كشف السفير الفرنسي في
تونس، أوليفييه بوافر دارفور، أن وزير التربية التونسي ناجي جلول أكد له المحافظة على
الفرنسية كلغة أجنبية أولى في مناهج
التعليم بتونس، معتبرا أن تصريحات جلول حول اعتماد اللغة الإنجليزية تم تأويلها.
وقال السفير الفرنسي، خلال زيارة لمحافظة صفاقس (جنوب تونس)، الأربعاء، إنه تلقّى تطمينات بأن تظلّ الفرنسية اللغة الأجنبية الأولى في تونس، وأنه سيصدر قريبا توضيح من الوزارة التونسية في هذا الصدد، مشيرا إلى أنّ جلول تلقى تعليمه في
فرنسا، وأن زوجته تعمل مُدرّسة في مدرسة فرنسية.
وعبّر دارفور، في تصريحه لإذاعة "ديوان إف إم" التونسية الخاصّة، عن إعجابه مما قال إنه حرص وزاريّ على اعتماد اللغة الفرنسية في مناهج التدريس التونسية، باعتبارها اللغة الأجنبية الأولى في تونس، إلى جانب تدعيمها بلغات أجنبية أخرى.
وكان جلول قد صرّح مؤخرا بأنه سيتم إحداث تغيير جوهري على مستوى اللغات في المدارس التونسية، في إطار عملية الإصلاح التربوي التي تشهدها تونس، وذلك بأن تكون اللغة الإنجليزية هي اللغة الأجنبية الأولى بعد اللغة العربية، نظرا لأهميتها كلغة أولى في العالم، ثم تأتي اللغة الفرنسية كلغة أجنبية ثانية.
جدل الثقافة والسيادة الوطنيّة
ولم تمر تصريحات دارفور دون ردود فعل في تونس، حيث اعتبرها عدد من الناشطين تدخّلا في الشأن التونسي، كما فتحت جدلا حول مكانة اللغة والثقافة الفرنسية في تونس والعالم.
ونشر الكاتب الصحفي الحبيب بوعجيلة، على صفحته في "فيسبوك" تدوينة قال فيها إن "من جملة كل مستعمراتها القديمة لم تحافظ "الثقافة" الفرنسية على رواجها وهيمنتها في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الواحد والعشرين إلا في تونس تقريبا حيث يسيطر "تلاميذها الكُسالى" على مقدرات التعليم والثقافة والبحث العلمي وهو ما جعل "الإبداع التونسي" من أتفه الإنتاجات مسرحا وسينما وفكرا..".
وأضاف بوعجيلة: "كل الشعوب والمستعمرات الفرانكفونية القديمة انفتحت على الثقافات الأنجلوسكسونية والجرمانية واللاتينية وذهبت إلى التلاقح مع أقاصي الشرق الآسيوي واستفادت من تحولاتها ما بعد الحداثية... إلا "الذيول وبقايا الجالية الفرنسية" عندنا فهي تواصل خنق أنفاس الثقافة والفكر التونسيين بروبافيكا (الملابس البالية المُستعملة في العامّية التونسية) باريس الهرمة والسطحية"، وفق تعبيره.
من جهته، علّق طارق الكحلاوي، القيادي بحزب حراك تونس الإرادة المُعارض، عبر صفحته في "فيسبوك" قائلا: "ما دخل السفير الفرنسي (الذي لم يعتذر بالمناسبة حتى الآن عن التصريح المسيء الذي قام به ضد تونس) لكي "يؤكد" له وزير في حكومة تونسية ذات سيادة بقاء ترتيب اللغات الأجنبية على حاله ويطمئنه على أن الفرنسية ستبقى أهم لغة أجنبية في البلاد؟!".
وتابع: "هل يحتاج ممثلو الحكومة ومنها ممثلو حزب "تحيا تونس" والمزايدة بالعلم والوطنية الاستئناس برأي سفير أجنبي لتقرير إصلاحات لغوية في تعليمنا الوطني؟".
الموضوع لم يُطرح رسميا بعد
في المقابل، قالت ليلى الوسلاتي بوصلاح، عضو لجنة التربية في البرلمان التونسي والنائبة عن حركة النّهضة، إن اللجنة كانت قد دعت الوزير إلى جلسة استماع بخصوص العودة المدرسية ومشاكلها وأدائه الإعلامي، إلا أنّه اعتذر بسبب السفر إلى إيطاليا"، مُضيفة أنه تم تحديد موعد لجلسة استماع مع الوزير بخصوص الميزانية.
وتابعت البرلمانية التونسية، في تصريح خاص لـ"
عربي21": "اللجنة لا تتعامل إلا مع الأوراق والوثائق الرسمية.. وموضوع اللغة الأجنبية الأولى لم يُطرح بعد. وإذا ما طُرح فسيكون من مشمولات لجنة الإصلاح، وهي لجنة مُشتركة بين البرلمان والوزارة"، وفق تأكيدها.
وفيما يتعلّق بتصريح السّفير الفرنسي وتدخّله في الموضوع، قالت الوسلاتي إن هذا القرار "قرار سيادي، وليس من حق أي سفير التّدخّل فيه"، مضيفة: "إصلاح التعليم مُهمّة وطنية وشأن تونسي بحت"، وفق تعبيرها.
الوزير هو المُخطئ.. والسفير يقوم بدوره المُكلّف به
من جهته، اعتبر المُحلّل السياسي التونسي، علي اللافي، أن "المُخطئ الأكبر" في هذا الملف هو وزير التربية، باعتبار أن العلاقة مع الهيئات الأجنبية تمر عبر وزارة الخارجية، وهو ما لم يلتزم به جلول، وفق تقديره.
وأضاف اللافي، في تصريح خصّ به "
عربي21"، أن جلول "ارتكب أخطاء قاتلة واتخذ قرارات ليست من صلاحياته، وليست حتى من صلاحيات الحكومة أصلا، باعتبار أن الإصلاح التربوي واعتماد اللغات وترتيب أولوياتها هو من شأن لجنة التربية والتعليم في مجلس نواب الشعب، وأن دوره وفق النّظام السياسي الذي يحكم تونس الآن هو دور تنفيذي يخضع لمُساءلة المجلس النيابي المُنتخب"، وفق تعبيره.
وتابع: "أما فيما يتعلّق بالسفير الفرنسي، فقد يكون ارتكب عمليا خطأ اتصاليا مرة أخرى، أما الحديث عن تدخّل في السيادة فهو غير دقيق. هو قام بمشاورات، وإن كان هناك خطأ فقد ارتكبه جلول أثناء المشاورات؛ لأنه أصلح خطأ بخطأ، فلا يحق له اتخاذ قرارات ليست من صلاحياته، سواء عندما تحدّث عن تفضيل الإنجليزية على الفرنسية أو عندما نفى ذلك".
واعتبر اللافي أن السفير الفرنسي عبّر عن سياسات دولته التي ترى أن دول شمال أفريقيا تندرج ضمن مجالها الحيوي ثقافيا، بما يضمن حضور اللغة الفرنسية، إلا أنه أخطأ اتصاليا مرّة أخرى لأنه يجب أن يضع في اعتباره حساسية التونسيين من مثل هذه التصريحات بعد الثورة"، كما قال.
يُذكر أن السفير الفرنسي كان قد استهلّ مهامه بتصريح مثير للجدل على قناة "آر تي إل" الفرنسية، في أيلول/ سبتمبر الماضي، وصف فيه تونس بأنها بلد منتج للإرهابيين، وهو ما سبب جدلا كبيرا في الأوساط التونسية.