نشرت مجلة "إيكونوميست" في عددها الأخير تقريرا، تعلق فيه على وضع الحكومة الليبية، التي تم تشكيلها في طرابلس، برئاسة فايز
السراج، وبدعم من الأمم المتحدة، مشيرة إلى أنها لم تحل الأزمة الليبية، بقدر ما أعادت تشكيلها بطريقة جديدة.
وتقول المجلة: "عندما عاد فايز السراج إلى
ليبيا في آذار/ مارس، بدا الوضع مليئا بالأمل، خاصة بعد أن تصارعت حكومتان؛ واحدة في الشرق، وأخرى في الغرب، واختلفت حول الانتخابات، ففي كانون الأول/ ديسمبر، وافق ممثلون عن الحكومتين (وليس قادتهما) على مقترح سلام رعته الأمم المتحدة، ورفض أطراف الحرب الكبار دعم المبادرة، إلا أن رعاة المبادرة قالوا إنه يمكن جلبهم لها فيما بعد، وعرفت المبادرة بالصخيرات؛ لأن أطراف النزاع وقعوها في هذه البلدة المغربية، وكلفت السراج، الذي لم يكن معروفا، بتشكيل حكومة الوفاق الوطني، وبشّر وصوله السلس إلى طرابلس في آذار/ مارس ببداية لمستقبل واعد".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه "مع ذلك لم يحدث المتوقع، فرغم حصول الحكومة، وبشكل ظاهر، على دعم المليشيات القوية، إلا أنها فشلت في الحصول على دعم واسع، فقد رفض البرلمان في الشرق، أو ما يعرف بمجلس النواب، الاعتراف بالحكومة، كما هو مطلوب بموجب اتفاق
الصخيرات، وحاولت عناصر من الحكومة السابقة والمشرعين في الغرب، والمعروفين بالمجلس الوطني العام، القيام بانقلاب غير ناجح الشهر الماضي".
وتعلق المجلة قائلة إن "اتفاق الصخيرات لم يحل المشكلة، بقدر ما أعاد تشكيلها، بحسب ما يرى تقرير أعدته مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل، وجاء فيه (قبل عامين كان النزاع بين برلمان وحكومة مرتبطة به منافسة له، أما اليوم فهو بين أنصار الاتفاق ومعارضيه، وكل واحد يحظى بدعم منشقين من المعسكرين السابقين المدججين بالسلاح)".
ويشير التقرير إلى أن "الطرفين غير راضيين عن الاتفاق، الذي ترك مسألة الأمن دون حل، وبالتأكيد، فإن موقف حكومة مجلس النواب/ طبرق نابع من موقف قائد الجيش الليبي الوطني، الجنرال المتقاعد خليفة
حفتر، وهو قائد الجماعة المسلحة الأكبر في الشرق، التي تم تهميشها بناء على الاتفاق".
وترجح المجلة تصعيدا جديدا للوضع، مشيرة إلى أن قوات حفتر سيطرت في أيلول/ سبتمبر على المنشآت النفطية على طول الساحل، بالإضافة إلى أن مجموعات خليطة من المليشيات، معظمها إسلامي، تجهز نفسها الآن لمواجهته في مدن، مثل درنة وبنغازي.
ويلفت التقرير إلى أنه "يقال إن وزير دفاع حكومة المؤتمر العام ينسق مع القوات المعادية لحفتر، إلا أن معظم المليشيات، التي تدعم الحكومة، وربما جاءت من مصراتة، ليست لديها النية للمشاركة في القتال، ولا تزال هي والجماعات الأخرى تخطط لطرد جهاديي تنظيم الدولة من مدينة سرت على الساحل".
وتفيد المجلة بأن "العالم الخارجي وضع آماله كلها على المعركة ضد تنظيم الدولة، التي رأى أنها قد تشجع على الوحدة الوطنية، إلا أن المليشيات في غرب ليبيا منقسمة على نفسها، فهناك عدد من المليشيات التي تقاتل تنظيم الدولة لا تعترف بشرعية حكومة المجلس الوطني العام، التي يرى الكثيرون أن المصراتيين يسيطرون عليها، أو أنها دمية للأمم المتحدة، والدعم الذي تحظى به حكومة المجلس الوطني العام يظل متقلبا، وينبع من مصالح خاصة، أما سلطتها على العاصمة فهي ضعيفة، حيث تعمل المليشيات دون حسيب أو رقيب، وقامت عدد من المليشيات الشهر الماضي بتغيير مواقفها، وشاركت في المحاولة الانقلابية ضد السراج، الذي لا يزال يعقد اجتماعاته في قاعدة بحرية، وليس في مكتب رئيس الوزراء".
ويجد التقرير أن العديد من الدول التي دفعت باتجاه حكومة الصخيرات أضافت إلى الخلافات، لافتا إلى أن الليبيين يشعرون أن الغرب، الذي دعم حكومة الوفاق الوطني، قد تجاهل مطامح الليبيين ومظاهر قلقهم، في الوقت الذي ركز فيه على مكافحة الإرهاب، ومنع تدفق موجات المهاجرين عبر البحر المتوسط.
وتنوه المجلة إلى أن "هناك بعض الدول الغربية تقدم الدعم لحفتر في هذه القضايا، حيث يحصل الجنرال على أسلحة، وربما على دعم جوي من مصر والإمارات العربية المتحدة وروسيا، ويأمل أتباعه بالحصول على دعم الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، مع أنه لم يظهر اهتماما كبيرا في ليبيا".
ويورد التقرير أن "حكومة الوفاق الوطني لم تقم بالجهد اللازم للحصول على دعم الرأي العام، فلا تزال الخدمات متقطعة، ويعاني الاقتصاد من حالة انهيار، وهناك نفط يتدفق من المنشآت الموجودة على طول الساحل في المناطق التي يسيطر عليها حفتر، حيث تذهب عائداته إلى المصرف المركزي، وهناك الكثير من الخلافات مع حكومة الوفاق الوطني، بشأن السياسات الاقتصادية والتمويل، وستنشر الحكومة خطة اقتصادية في الأول من كانون الأول/ ديسمبر، تحت ضغط دولي، ووعد المصرف المركزي بتقديم 6 مليارات دولار".
وترى المجلة أن "مصير حفتر، ربما كان المسألة الكبيرة التي تحوم فوق ليبيا، فهو يتمتع بشعبية في الشرق وفي أجزاء من الغرب، وربما حاول اتباع طريق الرئيس االمصري عبد الفتاح
السيسي، الذي سحق الإسلاميين المصريين عندما كان رئيسا للجيش، وتخلى عن زيه العسكري وترشح للرئاسة".
وينقل التقرير عن داعمي اتفاق الصخيرات، قولهم إن حفتر لن يتخلى أبدا عن سلاحه، أو يتنازل عنه، ويرون أن هناك ضرورة للحفاظ على الصفقة الموجودة الآن في هذه الحالة.
وتختم "إيكونوميست" تقريرها بالقول: "بعد خمس سنوات من الاضطرابات، يرغب الكثير من الليبيين بتوقف القتال، ودعت مجموعة الأزمات الدولية وغيرها إلى جولة جديدة من المحادثات، يشترك فيها أشخاص مثل حفتر، الذين يؤثرون في واقع الأحداث على الأرض، لكن الغرب معاند، (فالأمم المتحدة والمجتمع الدولي يؤكدان باستمرار أن اتفاق الصخيرات هو الخيار الوحيد، مع أن الجميع يرون أنه فشل) بحسب محمد الجراح من المجلس الأطلسي في واشنطن، مشيرا إلى غياب (الإبداع فيما يتعلق بالحلول)".