كتب أحد المساجين السابقين في فرع الأمن في حلب وهو وائل الزهراوي عبر صفحته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، شهادات حيّة ومريرة عمّا رآه خلال الفترة التي قضاها بين جدران السجن لدى نظام الأسد.
ينقل الزهراوي في رسالته معاناته ومعاناة بعض المعتقلين الذين التقى بهم هناك.
ينقل الزهراوي في رسالته واقع السجون في مخابرات النظام السوري، كما ينقل قصة أب وابنه التقيا على دولاب
التعذيب.
يكتب الزهراوي بلهجته الشامية:
رغم أنه ليس سوى مجرد مسخ جبان، إلا أن صوته وهو ينادي علينا كان يجعل الكثيرين يبولون على أنفسهم لا إراديا..
لم يكونوا جبناء أبدا … لكن أجسادنا ترفض تقبل الموت بأي شكل …في فرع المخابرات الجوية كنت معلقا بالسقف “مشبوحا” للمرة الثالثه وعلى وقع خطوات المساعد أبو إبرة كما يسمونه يتشاهد، البعض ممن يتوقعون أنه سيأخذهم معه للموت .. يحقنهم بالطابق السفلي هو والمسوخ الذين معه بإبر هواء في رقبتهم من الخلف. أحد أعضاء السخرة قال لي: أحيانا منحط بالإبر مازوط وكان يضحك …
البارحة طلبوني للتحقيق ومنذ ذاك الوقت وأنا معصوب العينين لا أرى شيئا … والمفارقة أن المساعد أبو إبرة هو من رفع عن عيني القماشة السوداء، نظر بعيني وقال هادا أنت يا محامي الكلب، لك مو مبارح لعنت ربك عند سيادة النقيب لك لسا ما فطست، ولا شو كان اسمك ولاك .
اسمي وائل الزهراوي سيدي
فضربني بالكبل. قال: لا مو صحي، اسمك محامي الكلب فهمت قول لشوف فقلت له: سيدي انا محامي الكلب فضحك …
عذبوني لدرجة الإغماء عدة مرات ليلة البارحة، كنت أبكي وأتوسل وألعن جسدي الذي يجعلني ضعيفا إلى هذا الحد. بعد ساعة على بدء التحقيق توقف الضرب ورفعو الدولاب من رجلي وتوقفوا وأنا أسمع واحدا منهم دخل الغرفه وقال : ليك سيدي ليك مرت ثواني ثم سمعت عويلا كأنه عويل أهل القبور وانفجر الجميع يضحكون ..
كانوا يأتون بمعتقل ويعلقون عليه عشرات أكياس النايلون التي بللوها بالبنزين، ثم يشعلونها ويفكون له يداه فيبدأ المسكين وهو معصوب العينين بإطفاء النار التي تأكل جسده فيحرق يداه بالنايلون، فيرقص محترقا من الألم وهم يضحكون، نعم كانوا يضحكون يا إلهي كانوا يضحكون
صفعني أبو إبرة ولم يأخذني معه للموت تركني معلقا بحزني لآخر العمر …
اختار ثلاثة لديه أسمائهم أنزلهم، واحد منهم صار يبكي بكاء غريبا ويذكر أسماء أطفاله، أذكره وهو يقول: يا سحر يا محمد إلكن الله ياروحي إلكن الله
الذي لازلت أذكره تماما ذاك الرجل الذي كان قبلي، شعره الأبيض كان مختلطا بلون دمه وهو معصوب العينين، رأيته قبل أن يعلقوني البارحة للحظة أمامي …
ضربني أحدهم على وجهي فأزاح القماشة السوداء، فلمحته قبل أن يعيدها على عينَيّ
بعد ذهاب أبو إبرة أدخلوا اثنين وعلقوهما، أحدهما كان مخدرا لا يشعر بشيء والثاني كان معصوب العينين، ودمه مشى على كل جسده حتى صنع بقعة تحته …
بعد ساعتين أتى المساعد ليمرر قارورة الماء على شفاهنا كي لا نموت، فالموت هم من يختارون متى وكيف وأين يتم.
بعد أن غادر المساعد الغرفه صحي قليلا ذاك الشاب الذي كان مخدرا قبل ساعات، وبدأ يلتفت لم أكن أستطيع رؤية وجهه وهو معلق، كان في زاوية لا أراها لكني بدأت أسمع ذاك الصوت الذي كلما تذكرته هزمني ارتجاف أصابعي، ولم أعد أر الحروف وهي تتوارى خلف الدموع، كان يقول بصوت خافت:
_ يابي يابي ..
كنت أظن أنه يهذي لكن الحقيقة غير ذلك تماما، الحقيقة أمرّ بكثير
لقد كان ذاك الرجل السبعيني المعلق والده
بقي ذاك الشاب أكثر من ساعتين وهو يقول يابي ويبكي ويعيد الكلمة ذاتها يابي يابي.
_ صحا والده مساء وبدأ يحرك رأسه والشاب لا زال يقول يابي يابي، وبدأ يلتفت باتجاه الصوت وهو معصوب العينين، وقال: مين حسن حسن عرف ولده من صوته ..
أنت هون حسن، ويحاول أن يلتفت باتجاه صوت ولده وأنا أراه وهو لا يراني.
استمر الشاب بقوله يابي، فرد عليه أبوه المعلق والمضرج بدمه: حسن يا ابني أنت هون كان يحرك رأسه وهو لا يرى شيئا، يحاول أن ينصت باتجاه صوت ولده.
الأكثر ألما أني كنت أرى وجه الشاب من خلال انعكاس صورته ببقعة الدم التي نزفها الشاب المقابل له الذي أدخلوه معه، كنت أرى من خلال الدم كي يبكي الوطن بأكمله هناك.
_ يا حسن يا ابني وبدأ يبكي ويقول: يا حسن شلون أمك وخواتك يا ابني والشاب يبكي.
ويقول مابعرف يابي ما بعرف، أنا بعدك بيوم أجو أخدوني يابي، بس كنت عند الأمن العسكري يابي وبعدين جيت لهون يا روحي أنت يابي.
_ أنت اللي روحي يا حسن يا عيوني أنت يا حسن، ما بتعرف شي عن أمك وخواتك يا ابني؟
_ لا ما بعرف يابي شلونك يابي يابي شبك يابي ليش هيك رجلك ورمانة يابي يابي، خلي يعدموني ويطالعوك يابي آه يابي آه
_ حسن يا ابني، أنا رح موت يا ابني دير بالك عأمك وخواتك يابي الله يرضى عليكن كلكن.
وعلى أثر كلمته: الله يرضى عليكن انفجرت بالبكاء، لم أعد أحتمل؛ حسن وأبوه ذبحاني من الوريد إلى الوريد. بعد ساعات أتى المساعد وأمسك الكبل وضرب أبو حسن على بطنه وحسن يصرخ اعدموني وطالعوا أبي اعدموني وطالعوا أبي
رد عليه السجان: والله رح حطك أنت و أبوك بنفس القبر، وقف راجعلك. وفك أبو حسن فوقع على الأرض وجروه اثنان منهم وهو يخرج أصواتا لم أعد أدركها ولم أرَ أبو حسن بعدها. وجروني في اليوم الثاني للزنزانه وحسن بقي معلقا ينادي على أبوه الذي التهمته وحوش هذا الزمن …
أنا محامي الكلب كما سماني أبو إبرة… لم أكن يوما محاميا لكني لأجل العدالة درست الحقوق؛
الحقوق التي صار يراها المواطن السوري منة وفضلا من أولئك المسوخ الذين يمثلون قبح هذا العالم،
الحقوق التي افتتحنا بها نحن السوريون أول معهد قضائي في العالم قبل التاريخ!