نشرت صحيفة "إندبندنت" مقابلة أجراها الصحافي روبرت فيسك مع رئيس إدارة المخابرات الجوية السورية اللواء
جميل حسن، أكد في بدايتها أن اللواء البالغ من العمر 63 عاما لا يزال على قيد الحياة، رغم انتشار شائعات عن اغتياله في مكتبه على يد الجيش الحر قبل أربعة أعوام.
ويصف فيسك في مقابلته، التي ترجمتها "
عربي21"، مصافحة اللواء قائلا إنها "كانت مثل وضع يدك في ملزمة، وكانت نظراته تبدو كأنها نظرات محقق غاضب، وسلط عينيه علي وكأنهما أضواء منارة، عندما سألته عما إذا كان رجلا قاسيا"، ويصف صوته بالقول "إنه مزيج من زئير
الأسد والحوار الهادئ لمسؤول مخابرات نفد صبره".
ويقول الكاتب إن حسن قال له إنه يعد في الإعلام الغربي مجرم حرب، وإنه لا يظن أن "إندبندنت" ستنشر المقابلة، وأضاف: "أنا مستعد لأكمل عملي، حتى لو أخذوني إلى محكمة جرائم الحرب؛ لأن
سوريا تستحق التضحية".
ويعلق فيسك قائلا: "ربما يبالغ حسن في سوء سمعته، فلم تسع أي محكمة جرائم حرب لاعتقاله، لكن الاتحاد الأوروبي شجبه؛ (لدوره في قمع الثورة المدنية) في سوريا عام 2011، وفرض عليه حظر السفر وتجميد أمواله، بالإضافة إلى أن وزارة المالية الأمريكية فرضت مقاطعتها على اللواء؛ (لتورطه في التكليف بانتهاكات حقوق الإنسان)، وقال الأمريكيون إن المخابرات الجوية السورية قتلت على الأقل 43 متظاهرا".
ويذكر الكاتب أن "حسن لم يحاول تجنب الإجابة عن أي سؤال خلال المقابلة، التي استمرت ثلاث ساعات، ولا حتى عندما وجه إليه سؤال حول سجونه، وفي الوقت الذي استمر في تأكيد ولائه لرئيس النظام السوري بشار الأسد، إلا أنه يعتقد بأنه لو كانت ردة الفعل منذ البوادر الأولى للثورة في سوريا عام 2011 أكثر قسوة، فلربما كانت هزمت المعارضة المسلحة للنظام كلها مرة واحدة".
ويورد فيسك أن حسن أشار في ذلك إلى سحق ثورة الإخوان المسلمين في
حماة عام 1982، عندما تم ذبح آلاف المدنيين والمقاتلين، بعد أن قام الإخوان بحملة اغتيالات لأعضاء حزب البعث في المدينة، مشيرا إلى أن اللواء حسن كان في وقتها ضابطا صغيرا في الأمن، حيث يقول: "كنت شابا.. وكانت هناك تقارير إعلامية مبالغ بها، لكن لو فعلنا ما فعلناه في حماة في بداية هذه الأزمة كان بإمكاننا حقن الكثير من الدماء السورية"، ويضيف أنه كان في حماة عندما وقعت ثورة 1982، وأنه سجل أن عدد الضحايا قد يصل إلى 20 ألف شخص.
ويشير الكاتب إلى أنه لم يسع إلى مقابلة "أحد أقوى الأقطاب" في النظام السوري ولم يكن يتوقعها، ويقول إن خارج مكتب اللواء رفع علم سوري وثلاثة أعلام روسية.
ويقول فيسك إن حسن قال له وكأنه يصرخ عليه: "الغرب يتآمر على سوريا.. أولا إسرائيل رأس الأفعى وكل من يؤيد سياساتها مع الأنظمة العربية التي تقودها السعودية -وأنا لا أتحدث عن السعوديين ولكن عن الملك والعائلة المالكة- هذه العائلة النرجسية، التي لها توجهات قذرة نحو العرب، وخاصة سوريا، التي لديها حكم منضبط، وزعيم شاب ذكي جدا، ويعرف مصالح شعبه ومصالح العالم العربي كله".
ويضيف اللواء حسن: "الإسرائيليون وحكام الشعوب العربية القذرون لا يرغبون في هذه المواقف، بل يريدون عملاء ينفذون أجنداتهم.. يحتاجون إلى تنفيذ اجنداتهم؛ لأنهم يعرفون قوة سوريا في وحدتها، لذلك فهم يفعلون هذا كله لتقسيم سوريا، ويشجعون الفكر المتطرف، وأدى الوهابيون وتنظيم القاعدة الدور الأكبر في تغذية مبادئهم السوداء، ومن هنا أطلقوا خططهم لتقسيم سوريا".
ويعلق الكاتب قائلا: "تجنبت أن أقول للواء حسن إن آخر مرة سمعت شجبا قويا للعائلة السعودية المالكة كانت من أسامة بن لادن عندما قابلته في أفغانستان، حيث أخبرني أنه يتمنى أن يدمر النظام السعودي".
ويستدرك فيسك بأن "الجنرال تحدث لاحقا عن ابن لادن، قائلا إنه (رجل ذكي جدا)، وبدا من خلال الحديث معه أنه يقسم حياته العملية إلى فترتين؛ فترة شبابه، حيث يصفه ناقدوه بأنه كان رجل مخابرات قاسيا جدا، وبعدها حين قام بدور الأب لتلميذه العقيد سهيل الحسن الملقب بـ (النمر) في الحرب ضد المتطرفين الإسلاميين، وبالرغم من مدحه المستمر لبشار الأسد، إلا أنه يعتقد أن حافظ الأسد تعامل بحزم مع أعدائه".
وتنقل الصحيفة عن الجنرال حسن، قوله إن "النمر" قاتل لفتح الشارع العسكري الصحراوي؛ لتخفيف الحصار عن غرب حلب العام الماضي، لافتة إلى أن اللواء كشف عن أن "النمر" عمل ضد المفجرين الانتحاريين الإسلاميين في محافظة إدلب منذ عام 2005، قبل أن يدرك العالم مدى حرب حكومتهم ضد المناوئين المسلحين.
ويقول الكاتب إنه "كان حريصا على الحديث عن التاريخ، ما جعلني أظن أن اللواء حسن، كغيره من كبار السن، أصبح لا يقلق ماذا يقول عنه ناقدوه أو مؤيدوه، بقدر ما قد تقول عنه الأجيال القادمة".
ويقول اللواء عن بداية الحرب السورية عام 2011: "للاسف شارك بعض السوريين غير المتعلمين، أو من تآمروا مع الإسلاميين المتطرفين القذرين، وزعموا أن هناك ثورة، وفي آذار 2011 قام النظام
القطري، الذي تربطه علاقة جيدة بالإخوان المسلمين، ممثلين بالشيخ القرضاوي، بتشجيع الطائفية".
ويضيف حسن: "واجتمع المتطرفون الإسلاميون مع الصهاينة المتطرفين في هدف واحد، وقرروا تقسيم سوريا"، وقال إن الدليل على ذلك هو تنسيق جبهة النصرة مع إسرائيل في الجولان، متسائلا: "لماذا تقدم إسرائيل لمقاتلي المليشيات العناية الطبية؟ وحتى عندما قام تنظيم الدولة باحتلال مناطق على بعد كيلومترات من الحدود مع إسرائيل، ومع ذلك لم تهاجمهم إسرائيل".
ويتساءل اللواء قائلا: "إذن ماذا يعني هذا؟ هذا موضوع مهم .. بريطانيا وفرنسا وأمريكا وإسرائيل والسعودية قررت تقسيم سوريا، بالرغم من اختلاف أهدافها ومصالحها.. ولو كانوا أصدقاء حقا لحاولوا التقليل من شأن الإختلافات الطائفية، وأعتقد أن الأوروبيين سيكونون الأكثر تضررا إن انهارت سوريا.. الأمريكيون والأوروبيون مثل الراعي الذي يسمح للذئب بدخول بيته، فهذا الذئب سيأكل في المحصلة الدجاجات والأغنام كلها".
وتحدث اللواء حسن عن مذبحة حماة عام 1982، قائلا للصحيفة: "لو تم استخدام التكتيكات المستخدمة عام 1982 الآن لأنهينا الحرب.. كنت في حماة عام 1982، وكنت أقاتل المتطرفين في وقتها في أنفاق تحت الأرض، كنت ملازما في الأمن أثناء حكم حافظ الأسد، وتلقى المتطرفون ضربة مؤلمة في ثمانينيات القرن الماضي، وكانت تقريبا الضربة القاضية، وشعرت بأن القرار كان ذكيا في وقتها، وكانت البيئة مختلفة في تلك الفترة".
ويضيف اللواء: "كان ذلك صعبا بالنسبة للرئيس حافظ الأسد، في وقتنا هذا لو فعلنا ذلك لانتهت الحرب الآن، زعامتنا الحالية هي من تقرر الاستراتيجية الحالية وانا أختلف في الرأي، عندما قام الطلاب الصينيون بالاحتجاج في ميدان تاينمان كانوا يريدون تغيير الصين، ولو لم تنه الحكومة الصينية ذلك الاحتجاج أين كانت الصين ستكون الآن؟".
ويتابع حسن قائلا إن "تركيا كانت في الثمانينيات عقلانية، بدلا من تركيا الإسلامية القاسية جدا الموجودة اليوم، وكان مؤيدو الإرهاب في وقتها صدام حسين في العراق والملك حسين في الأردن، ولم يؤيد صدام حسين الإرهاب في سوريا لحبه للإسلام، بل لأنه كان يريد إغضاب حافظ الأسد، فأيد صدام حسين الإسلاميين، مع أنه لم يكن إسلاميا.. وحتى الملك حسين لم يحب الإسلاميين، لكنه أراد تحدي حافظ الأسد".
وتلفت الصحيفة إلى أن اللواء حسن تحدث عن "غسيل الأدمغة"، والضغط الفكري على الفقراء في الأرياف في السنوات الأولى من الحرب، واتهم تنظيم القاعدة بتشجيع هذه العقائد والقسوة في قلوب الناس، التي يقول إنها نتاج عشر سنوات من غسيل الأدمغة، ويضيف أن الدول الغربية هي التي سلحت المتطرفين الإسلاميين.
ويقول اللواء حسن: "أنا أعرف قرية تم إكراه أهلها على قتالنا، واضطر الناس إلى تغيير تقاليدهم، وحتى ملابسهم، 80% من الناس في شرق حلب يريدون المغادرة إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرة الحكومة، والحل الوحيد هو أن تتوقف الدول الغربية عن دعم الإرهابيين"، ويضيف اللواء أنه "من السخافة القول بأن هناك معارضة (معتدلة)، أنا مندهش من أن أمريكا والأمم المتحدة تبذل هذه الجهود كلها من أجل منطقة صغيرة جدا"، في إشارة إلى شرق حلب.
ويرى اللواء أن "اللعبة القذرة في حلب هي ما تمارسه أمريكا، فلو توقفوا عن الإمداد بالأسلحة سينتهي كل شيء.. ولماذا لا تقلق الحكومات الغربية من قصف غرب حلب حيث يقتل الكثير من الناس؟.. سأقاتل للدفاع عن سوريا حتى آخر دقيقة في حياتي".
ويقول فيسك: "وصلنا إلى موضوع درعا الحساس، حيث اتهمت المخابرات بخلع أظافر الأطفال، التي يقول عنها اللواء إنها (مجرد شائعات، لكن تناقلها في وسائل الإعلام جعل حتى بعض مؤيدي الرئيس يصدقونها)، والقصة تتعلق بأطفال درعا، الذين اتهموا بالكتابة على الجدران (الشعب يريد إسقاط النظام)، الذين تم اعتقالهم وتعذيبهم من المخابرات والشرطة، بحسب التقارير الإعلامية، ما أدى إلى مظاهرات على نطاق واسع في شهر نيسان/ أبريل، وأدى ذلك إلى سقوط العديد من المتظاهرين والجيش قتلى، وقام الأسد بعزل المحافظ".
ويضيف الكاتب: "يجب قراءة ما قاله اللواء هنا بعناية وتحفظ، حيث قال: (لجأ الناس، الذين قاموا بالتخطيط ضدنا إلى استخدام الأسلحة من البداية، ولكنهم اتهموا الحكومة باستخدام الأسلحة.. منذ البداية عندما كان المتظاهرون في الشوارع منعت أفراد الأجهزة الأمنية من حمل السلاح.. الناس الذين صنعوا هذه الخطط استخدموا الأسلحة منذ البداية، ولكنهم اتهموا الحكومة بذلك)".
وينوه فيسك إلى أن اللواء استدرك قائلا: "هذا لا يعني أنه لم يكن هناك أخطاء وقعت منها (الأجهزة الأمنية)، لكني طيلة فترة خدمتي لا أذكر أنني شتمت أحدا بهدف شتمه، قد أكون مخطئا في سوء فهمي لبعض أفعالي.. لقد قضيت 40 عاما في الأمن".
وتفيد الصحيفة بأنه لدى سؤاله عما إذا كان رجلا قاسيا، فإنه أجاب: "أنا قاس تجاه القضايا التي تهم بلدي، أما في معاملتي مع الآخرين فأنا لست قاسيا والناس يحبونني"، وأضاف أنه عندما استلم المخابرات الجوية جاءه رجل "حكيم"÷ وحذره من سجن أي شخص بريء.
وتختم "إندبندنت" مقابلتها بالإشارة إلى قول اللواء: "في وقتها لم أفكر كثيرا في النصيحة، حتى وقع بعض الفساد في أحد سجوني، فقمت بالتحقيق، وطردت عددا من حراس السجن، وطلبت من القيادة اعتقال عدد من الضباط، وطلبت أن أكون في رأس قائمة الناس الذين يجب معاقبتهم، وأخبرت بأن القائد استغرب لهذا الطلب، لكنه أنهى الموضوع وأعطاني فرصة أخرى؛ لأنه يعرف أنني رجل مستقيم وصادق".