لا يفتأ المسلمون السنة يسألون أنفسهم: لماذا ينظر
الغرب للمسلمين السنة دون سواهم هذه النظرة السلبية؟
لم تولد هذه النظرة السوداء من فراغ، إنما هي نتيجة ترسبات طويلة رسخت في العقل الباطن للمجتمع الغربي، ولا سيما أصحاب التيار اليميني. ولا نجانب الصواب إذا قلنا إنّ هذه الترسبات تعود لقرون طويلة جدا، ترسبات تجذرت نتيجة التجارب الحديثة مع التنظيمات الجهادية السنية على تنوعها.
فقد شكّل المسلمون السنة على مدى التاريخ الإسلامي النّد للغرب المسيحي، ولن نطيل السرد فدولة بني أمية في دمشق والأندلس سنية، وكذلك دولة العباسيين، وكان للأيوبيين والمماليك السنة الدور البارز في مواجهة ودحر الغرب الصليبي الذي جهد في السيطرة على قلب الإسلام السني. واستمرت المواجهة ذاتها في العصر الحديث، فكل حركات المقاومة المسلحة في البلدان العربية كانت ذات صبغة دينية قادها مشايخ من أهل السنة؛ لم يُكتب لهم مسك السلطة بعد دحر المستعمر، ولعل نموذج الشيخ عز الدين القسام وعمر المختار يختصران المشهد.
ولا ندافع هنا عن إرهاب تنظيم الدولة وأمثاله، فلا يختلف اثنان أنّه تنظيم إجرامي قتل السنة وفرّق كلمتهم وشوّه دينهم، إنّما نحلل ونبحث عن الأسباب التي تقف وراء النظرة المغلوطة. فما زالت المجتمعاتُ الإسلامية السنية تتجرّع مرارةَ هذه النظرة، إذ لعبت دورا في معاداة الغرب للثورات العربية في الجزائر ومصر وسورية، فدعم الغرب أنظمة الاستبداد وتنكر لمبادئه في حرية الإنسان خوفا من صعود الإسلام السني.
خرج الغربُ من البلاد العربية مُكرها، وترك أنظمة استبدادية تنفذ مهمته وتعيق مسيرة الشعوب وتطلعاتها، فمارست هذه الأنظمة قمعا وظلما لم يمارسه الغرب نفسه فترة احتلاله. فاحتضن الغرب هذه الأنظمة ودافع عنها، وشوه وضيّق الخناق على كل من يثور عليها، واستثمرت أنظمة الاستبداد خوف الغرب من الإسلام السني لتكريس سلطانها، وتشير التجارب السياسية في الجزائر وتركيا ومصر وسورية لذلك الخوف الغربي.
ويُؤخذ على كثير من التنظيمات الإسلامية السنية الحديثة وقوعها في فخ الاستبداد، إذ وقعت أسيرة تطرف الاستبداد، فمارست ردة فعل للاستبداد المُمارَس على السنة سواء من الحكومات أو من الشيعة، لكنّ الغربَ لم ير إلا التطرف السني مستندا لتجارب سابقة مع
المسلمين السنة، ولا سيما أن معظم التنظيمات السنية تبنّت خِطابا راديكاليا يذكِّر بهذا الماضي؛ إذ جعلت معظمها "الخلافة الإسلامية" الثمرة المرجوّة لجهادها، لا حرية الشعوب مما عزّز مخاوف الغرب.
وزاد من حساسيّة الغرب تجاه المسلمين السنة؛ استشعاره خطرهم داخل القارة العجوز بعد خروج آلاف من أبناء الجيل الثاني والثالث للانضمام لصفوف تنظيم الدولة، وقيام بعضهم بعمليات إرهابية هزّت أوروبا.
وضاعف من هذه الحساسيّة بدء تغير الخارطة الديمغرافية في أوروبا، وتشكيل المسلمين السنة رقما صعبا في القارة العجوز، بما يُهدد الهوية الغربية، ولا يمكن تحجيم هؤلاء (السنة) إلا من خلال حرب استباقية يكونون فيها موضع اتهام.
وعزز التهمة غياب غطاء حكومي رسمي للإسلام الجهادي السني يوجه هذا الجهاد توجيها حكيما يخدم مصالح السنة، خلافا للمسلمين الشيعة، إذ وجدت التنظيمات الشيعية (حزب الله، الحشد الشعبي في العراق الذي يضم عشرات المليشيات الشيعية) مظلة حكومية رسمية في إيران والعراق وسوريا، وبالتالي رأى الغرب أن التنظيمات الشيعية قابلة للتهجين من خلال الحوار مع الحكومات الراعية لها خلافا للتنظيمات السنية التي خرجت عن الطوق في بلدانها وفي العالم، وبالتالي فلا سبيل لتهجين هذه التنظيمات.
وترك هذا أثرا سلبيا على المسلمين السنة الذين وجدوا أنفسهم بين مطارق التنظيمات
الإرهابية الشيعية والسنية، وسندان الحكومات الاستبدادية، مما يدفعنا نتنبأ بازدياد منسوب التطرف السني، وترسيخ مفهوم أنّ السنة إرهابيون.
وهذا الاتهام الظالم مكسب تسعى له التنظيمات الإرهابية لحشد المؤيدين والأنصار.
وكيف لا يكون ذلك عندما يرى التيار الإسلامي المسالم المعتدل تنكرا لصناديق الاقتراع وانقلابا على الشرعية في فلسطين والجزائر ومصر، ومحاولات انقلاب في تركيا، وتآمر على ثورة شعبية في سوريا؟
وكيف لا يكون ذلك عندما يرى المسلمون السنة الغرب ينتخب صقورا من اليمين همهم محاربة المسلمين، ووصفهم بالإرهاب؟!