بقوة بعد السيطرة على الريف الشمالي.
يقول حنيظل: "المرحلة القادمة باتجاه قرية عبلة ومناطق الشعالة والطعانة لتطويق الباب من الغرب والجنوب، ومن الشرق من جهة العريمة لقطع الطريق على البيدا وتطويق الباب بشكل كامل".
ويواجه الجيش الحر أثناء تقدمه إلى الباب، عدا عن مقاومة التنظيم، عرقلة قوات سوريا الديمقراطية، سواء من خلال مهاجمة الخطوط الأمامية أو الخلفية، كما حدث في كفر خاشر وكلجبرين وكفر كلبين.
ويبدو لافتاً تزايد عدد مقاتلي الجيش الحر كلما تقدم في الريف، فهؤلاء هم أبناء المنطقة، وتنسجم تطلعاتهم مع عملية درع الفرات، كما يقول العقيد المصطفى.
يقول العقيد محمود المصطفى: "الثوار يسعون لتحرير أراضيهم من المحتل، والحفاظ على وحدة تراب هذا البلد، والسعي لبقاء سوريا موحدة بكافة أطيافها"، وهذا ما تفتقده الأطراف الأخرى، حيث يؤدي تقدمها لهجرة السكان المحليين، كما يرى ناشطون.
المستقبل مرهون لحد كبير بالداعمين الخارجيين
لكن يبقى التنبؤ بطبيعة الرحلة القادمة؛ خاضعا للتكهنات، وفق ما يرى الناشط محمد الخطيب. ويرجع ذلك لكثرة التداخلات الخارجية.
فمعركة الباب، كما يرى حنيظل، تحتاج إلى أن يكون هناك توافق دولي، ليستمر الثوار بمعركتهم. ويتابع قائلا: "الثوار مدعومون من تركيا، والنظام تدعمه روسيا، وقسد مدعومة أمريكيا، ونرى أن النظام وروسيا وأمريكا يحاولون إفشال تركيا ودرع الفرات معاً"، كما قال.
ويؤكد القائد العسكري في فيلق الشام، أنس شيخ ويس، حساسية المرحلة القادمة، قائلا: "خطورة وحساسية هذه المرحلة وتغيراتها مرهونة بالدول الإقليمية والدولية الداعمة لكل قوة"، وفق قوله لـ"
عربي21". وفيلق الشام هو جزء من عملية درع الفرات.
ويرى حنيظل أن "الثوار أصحاب أرض ومبدأ، وأصحاب حق يطالبون به"، وليس أدل على ذلك من عودة الجميع بكل مكوناتهم للمناطق التي يسيطر عليها الثوار خلافاً للأطراف الأخرى، وفق مراقبين.