ما نعرفه عن الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد
ترامب من خلال ما أدلى به من تصريحات، وما أظهره من مواقف خلال المنافسة الانتخابية، يقول إنّه شخص استعراضي، ويمتلك شخصية غير مستقرّة، ويحب الارتجال، أي لا يمكن توقّع خطواته.
في المقابل، هناك من يعتبر أنّ المظاهر خدّاعة، وقد لا تعكس الأجندة الحقيقية بالضرورة، وهو ما يعني أنّ خطاب ترامب السابق كان للاستهلاك المحلي فقط، وأنّ سياساته ستكون مختلفة، ولذلك فلا داعي للخوف، فالولايات المتّحدة دولة مؤسسات، وترامب سيضطر في نهاية المطاف إلى أن يخضع لسقف هذه المؤسسات.
هذا الإدّعاء قد يمتلك شيئا من الصحّة، لكنّه ليس مطلقا، ويمكن المجادلة فيه أيضا. صحيح أنّ الولايات المتّحدة دولة مؤسسات لكن شخصية الرئيس وأجندته السياسية تؤثّر بشكل كبير في هذه المؤسسات. المؤسسات لا تمتلك أجندة سياسية بذاتها وإنما يتم استخدامها لتنفيذ أجندة سياسية، كما أنّ الفريق الفائز في الانتخابات يأتي بفريقه وأتباعه على المستوى السياسي في كل المؤسسات لكي يكون هناك انسجام على مستوى القرارات والتنفيذ.
أضف إلى ذلك أنّ الرئيس في الولايات المتّحدة يمتلك صلاحيات حقيقية، وهو قادر إذا ما أراد أن يحقّق أجندته وإن كانت تخالف السياق العام لما اعتادت عليه هذه المؤسسات. أبرز دليل على هذا الكلام أوباما نفسه، ولا سيما ولايته الثانية بالتحديد. وحتى لو افترضنا أنّ هناك جزءا من خطاب ترامب كان للاستهلاك المحلي، فإن هناك خصائص في ترامب راسخة وواضحة ولا يمكن التنكّر لها.
هناك خوف حقيقي داخل الولايات المتّحدة الأن على الصعيد الشعبي والرسمي، في ظل الاستقطاب الذي تحوّل إلى إنقسام مؤخرا مع خطاب الكراهية وحالة الشعبوية التي أتى بها دونالد ترامب. هناك تركيز أيضا على مستوى البنتاغون والخارجية على نقل السلطة بشكل سليم إلى الرئيس المنتخب، وهو ما يعبّر عن حالة القلق التي تسود هذه المؤسسات مع التركيز مؤخرا على دعوة الموظفين لأن يحيّدوا التوجهات السياسية الشخصية عن عملهم.
هذه المعطيات بالتحديد من شأنها أن تخلق حالة من عدم اليقين والذعر وهذا أمر مفهوم. لكن لمواجهة هذا الوضع، سيكون من الأهميّة بمكان أن نراقب وندرس جيدا الشخصيات التي سيختارها ترامب للعمل معه ضمن في فريق إدارته لا سيما في السياسة الخارجية والدفاع والأمن القومي. وبما أنّ الرجل لا يمتلك أي خبرات سياسية أو عسكرية حقيقية فمن الصحيح أن نفترض أنّ هذه الشخصيات ستؤثّر إلى حدّ كبير على قرارات ترامب في المسائل الحسّاسة.
معظم الأسماء المرشحة لهذه المنصاب تنتمي إمّا الى معكسر المحافظين الجدد (القديم) أو إلى اليمين المتطرّف الغالب على مواقف هؤلاء هو: العلاقة الحميمة جدا مع إسرائيل، الموقف المتشدد من
إيران، والعداء للإسلام تحت شعار محاربة الإرهاب. هذه الثلاثية غير المستقرّة، تحملها معها تحديات وفرص عددية، لكنّها ستزيد على الأرجح من حالة الفوضى التي تعاني منها المنطقة ما لم يتم الانتباه جيدا إلى السياسات التي يتم تطبيقها.
ترامب يرفض الاتفاق النووي مع إيران بشكل الحالي، وهذا أمر جيّد للدول التي لطالما شككت في نجاعة هذا الاتفاق. هناك حاجة إلى تحجيم إيران وإعادتها إلى حجمها الطبيعي بعد التمدد غير المسبوق في نفوذها خلال المرحلة الماضية، وهو التمدد الذي جاء نتيجة لسياسات أوباما المقصودة والتحالف غير المباشر مع نظام الملالي.
معظم الدول الإقليمية تعاني اليوم بشكل شديد من سياسات إيران التخريبية، وقد ثبت أنه ليس باستطاعة هذه الدول فعل شيء طالما أنّ الموقف الأمريكي يميل نحو إيران. أمّا وقد جاء ترامب، فإنّ من الممكن العمل معه ضد إيران. ومن المهم جدا في هذا السياق أن لا يقتصر التعاون على الملف النووي وإنما أن يشمل أيضا المليشيات الشيعيّة المسلحة في المنطقة بما في ذلك حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية.
في المقابل ما لم يغيّر ترامب من موقفه السلبي من الإسلام ويوازن العلاقة مع إسرائيل من خلال التركيز على حل عادل للقضية الفلسطينية، فإنّ إيران ستستغل هذا الموقف بالتحديد لتجييش الجماعات المتطرفة والشعوب الإسلامية وتعمل على الاستفادة منها لتحمي نفسها ولتزيد من مشاكل الولايات المتّحدة والدول الإقليمية، وهو سيناريو طبّقته طهران بشكل ممتاز منذ العام 2003 تقريبا وحتى العام 2009.
أمّا السلبيّة الأخرى لدى ترامب فتكمن في أنّه لا يمانع أبدا في الاستعانة بأنظمة مثل الأسد والسيسي وبوتين لمحاربة "داعش" و"القاعدة". مثل هذا الأمر يعني العودة إلى المربّع الأول، لأنّه يعتبر تجاهلا لجذور المشكلة والأسباب الحقيقية التي أدت إلى ولادة داعش والقاعدة. إذا لم يتغيّر هذا الموقف، فسندخل في دوامة، وستكون الدول الإقليمية هي الخاسر الأكبر، وقد يصبح ترامب عرضة للابتزاز من قبل هذه الأنظمة، ومن يقبل عروضها في مكافحة الإرهاب فقد يقبل كذلك عروض النظام الإيراني كما فعل أوباما.
سبق لترامب وأنّ أشار إلى إمكانيّة أن تترك الولايات المتّحدة حلفاءها يواجهون المخاطر بأنفسهم دون مد يد العون إليهم خاصّة إذا لم تقم هذه الدول بالدفع مقابل الموقف الذي سيتّخذه ترامب. مثل هذه الوضع قد يشكّل فرصة مهمة لتحفيز الدول الإقليمية للاعتماد على نفسها والتعاون أكثر في ما بينها لا سيما على الصعيد الدفاعي والأمني.
سياسات ترامب قد تدفع أيضا بعض الحلفاء في المنطقة لأن يصطدموا مع بعضهم البعض، أو أن تلغي جهود بعضهم جهود البعض الآخر لا سيما في منطقة
الخليج العربي. من الخطر بمكان إذا ما قرر ترامب أن يحارب الجماعات الإسلاميّة التي لا تنتهج العنف أن تنضم إليه بعض دول الخليج، فهذه سياسة عقيمة وسبق وأن تمّ اختبارها أواخر عهد الملك السعودي الراحل عبدالله وأدّت إلى كوارث لا نزال نعاني من تداعياتها حتى اليوم.