تموج مدينة عدن
اليمنية بمتغيرات عدة، أنتجها الصراع الذي ظهر للعلن بين الفريق الحكومي التابع للرئيس عبدربه منصور هادي، وبين حاكم المدينة عيدروس الزبيدي، الذي غادر المدينة إلى
الإمارات، في زيارة يلفها الكثير من الغموض، الأسبوع الماضي.
وفي هذا الإطار، أفادت مصادر موثوقة في اليمن بأن عيدروس الزبيدي كان مجبرا على مغادرة عدن، لـ"أبوظبي"؛ لاشتداد المواجهة مع الجناح الموالي للرئيس اليمني هادي، الذي يستغل غضب الشارع العدني على سلطة الزبيدي، بعد عجزه عن وقف تردي الخدمات الأساسية فيها.
وأضافت المصادر، التي فضلت عدم ذكر أسمائها، لـ"عربي21"، أن تحرك فريق هادي في عدن جاء بإيعاز من
السعودية، بعدما باتت حسابات الإمارات لا تلقى استحسانا من قبلها في عدن، التي فشلت في إدارة ملف المدينة الغارقة في أزمات مركبة.
وأشارت إلى أن قرار الإطاحة بمدير شركة النفط في عدن، "عبد السلام حميد"، كان أشد أشكال الصراع بين حاكم عدن -الذي يعد أهم حلفائه- وبين فريق الرئيس هادي الذي كسب هذا النزال، عقب رفض "حميد" التوجيهات الصادرة من قبل الحكومة الشرعية التي يقودها أحمد عبيد بن دغر.
وحسب المصادر ذاتها، فإن مدير شركة النفط السابق كان يمثل الصندوق بالنسبة لحاكم عدن، وكان يتلقى التوجيهات من الأخير بشأن تحويلات مالية لصرفها، في الوقت الذي يرفض أي توريدات مالية رسمية أو أوامر صرف قانونية، بل كانت الشركة غارقة في الفساد وشراء الذمم، فضلا عن التلاعب بالمشتقات النفطية.
وقالت إن هذه السياسة التي أنتجها الرجل انعكست على الخدمات في عدن في مجال الكهرباء والوقود، ما تسبب في تعقيد ظروف المواطنين بين السلطة التنفيذية والحكومة الشرعية في المدينة، التي دفعها إلى عزله وتعيين بديلا عنه. مبينة أنه رغم قرار عزل "عبدالسلام صالح حميد" من الشركة، إلا أنه رفض، ليقوم "ناصر مانع حدور"، المدير الذي عين بديلا عنه، بـ"اقتحام مكتبه بعدد من الأطقم".
ووفقا للمصادر وثيقة الاطلاع، فإن الفريق الحكومي المدعوم من الرياض في عدن حسم الصراع لصالحه، وأحكم قبضته على أحد الموارد المالية، أي شركة النفط، بعد أن استبدال بمديرها السابق مديرها الجديد "حدور"، المتحدر من محافظة أبين مسقط رأس الرئيس هادي.
صراع على ملفات أخرى
وفي السياق ذاته، لا تستبعد المصادر انتقال الصراع نحو ملفات أخرى، مستندة إلى معلومات تفيد بأن لدى الحكومة الشرعية رغبة تحظى بدعم من السعودية في وضع يدها على "المليشيات المسلحة" في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية، والعمل على بناء وتفعيل الأجهزة الحكومية.
وذكرت أن تحركا نشطا لفريق عبدربه منصور هادي تشهده مدينة عدن، وكأن السعودية منحتهم الضوء الأخضر لتكريس نفوذهم في المدينة. مشيرة إلى أن أهم ما يميز هذا التحرك استناده على عوامل قوة، لعل أهمها "الضعف والوهن الذي بدا على خصومهم".
البعد المناطقي في الصراع
واتجه الصراع بين هادي وحلفاء الإمارات في عدن منحى مناطقي، حيث تؤكد المصادر أن اصطفافا على أساس جغرافي يجري على قدم وساق، يعيد سياقات الصراع التاريخي بين الضالع ويافع من جهة، وشبوة وأبين من جهة أخرى، الذي انفجر في أسطع صورة فيما عرف بـ"أحداث يناير" في العام 1986.
وبحسب المصادر ذاتها، فإن البعد المناطقي يتجسد في سباق الطرفين على الاستحواذ على المناصب الحكومية، ومن أجل الهيمنة ما بين الضالع التي يمثلها جناح الزبيدي وشلال شائع، مدير شرطة عدن، وبين جناح أبين الذي يمثله أنصار هادي واللواء حسين عرب، وزير الداخلية، الذي يعد اليوم بمثابة الحاكم الفعلي لعدن.
وتشير تحركات اللواء "عرب"، الذي يشغل أيضا نائبا لرئيس الوزراء، إلى أن الرجل بات الحاكم الفعلي لمدينة عدن، بعدما غادرها اللواء الزبيدي، المخول بإدارتها.
خذلان الإمارات للزبيدي
وتحدثت المصادر عن شعور محافظ عدن "الزبيدي" بخذلان الإماراتيين، الذي كان ثمنه باهظا، "إحراق صورته وانهيار شعبيته"، إلى جانب تعالي الأصوات المنددة بفشل في إدارة المدينة الغارقة في وحل أزمات الخدمات من كهرباء ووقود، فضلا عن الحالة الأمنية فيها، رغم وعود إماراتية بحل إشكالية انقطاع التيار الكهربائي.
وتشير إلى أن تعويل الزبيدي على دعم أبو ظبي انتهى بخيبة أمل، فهي لم تقدم الدعم اللازم لحلفائها في عدن ليثبتوا مراكزهم ويظهروا أمام مواطني عدن بأنهم هم من يسيطر على الوضع.
وتزايدت أزمة انقطاع الكهرباء تفاقما، قابلها تدهور الخدمات الأساسية الأخرى في عدن، وتصاعد الاحتجاجات لعدد من الموظفين، خصوصا المتقاعدين، آخرها قبل ثلاثة أيام، عندما قام محتجون بقطع أحد شوارع المعلا في المدينة، مطالبين بدفع مستحقاتهم الشهرية.
الإمارات تدفع ببحاح
ومع انحسار نفوذ حلفاء الإمارات في الجنوب، كشفت المصادر اليمنية أن أبوظبي دفعت بنائب هادي السابق، خالد بحاح، لتفعيل نشاطه السياسي ضد الرئيس هادي، تجلى ذلك من خلال مقابلته الأخيرة على قناة "بي بي سي" قبل أيام، حيث قال إن "هادي سوف يصبح رئيسا سابقا على المدى القريب " والذي حدده بـ"أيام أو أشهر".
ولم تخف المصادر أن التبدل في سياسة الإمارات باليمن يوحي بأن السعودية بدأت بسحب البساط في عدن منها وحلفائها، حتى ولو لم يحدث ذلك في الظاهر، إلا أن الهامش الكبير الممنوح للرئيس هادي وبن دغر لتكريس نفوذه و هيمنة سلطتهما -التي قام من أجلها التحالف العسكري بقيادتها- على أهم الموارد في الجنوب وآخرها في عدن شركة النفط، قد يعزز فرضية "التوجه السعودي".
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعلنت الإمارات على لسان وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، دعما لخارطة الطريق التي قدمها المبعوث الأممي لليمن، إسماعيل ولد الشيخ، التي تنص على "نقل الرئيس هادي صلاحياته إلى نائب رئيس توافقي، بعد تنحي الجنرال الأحمر من منصبه نائبا لهادي، يصبح بعدها هادي رئيسا شرفيا حتى إجراء انتخابات بالبلاد.
البدائل لدى الإمارات
وفيما يتعلق بالخيارات البديلة للإمارات لامتصاص خلافها مع السعودية، ومنعه من التجلي أكثر، تؤكد المصادر أن خيارات الإمارات في عدن والجنوب عموما باتت محدودة، لم يبق منها سوى التهدئة مع السعودية في الجنوب، والسير في الاتجاه الذي يعزز مكانة السلطة الشرعية في البلاد، وبما يخدم أهداف التحالف العربي الذي تقوده المملكة.
وأضافت أن النظام الإماراتي هو من أضعف وجوده في عدن، وكان يؤمل منه الكثير، لكنه انكفأ على ذاته، خاصة منذ إزاحة خالد بحاح من منصبي نائب الرئيس ورئيس الحكومة، ولم تظهر الدعم اللازم للزبيدي، الذي يعد أحد رجالاتها بعد بحاح.
وكان الرئيس اليمني قد أطاح بخالد بحاح الذي يوصف بـ"رجل الإمارات الأول باليمن" في نيسان/ أبريل الماضي، من منصبي نائب الرئيس ورئيس الحكومة، وقامت بتعيين الجنرال علي محسن الأحمر وأحمد عبيد بن دغر بديلين عنه.
وحول الدعم الذي تقدمه الإمارات للقيادي السلفي المثير للجدل، هاني بن بريك، قائد قوات الحزام الأمني في عدن وما حولها، قالت المصادر إن بريك ليس بالقوة التي يظنها البعض، بل تم تدجينه بالمنصب الوزاري كـ"وزير دولة" في حكومة بن دغر.