قالت مصادر مطلعة إنه في الأيام الأولى للهجوم على
تنظيم الدولة في مدينة
الموصل العراقية، نجحت
إيران في الضغط على العراق لتغيير خطته للمعركة وعزل المدينة، في تدخل غير شكل المسار المتقلب للصراع.
وكانت الخطة الأصلية للحملة تدعو إلى أن تحاصر القوات العراقية الموصل في تشكيلة تشبه "حذوة الحصان"، لتغلق ثلاث جبهات وتترك الرابعة مفتوحة إلى الغرب من المدينة الذي يؤدي إلى أراضي تنظيم الدولة في سوريا.
وهذه التشكيلة التي استخدمت لاستعادة السيطرة على عدة مدن عراقية من المتشددين في العامين المنصرمين كانت ستترك للمقاتلين والمدنيين طريقا مفتوحا للهرب وكانت ستجعل معركة الموصل تتم في وقت أسرع وبطريقة أبسط.
لكن طهران كانت تريد سحق مقاتلي التنظيم والقضاء عليهم في الموصل، في ظل قلقها من أنهم قد ينسحبون عائدين إلى سوريا في الوقت الذي يتقدم فيه الرئيس السوري بشار الأسد، حليف إيران، في الحرب الأهلية المستمرة منذ خمسة أعوام.
وتقول المصادر إن إيران ضغطت من أجل إرسال مقاتلي الحشد الشعبي الذين تدعمهم، إلى الجبهة الغربية لإغلاق المنطقة التي تربط بين الموصل والرقة، وهما أكبر مدينتين في دولة الخلافة التي أعلنها التنظيم.
وقال مسؤول كردي مشارك في عملية التخطيط لمعركة الموصل: "إذا حاصرت عدوك ولم تترك له مهربا فسيحارب حتى النهاية".
وأضاف: "في الغرب كانت الفكرة الرئيسة هي ترك ممر... لكن الحشد أصر على إغلاق هذه الثغرة لمنعهم من الذهاب إلى سوريا".
ومعركة الموصل هي الأكبر في العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003. وفي المجمل يحارب نحو مئة آلف شخص في صف الحكومة، بما في ذلك جنود
الجيش والشرطة وقوات البيشمركة الكردية ومقاتلو وحدات الحشد الشعبي. ويقدم التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة دعما جويا وبريا.
وقال قادة الجيش العراقي مرارا، إن وجود مدنيين في جبهات القتال يعقد ويبطئ عمليتهم التي دخلت أسبوعها السابع، كما أنه يفرض قيودا على الضربات الجوية واستخدام الأسلحة الثقيلة في المناطق المأهولة.
ودرس القادة تغيير الاستراتيجية للسماح بخروج المدنيين، لكنهم رفضوا الفكرة بسبب خشيتهم من أن المتشددين قد يقتلون السكان الهاربين. وأعدم المتشددون بالفعل مدنيين لمنعهم من الهروب في معارك أخرى، كما أن السلطات ومنظمات الإغاثة ستجد صعوبة في التعامل مع نزوح جماعي للمدنيين.
مربع قتل
تظهر وثائق تخطيط وضعتها منظمات إنسانية قبل الحملة وأطلعت عليها "رويترز" أن المنظمات أعدت مخيمات في مناطق يسيطر عليها الأكراد في سوريا لنحو 90 ألف لاجئ من المتوقع أن يتوجهوا غربا خارج الموصل.
وقال أحد العاملين في مجال الإغاثة: "لم توافق إيران على ذلك وأصرت على عدم توفير أي ممر آمن إلى سوريا. أرادوا تحويل المنطقة بأكملها غربي الموصل إلى مربع قتل".
وقال هشام الهاشمي وهو محلل عراقي خبير في شؤون المتشددين الإسلاميين وجرى إطلاعه على خطة المعركة مسبقا، إن الخطة كانت قائمة في البداية على ترك إحدى الجبهات مفتوحة.
وقال: "الخطة الأولى كانت بشكل حذوة الحصان وتسمح بتراجع مقاتلي الدواعش والسكان إلى الغرب، في وجه الهجوم الأساسي القادم من الشرق".
وقبل أسبوع من تدشين الحملة اتهم زعيم جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية حسن نصر الله، وهو حليف وثيق لإيران، الولايات المتحدة بالتخطيط للسماح بمقاتلي الدولة بالخروج إلى سوريا.
وقال نصر الله، إن على الجيش العراقي والحشد الشعبي هزيمة الدولة الإسلامية في العراق حتى لا يجدوا أنفسهم "مضطرين للدخول إلى المنطقة الشرقية في سوريا" لهزيمة التنظيم. ويحارب حزب الله في صف الأسد.
ونفى المتحدث باسم الحشد الشعبي كريم النوري، أن تكون طهران وراء قرار نشر المقاتلين الشيعة غربي الموصل.
وقال: "لا مصلحة لإيران هنا. غالبية هذه التصريحات هي محض تكهنات ولا صحة لها".
لكن تأمين الأراضي غربي الموصل من قبل الفصائل المدعومة من إيران له منافع أخرى لحلفاء الجمهورية الإسلامية؛ فهو يوفر للمقاتلين الشيعة منصة انطلاق إلى سوريا لدعم الأسد.
وإذا هزم التنظيم في سوريا والعراق، فسيسيطر حلفاء إيران على منطقة من الأراضي تمتد من إيران نفسها عبر الشرق، إلى لبنان وساحل البحر المتوسط.
ضغط روسي
وقال الهاشمي إن إيران ليست الدولة الوحيدة التي تضغط لإغلاق منفذ الهروب غربي الموصل؛ فروسيا وهي حليف قوي آخر للأسد تريد قطع الطريق على أي تحرك محتمل للمتشددين إلى سوريا. ولم ترد وزارة الدفاع الروسية على الفور على طلب من "رويترز" للتعقيب.
وتشعر فرنسا وهي واحدة من ألد أعداء الأسد أيضا، بالقلق من احتمال هروب مئات المقاتلين المرتبطين بهجمات في باريس وبروكسل. ويساهم الفرنسيون بدعم جوي وبري في حملة الموصل.
وبعد أسبوع من تدشين الحملة، قال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إن أي تحرك للناس خارج الموصل سيشمل "الإرهابيين الذين سيحاولون التحرك قدما إلى الرقة على وجه التحديد".
لكن خطة المعركة لم تضع تصورا لإغلاق الطريق إلى غربي الموصل، إلى أن وافق رئيس الوزراء حيدر العبادي، في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر على نشر فصائل الحشد الشعبي.
وقال الهاشمي: "الحكومة وافقت على طلب إيران اعتقادا منها بأن الحشد سيأخذ وقتا طويلا قبل الوصول للطريق المؤدي إلى سوريا، وإنه في خلال هذه الفترة ستمضي الخطة كما هي مرسومة".
وأعلن عن تحرك الحشد لقطع الممر الغربي يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر بعد 11 يوما من بدء عملية الموصل. وحقق المقاتلون تقدما سريعا وانطلقوا من قاعدة جنوبي الموصل ليغلقوا الممر الغربي الذي يؤدي إلى الخروج من المدينة.
وقال الهاشمي، إن "العبادي تفاجأ بوصول الحشد إلى الطريق خلال أيام فقط، والمعركة اتخذت عندئذ شكلا مختلفا حيث لا وقود ولا مواد غذائية تصل إلى الموصل، والدواعش مصممون على القتال إلى النهاية".
معقل العراق
مع بدء تقدم الفصائل الشيعية العراقية غربي الموصل، قال زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي، لأنصاره، إنه لن يكون هناك انسحاب من المدينة التي أعلن منها دولته للخلافة في تموز/ يوليو 2014.
وقال البغدادي في تسجيل صوتي، نشر بعد خمسة أيام من إعلان الفصائل الشيعية أنها ستتحرك لقطع آخر ممر للخروج: "اعلموا أن التمسك بأرضكم بشرف أسهل ألف مرة من الفرار بالعار".
ويقول جنود عراقيون إنه منذ ذلك الحين، شن مقاتلوه مئات التفجيرات الانتحارية والقصف بالمورتر وهجمات بالقناصة ضد القوات المتقدمة باستخدام شبكة من الأنفاق تحت مناطق سكنية واستخدام المدنيين كدروع بشرية.
وقال ضابط أمريكي كبير في التحالف الدولي الذي يدعم الحملة، إن شن حرب وسط المدنيين سيكون دائما أمرا صعبا، لكن حكومة بغداد في وضع أمثل يتيح لها اتخاذ القرار بشأن أي استراتيجية.
وقال البريغادير جنرال سكوت إفلاند، وهو نائب جنرال قائد في التحالف: "لديهم 15 عاما من (الخبرة) بالحرب... لا أستطيع التفكير في أي جهة أخرى مؤهلة لاتخاذ هذا القرار، ونتيجة لذلك دعمنا كتحالف قرار الحكومة العراقية".
وتابع قائلا: "فتح وإغلاق هذا الممر بشكل نظري وبشكل واقعي لم يغير بشكل جذري في خطط المعركة. إنه يغير في شكل تنفيذها لكنه لا يجعلها بالضرورة أسهل أو أصعب".
لكن المسؤول الكردي كان أقل تفاؤلا، قائلا إن معركة الموصل باتت أكثر صعوبة الآن وقد تتحول إلى حصار طويل الأمد يشبه ما تشهده سوريا.
وقال: "يمكن أن تتحول الموصل إلى حلب".