يعيش
حزب الشعب الجمهوري برئاسة كمال كيليتشدار أوغلو في الآونة الأخيرة حالة تخبط وتردد كبير بين تبني مواقف في قضايا مختلفة، والاستمرار في دعم تلك المواقف وبين التراجع عنها وعدم دعمها، لدرجة أنه يقدم خطوة ثم يؤخر أخرى على مضض أو يتظاهر بالتراجع، بسبب خوفه من ردة فعل شعبية.
لم يكن موقف حزب الشعب الجمهوري من محاولة الانقلاب الفاشلة واضحا في اللحظات الأولى للمحاولة التي قام بها ضباط موالون للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن، وبعد دعوة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان إلى مقاومة محاولة الانقلاب والخروج إلى الشوارع والساحات العامة، وتلبية الشعب التركي لهذه الدعوة، ووقوف حزب الحركة القومية برئاسة دولته باهتشلي إلى جانب الحكومة المنتخبة ضد الانقلابيين، وبعد أن اتضح للجميع أن محاولة الانقلاب ستنتهي بالفشل، خرج كيليتشدار أوغلو يندد بمحاولة الانقلاب ويعلن وقوفه إلى جانب الديمقراطية.
محاولة الانقلاب فشلت، ودعا أردوغان زعماء الأحزاب الثلاثة؛ العدالة والتنمية، والشعب الجمهوري، والحركة القومية إلى المشاركة في مليونية رفض الانقلاب ودعم الديمقراطية، وأعلن كيليتشدار أوغلو أنه لن يشارك في المظاهرة التي دعا إليها أردوغان، لكنه تراجع عن قراره هذا، بعد أن صرح رئيس حزب الحركة القومية بأنه سيشارك فيها، لأنه، أي كيليتشدار أوغلو، خاف من أن يصنفه الشعب التركي ضمن الداعمين لمحاولة الانقلاب الفاشلة.
رئيس حزب الشعب الجمهوري يرغب في التحالف والتعاون مع جماعة كولن، لأنه جلس على كرسي الرئاسة بفضل الجماعة التي أسقطت رئيس حزب الشعب الجمهوري السابق دنيز بايكال من خلال تسريب شريط فيديو يحتوي على فضيحة جنسية تورط فيها بايكال. ويتمنى أن يستفيد من نفوذ الجماعة في إحراج الحكومة ويريد أن يدافع عنها بشكل صريح، ولكنه يخاف من أن يؤدي ذلك إلى ردة فعل عنيفة وانشقاقات في صفوف مؤيدي حزب الشعب الجمهوري والعلمانيين الذين كانوا يلفتون منذ سنين إلى تغلغل جماعة كولن في أجهزة الدولة ويحذرون منها.
قادة حزب الشعب الجمهوري يريدون أن يدافعوا بقوة عن حزب الشعوب الديمقراطي الذي تم اعتقال رئيسه صلاح الدين دميرطاش وعدد من نوابه وأعضائه في إطار تحقيقات وقضايا متعلقة بدعم إرهاب حزب العمال الكردستاني، إلا أن خوفهم من ردة فعل الشارع التركي يلجمهم، وبالتالي يحاولون أن يعبروا عن موقفهم الداعم لحزب الشعوب الديمقراطي بطرق وأساليب ملتوية، كقول كيليتشدار إن "الذي يأتي عن طريق الانتخابات يجب أن يذهب عن طريق الانتخابات"، في إشارة إلى رفضه لاعتقال نواب حزب الشعوب الديمقراطي، ليدَّعي بأن دفاعه عنهم موقف مبدئي وتمسك بالديموقراطية.
حزب الشعوب الديمقراطي نظَّم، الأحد الماضي، مظاهرة في إسطنبول، تحت شعار "لن نستسلم"، للتنديد باعتقال رئيسه وعدد من نوابه، ودعا حزبَ الشعب الجمهوري للمشاركة فيها، واستجاب الأخير لهذه الدعوة. ولما اشتدت الانتقادات الموجهة إلى حزب الشعب الجمهوري بسبب هذا القرار واُتُّهِمَ كيليتشدار أوغلو ورفاقه بالوقوف إلى جانب الإرهابيين، تراجع حزب الشعب الجمهوري عن قرار المشاركة رسميا في المظاهرة، إلا أنه لم يمنع أعضاءه من المشاركة فيها، بل أرسل حافلات لنقل الراغبين في المشاركة إلى ساحة المظاهرة، مكتفيا بأن يطلب منهم عدم رفع أعلام الحزب في المظاهرة حتى لا تظهر أعلامه إلى جانب أعلام حزب العمال الكردستاني وصور زعيمه المسجون في جزيرة إمرالي ببحر مرمرة.
الشارع التركي لا يغفر وقوف أحد إلى جانب الانقلابيين أو الإرهابيين الذين يقتلون رجال الشرطة وجنود الجيش التركي وضباطه. ولذلك يحاول حزب الشعب الجمهوري أن يخفي دعمه لجماعة كولن وحزب الشعوب الديمقراطي، إلا أن انحياز حزب الحركة القومية إلى موقف الحكومة سواء في قضية الكيان الموازي أو قضية اعتقال نواب حزب الشعوب الديمقراطي يؤدي إلى تعرية موقف حزب الشعوب الجمهوري.