يتخوف تربويون وخبراء اجتماع من اختفاء الحياة الاجتماعية الطبيعية في ظل عشرات مواقع
التواصل الاجتماعي التي حولت المستخدمين إلى حضور افتراضيين في اللقاءات والمناسبات الاجتماعية.
ويستخدم سكان العالم عشرات مواقع التواصل الاجتماعي العامة والمتخصصة، على حساب الحياة الاجتماعية العادية، ما يجعل اسم "مواقع التواصل الاجتماعي" يبدو غير معبر عن ماهيتها.
وينتشر أكثر من 500 موقع تواصل اجتماعي على شبكة الإنترنت، غير أن أبرزها وهو
الفيسبوك يستقطب العدد الأكبر، يليه الواتساب، وإنستغرام ثم سنابشات وأخيرا "تويتر".
وتختلف ماهية مواقع التواصل الاجتماعي بين التواصل النصي والصوتي ومقاطع الفيديو أو مشاركة الصور.
الباحث في المركز الوطني للبحث الاجتماعي في لندن، حميد الهاشمي، أوضح أن هذه المواقع الاجتماعية، لها من اسمها نصيب، لكن بدرجة أقل من التواصل الشائع الذي يقضي بتواجد الطرفين في نفس المكان وجها لوجه.
وأشار لـ"
عربي21" إلى أن التفاعل المطلوب في العلاقات الاجتماعية ما يزال موجودا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لكن بدرجة أقل، ما يعزز النزعة الفردية.
ولفت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تسمح للفرد بأن يعبر عن أشياء لم يكن ليعبر عنها صراحة، مثل الاعتقاد الديني، أو الميول الجنسي، وذلك باستعمال اسم بديل على مواقع التواصل، لكون العلاقات المباشرة أحيانا تحد من الصراحة.
ومن حسناتها بحسب أستاذ علم الاجتماع في الجامعة العالمية، أن التواجد في المنزل، على مستوى الذكور على الأقل، أصبح أكبر من السابق، وإن كانوا مشغولين بهواتفهم المحمولة بالحديث مع الآخرين.
وعلى مستوى التغير الاجتماعي، أوضح الهاشمي أن الأحاديث في اللقاءات الاجتماعية تغيرت تبعا لوسائل التواصل، فأصبحت هي محرك اللقاء، وما يدور عليها أصبح هو موضوع النقاش في الجلسات العائلية أو الزيارات أو مع الأصدقاء.
وأشار إلى أنها ليست حديثة على مجتمعاتنا، إذ مهدت غرف الدردشة القديمة، والمنتديات القديمة، لظهور مواقع التواصل الاجتماعي الحالية، التي قال إنها لن تكون الحلقة الأخيرة في مجال التواصل.
من جانبها رأت رئيسة المنتدى الإسلامي العالمي للأسرة والمرأة، ميسون دراوشة، أن التواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس تواصلا حقيقا بل مقنع.
وفي حديث لـ"
عربي21" لفتت دراوشة إلى أن الاستمرار في استخدام التواصل عن بعد سيخلق مشكلة على المستوى البعيد لكونه يعزز عند الفرد أنه قام بواجباته الاجتماعية بـ"رسالة أو تعليق" على مواقع التواصل.
وأشارت إلى أن ما يقال على مواقع التواصل قد لا يفهم بالشكل الصحيح وقد يتسبب بكثير من المشاكل، بينما لو كان التواصل حقيقيا وجها لوجه لكانت الأمور مفهومة بشكل أفضل.
وعلى المستوى العائلي، قالت المستشارة الأسرية إن العائلة تجلس سويا غير أنهم غائبون في الحقيقة، و"كل منهم مشغول بهاتفه المحمول والسماعات في أذنيه".
والأخطر بحسب دراوشة أن مواقع التواصل الاجتماعي لا تعرف عمرا ولا سنا محددا، مشيرة إلى ازدياد نسبة التوحد بين الأطفال التي قد يكون أحد أسبابها غياب التواصل الحقيقي.
وعن "البصمة الثقافية" للعائلة، أوضحت أن كل فرد في العائلة أصبحت له بصمته الخاصة، ما وسع الفجوة بين أفراد العائلة الواحدة في غياب التواصل الحقيقي.
يذكر أن دراسة أعدها معهد بحوث السعادة الدنماركي "مايك ويكينغ"، كشفت أن الأشخاص الذين لا يستخدمون "فيسبوك" أكثر سعادة من أولئك الذين يملكون حسابا عليه.
وأظهرت الدراسة التي شملت 1095 شخصا أن الذين تخلوا عن حساباتهم على "فيسبوك" أظهروا ارتياحا أكبر، وأصبحوا أكثر توازنا من أولئك الذين استمروا في استخدام الموقع.