ناقشت دراسة لمركز "الزيتونة للدراسات والاستشارات"، السياسة الخارجية
المصرية خلال الفترة الممتدة ما بين 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى نهاية 2015؛ إذ تناولت الأداء المصري تجاه القضية الفلسطينية وتطوراتها، كما تحدثت عن العلاقة المصرية – الإسرائيلية، وناقشت السياسة الخارجية المصرية مع أبرز الدول العربية والإسلامية والدولية.
الدراسة التي جاءت بعنوان"السياسة الخارجية"، هي إصدار سادس لسلسلة "مصر بين عهدين:
مرسي والسيسي"، التي أطلقها "الزيتونة".
وأظهرت الدراسة أن "مؤسسة الرئاسة" في سلطة الانقلاب انفردت بتحديد
السياسية الخارجية المصرية، وتوجهاتها العامة، بما يتناسب مع مصلحة نظام الحكم؛ حيث احتكرت العديد من الملفات التي تراها حيوية.
وأشارت الدراسة إلى اختلاف طريقة واستراتيجية كل من الرئيس محمد مرسي وقائد الانقلاب عبد الفتاح السياسي، في التعامل مع إدارة ملف السياسة الخارجية، ففيما حاول الأول أن يقيم علاقات مع الدول الفاعلة تقوم على مبدأ الندية والتكافؤ، وتعود بالمنفعة والفائدة على مصر أولا وعلى الدول المستهدفة ثانية، وظّف الثاني حالة الاستهداف والرفض وعدم التعاون التي اتبعتها الكثير من الدول، خصوصا المتضررة، من صعود "التيار الإسلامي"، مع النظام المصري في عهد مرسي، وظّف
السيسي هذا الواقع لتنفيذ مخطط الانقلاب بدعم واضح من هذه الدول.
القضية الفلسطينية
وأفادت الدراسة أن الحياد المصري في مرحلة ما بعد سقوط نظام مبارك، شكّل أحد أهم الأسباب الدافعة لإنضاج ملف المصالحة الفلسطينية والتهيئة الواضحة للتوقيع على الورقة المصرية.
وتابعت أن الدور المصري الراعي لمسيرة المصالحة بدأ يستعيد مكانته، ويعيد إنتاج دوره تجاه القضية الفلسطينية وما تفرضه من أولوية تطبيق المصالحة بين الفلسطينيين؛ فقام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتحويل ملف المصالحة من جهاز المخابرات إلى وزارة الخارجية، كما أشرف على لقاءات متتابعة جادة بين حركتي حماس وفتح، وصولا إلى لحظة الإعلان عن توقيع اتفاق المصالحة بالأحرف الأولى بين الحركتين في القاهرة في 27/4/2011، ثمّ التوقيع الرسمي في 3/5/2011.
وخلصت إلى أن ملف المصالحة لم يشهد تقدما يذكر في عهد مرسي، على الرغم من أن الرئاسة ستعمل "على إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية"، وأشارت إلى انعكاس الأحداث في مصر بعد الانقلاب على الرئيس مرسي على ملف المصالحة، خصوصا بعد توتر العلاقات بين الإدارة المصرية الجديدة وحماس.
وأوضحت أن فوز مرسي شكّل نقطة تحول فارقة في العلاقة بين حماس والحكومة في غزة من جهة ومصر من جهة أخرى. فبعد أن كانت قناة الاتصال الوحيدة بين حماس ومصر تنحصر في جهاز المخابرات العامة، فإن قنوات الاتصال في عهد مرسي باتت تديرها المستويات السياسية العليا في الجانبين. وتوصلت الحكومة المصرية والحكومة الفلسطينية في غزة لاتفاقات بشأن قضايا حساسة، منها اتفاق تشكيل لجنة أمنية مشتركة لمراقبة الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني.
وبينت الدراسة أنه بعد عزل الرئيس مرسي خيّمت حالة من التوتر وعدم الثقة على العلاقة بين مصر وحماس. وشهدت هذه الفترة حملة تحريض كبيرة ضدّ قطاع غزة بشكل عام، وضدّ حماس بشكل خاص، شنتها أحزاب ووسائل إعلام وشخصيات مصرية متعددة؛ حيث اتهمت الإدارة المصرية الجديدة حماس بالتدخل في الشأن المصري، من خلال تهريب أسلحة، وإرسال عناصر فلسطينية للمشاركة بأحداث مصر بعد الانقلاب،
وتابعت الدراسة أن العلاقة ازدادت سوءا بعد قيام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 4/3/2014 بحظر أنشطة حماس مؤقتا داخل مصر، وهو القرار الذي رأت حماس أنه يُكرّس عداء للمقاومة الفلسطينية.
وأشارت الدراسة إلى مجموعة من الإجراءات المصرية التي مثلت تغير الموقف المصري تجاه قطاع غزة وتجاه حماس، كإغلاق معبر رفح البري بين القطاع ومصر، وإغراق الجيش المصري لأنفاق غزة.
العلاقات الإسرائيلية المصرية:
أشارت الدراسة إلى أن ثورة 25 يناير شكلت تحولا في العلاقة المصرية الإسرائيلية، وإلى اهتمام الاحتلال الإسرائيلي بالثورة المصرية وتأثيرها على إسرائيل.
ونقلت الدراسة عن باحثين قولهم إن العلاقات بين مصر في عهد مرسي والاحتلال الإسرائيلي، كانت هشة، على الرغم من محاولة إسرائيل إظهارها طبيعية، بالرغم من محافظتها على معاهدة كامب ديفيد.
واستدركت الدراسة أن الأمر تغير بعد الانقلاب العسكري، حيث لم تُخفِ النُّخب السياسية والعسكرية والمثقفة الإسرائيلية ارتياحها مما حدث في مصر. وأوضحت الدراسة أن محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب رأت أن الانقلاب قد حسَّن بشكل كبير من البيئة الاستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي، مما دفع صناع القرار فيه إلى التحرك بشكل فاعل للمساعدة في دعم نظام السيسي، من خلال المساعدة في تأمين شرعية دولية له، عبر تحرك دبلوماسي ودعائي نشط في أوروبا، والولايات المتحدة، والمحافل الدولية.
وأشارت الدراسة إلى تعبير كل من سلطات الانقلاب في مصر وحكومة الاحتلال الإسرائيلي، عن نسج علاقات قوية ودافئة، إذ أكد السيسي أنه سيحمي أمن إسرائيل من خلال سيناء، فيما قال إيهود باراك إن السيسي "أنقذ مصر من الهاوية".
ونتيجة لهذا التوافق المصري- الإسرائيلي في عهد السيسي، فإن القضية الفلسطينية افتقدت الدور المصري المؤثر، مما يشجع الاحتلال على مزيد من الانتهاكات ضدّ الفلسطينيين.
العلاقات الدولية
وأشارت الدراسة إلى عمل الرئيس محمد مرسي على نسج علاقات مع الدول العربية ذات التأثير كالسعودية، بالإضافة إلى انفتاحه على مجموعة من الدول كإيران، وبالمقابل عكست السياسة المصرية الخارجية، بعد عزل مرسي، هواجس النظام المصري الداخلي، حيث عملت على ترويج ما يحاول النظام ترويجه، من أجل إضافة المزيد من الإنجازات الافتراضية، التي تخدم نظام الحاكم وهواجسه في المقام الأول.
كما عانت السياسية الخارجية من غياب الرؤية؛ مما أفقد مصر دورها كفاعل رئيسي في المنطقة، وجعل مصلحتها تدور في فلك النظم الديكتاتورية؛ في الوقت الذي ارتبطت فيه مصالح النظام بتقوية العلاقات مع إسرائيل، والقوى المناهضة للتغيير والديمقراطية.
وخلصت الدراسة إلى أنه على الرغم من تركيز أنصار السيسي على السياسة الخارجية كأبرز نجاحاته، فإن هذه السياسة ارتبطت في مجملها بغاية حرص النظام على الحصول على الاعتراف والقبول الدولي. وبالرغم من أن هذه السياسة بدت وكأنها حققت نجاحات في الحيلولة دون عزلة نظام السيسي، فإن عددا من الدول الكبرى رأت في علاقتها به أداة لتحقيق مصالحها في المنطقة.