اقترح نواب في
البرلمان المصري خلال الأسابيع القليلة الماضية؛ مشروعات
قوانين جديدة أو تعديلات على قوانين قائمة، أثارت جدلا واسعا في البلاد بسبب غرابتها واستفزازها للكثير من فئات الشعب.
ووصف سياسيون ونشطاء هذه القوانين بأنها "عبث تشريعي"؛ يمارسه مجلس النواب الذي يضم مئات من الأعضاء الذين لا يتمتعون بخبرة سياسية أو تشريعية كافية.
قوانين غريبة
وكانت النائبة سهير الحادي و66 نائبا آخرين؛ قد تقدموا بتعديلات على قانون الأحوال الشخصية، يتعلق بحق حضانة الأطفال في حالة طلاق الوالدين، حيث يقترح التعديل نقل حضانة الأطفال من الأم إلى الأب إذا تزوجت الأم من رجل آخر، لكن الاقتراح أثار انتقادات واسعة.
وأعربت العديد من المنظمات النسوية عن غضبها من هذه التعديلات باعتبارها ظالمة للمرأة، حيث أعلن المجلس القومي للمرأة عن رفضه الشديد للتعديلات وناشد البرلمان بعدم إقراراها. ووصفت مديرة منظمة المرأة العربية، مرفت التلاوي، هذه التعديلات؛ بأنها عنصرية ومتعصبة ضد المرأة.
وبعد موجة من الرفض، اضطرت النائبة مقدمة الاقتراح إلى سحب التعديلات، وقالت إن المذكرة الإيضاحية المرفقة بمشروع القانون احتوت على أخطاء تسببت في هذا الجدل.
كما أعلنت النائبة شادية ثابت؛ عن إعداد مشروع قانون جديد يحظر سفر الأطباء إلى خارج البلاد إلا بعد عملهم 10 سنوات بالمستشفيات الحكومية عقب تخرجهم، بزعم وجود نقص في الأطباء بمعظم المستشفيات.
وبعد ثلاثة أيام من الانتقادات الحادة والرفض العارم لهذا القانون المقترح، تراجعت النائبة عن القانون، وقالت، في تصريحات صحفية يوم الخميس، إنها سحبت الاقتراح لأنه لم يلق قبولا من الشعب.
ورفضت اللجنة التشريعية بالبرلمان، الأربعاء، مشروع قانون "خدش الحياء العام" الذي يتناول تعديل العقوبات المتعلقة بقضايا النشر. وخلال مناقشات المشروع، قال أحد النواب إنه لو كان الأديب الراحل نجيب محفوظ حيا لطالب بسجنه بسبب رواياته التي تتضمن إيحاءات جنسية.
كما وافق مجلس النواب على تعديلات على قانون الجمعيات الأهلية؛ قوبلت برفض سياسي وحقوقي كبير، بسبب تضييقها الشديد على كافة أشكال العمل الأهلي والتطوعي أو الدفاع عن حقوق الإنسان.
ويناقش البرلمان هذه الأيام قانونا جديدا لتنظيم الصحافة والإعلام؛ تمهيدا لإصداره، على الرغم من الاعتراضات التي تقدمت بها نقابة الصحفيين والمجلس الأعلى للصحافة على القانون، وخاصة المواد المتعلقة بالحبس الاحتياطي في قضايا النشر، وتعيين رؤساء تحرير الصحف القومية بقرار من الهيئة الوطنية للصحافة التي يختارها رئيس الجمهورية.
سيرك يديره رجال الأعمال
وتعليقا على هذه المقترحات التي وصفت بـ"الغريبة"، قال جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس إن البرلمان المصري بات "أشبه بالسيرك" الذي يديره رجال الأعمال ومن لهم مصالح مع الأجهزة الأمنية، وتحديدا ائتلاف "دعم مصر" الذي يتكون من نواب منتمين للحزب الوطني المنحل، والذين اعتبرهم زهران "أكبر خطر على الحياة السياسية في مصر".
وأضاف زهران، لـ"
عربي21": "من الطبيعي أن تطرح في هذا السيرك أفكار وقوانين غريبة، مثل قانون خدش الحياء، والذي لم يجرؤ البرلمان السابق ونوابه الإخوان والسلفيون على مناقشة قوانين بهذا الشكل الغريب، مع كل ما كان يتضمنه من أفكار متشددة"، على حد قوله.
وحول أسباب طرح هذه القوانين المثيرة للجدل، قال زهران إن "عدم النضج السياسي لعدد كبير من النواب وضعف خبرتهم في العمل البرلماني؛ هو الذي يقف وراء هذه الظاهرة، فمعظم الأعضاء أصبحوا نوابا لأول مرة، ولا يعرفون أهمية تشريع القوانين التي تحتاجها البلاد، كما أن الكثير منهم يريد تحقيق شهرة لنفسه عبر طرح قوانين مثيرة للجدل حتى يظهر في وسائل الإعلام".
أمر متوقع من برلمان استثنائي
من جانبه، قال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن هذا الأداء كان متوقعا من "برلمان استثنائي أتت به أجهزة الأمن بالتحالف مع المال السياسي".
وأوضح نافعة، في حديث لـ"
عربي21"، أن "كثيرا من النواب لم يتمرسوا في العمل البرلماني، ولم ينضجوا سياسيا، لذلك نرى منهم اقتراحات غريبة وقوانين غريبة، وكل هذا نابع من تكويناتهم الشخصية وعدم نضجهم الفكري".
وتابع: "مثلا حينما نجد نائبا يطالب بتشريع قانون عن خدش الحياء، ويطالب بمحاكمة رجل توفي مثل الأديب نجيب محفوظ بتهمة خدش الحياء، فهذا يؤكد أننا أمام مجموعة من النواب ينقصها الكثير من الثقافة والفكر الذي يؤهلها لكي تجلس تحت قبة البرلمان"، كما قال.
وأكد أن هذا "ليس غريبا على برلمان يسيطر عليه مستقلون ويخلو من أغلبية واضحة، فأكبر حزب في البرلمان لا يتجاوز عدد نوابه 10 في المائة من المقاعد، والمستقلون دائما لديهم أهواء وطموحات شخصية ولا يمكن السيطرة عليهم سياسا"، مضيفا: "أعتقد أن المناخ العام في مصر برمته مرتبك، ولذلك فمن المتوقع أن ينعكس هذا الارتباك على أداء البرلمان بشكل خاص".