تحت نيران القصف في قرية الصيار بمحافظة تعز، جنوب غرب
اليمن، لاذ "أبو هاشم" مع أسرته المكونة من سبعة أفراد بأحد كهوف جبال وادي الحريبة، لعلها تقي أطفاله برودة ليالي الشتاء القارسة، وتحميهم من القذائف المنهمرة على القرية.
عن أوضاعه، يقول "أبو هاشم": "أنا عامل باليومية (بأجر يومي)، ولا أملك إلا منزلي وأطفالي فقط.. كل أهلي نزحوا من القرية، بعضهم استقر بجواري، والبعض الآخر انتقل إلى مناطق سامع والمواسط".
وللمعارك في مديرية الصلو جنوبي تعز أهمية استراتيجية، حيث يستهدف مسلحي
الحوثي والرئيس السابق علي عبد الله صالح، السيطرة على منطقة الصلو، الواقعة أعلى قمة جبل يحمل اسم المنطقة، حيث تُطل منه قرى المنطقة على مديريات تعز الجنوبية بشكل واسع؛ وهو ما يتيح لهم، في حال السيطرة عليها، قطع خطوط الإمداد الوحيدة عن المحافظة.
كان دوّي المدافع قد اقترب من منزل سناء إبراهيم، بينما جارتها أم معاذ أخذت أطفالها وما خف وزنه وغلا ثمنه من مقتنيات فوق سيارتهم المكشوفة ذات الدفع الرباعي، مبتعدين عن قريتهم، التي تشهد معارك شرسة.
قرب منزل سناء سقط صاروخان من نوع كاتيوشا، فقتلا اثنين من سكان القرية بينما كانا هما أيضا يتأهبان للنزوح.
ومع احتدام المعارك على مدخل القرية، وفي ظلمة ليل الشتاء شديد البرودة، نزحت سناء، التي تحمل جنينا في شهره الثامن، مع زوجها عامر، حيث لجأوا إلى حظيرة أبقار وحمير يملكها أحد السكان على الطرف الآخر من القرية، فظلا فيها ثلاثة أيام دون أي مساعدات.
شقيقها محمد يوضح أن "سناء نزحت مع زوجها سيرا على الأقدام، وتعرضت لإجهاد بدني شديد.. بعد يوم من السير عثرا على سيارة إسعاف نقلتها إلى مستشفى مدينة التربة، حيث كانت في وضع صحي سيئ".
ولا يقتصر هذا الوضع الإنساني المتردي على قرية الصعيد والصيار، فبحسب محمد، "حولت المعارك كل قرى المنطقة إلى جحيم، ففي ليلية واحدة مثلا يقصف الحوثيون قرية صغيرة بنحو 17 صاروخا من نوع كاتيوشا".
ويتابع المواطن اليمني: "حوالي 30 شخصا من عائلتي نزحوا من القرية عبر طرق جبلية وعرة، وهم يعانون ظلمة الليل ولسعات البرد.. لكن جدتي رفضت الخروج من القرية، وقالت إنها تريد الموت تحت سقف بيتها".
في قرية الصيريتين، عايش "لبيب أحمد" فصولا من جحيم المعارك، حيث اشتد القتال، فما كان منه إلا أن نزح إلى أقارب له في قرية بني يوسف.
ويروي أحمد مأساته بقوله: "اضطررت إلى المغادرة بأطفالي الأربعة وزوجتي في أسرع وقت، فقد كنا نعرف أن قرانا ستكون ساحة لمعارك أكثر ضراوة بين الطرفين".
وإجمالا، فقد تسببت معارك تعز في نزوح وتهجير حوالي 21492 مدنيا، بحسب تقرير لـ"لشبكة الراصدين المحليين" (غير حكومية)، في تقرير أصدرته السبت الماضي. ويبلغ عدد سكان تعز قرابة المليونين ونصف المليون نسمة.
واتهمت الشبكة مسلحي الحوثي وصالح بتهجير 3582 أسرة بين أيلول/ سبتمبر 2015 وتشرين الأول/ أكتوبر 2016، موضحة أن 250 أسرة نزحت من قراها في منطقة الصلو بشكل قسري، ومنعهم الحوثيون من أخذ أمتعتهم.
وأضافت الشبكة أن قوات الحوثي أجبرت الكثير من الأسر على مغادرة منازلها تحت التهديد بقتل كل الذكور في هذه الأسر، مشددة على أن معظم الأسر النازحة والمهجرة لا تملك أدنى فرص العيش، مع انعدام فرص العمل.
وعلى معظم جبهات اليمن، تتصاعد المعارك منذ يوم 6 آب/ أغسطس الماضي؛ بالتزامن مع تعليق مشاورات السلام في الكويت بين الحكومة و"الحوثيين" وحزب المؤتمر الشعبي العام (جناح صالح)، بعد استمرارها لأكثر من ثلاثة أشهر دون تحقيق اختراق.
ومنذ أكثر من عام، يعيش اليمن حربا بين القوات الموالية للحكومة اليمنية، مدعومة من تحالف عربي بقيادة السعودية، وبين مسلحي الحوثي وصالح، المدعومين من إيران.
وأسفرت الحرب حتى الآن، بحسب منظمة الصحة العالمية، عن مقتل حوالي 6 آلاف و600 شخص، وإصابة نحو 35 ألفا.
وتفيد تقديرات محلية بحاجة قرابة 21 مليون يمني (80% من السكان) إلى مساعدات، وسط تحذيرات الأمم المتحدة من تداعيات نقص الغذاء على أطفال اليمن.