شبّه مُحلّلون سياسيون وإعلاميون جلسة التصويت على المادة المتعلّقة بجباية المحامين بالبرلمان التونسي بـ"جلسة الفوضى والشغب ولوبي المحاماة"، بينما اعتبر مراقبون أنّ "ورقة التوت سقطت عن نواب أحزاب الائتلاف الحاكم الذين وقفوا ضدّ مشروع حكومتهم".
وشهد مجلس نواب الشعب، فوضى عارمة طغت على سير جلسة التصويت على الفصول السبعين في قانون المالية لسنة 2017، إذ وصفها مراقبون بأنّها سابقة في تاريخ البرلمانالتونسي.
وأسقط النوّاب، في ساعة متأخّرة من مساء الخميس، المادة 29 من قانون المالية المتعلقة بجباية المحامين، التي قدّمتها حكومة يوسف الشاهد، وذلك باعتراض 100 نائب وموافقة 8 نوّاب واحتفاظ 13 نائبا بأصواتهم.
"مافيا قطاعية"
وقال أستاذ القانون الدستوري والمحلّل السياسي جوهر بن مبارك، إنّ ما حدث بالبرلمان يؤكّد بصفة قاطعة سيطرة "مافيا قطاعية ولوبي الحسابات الفئوية داخل البرلمان"، وفق تعبيره.
وتابع بن مبارك في تصريح لـ"عربي21" أنّ تصويت نوّاب ينتمون إلى أحزاب الائتلاف الحاكم، (نداء تونس والنهضة خاصة) ضدّ مشاريع قوانين قدّمتها حكومتهم، "كشف عن زيف ما يُعبر عنه بالحزام السياسي للحكومة بالبرلمان، وأسقط ورقة التوت عن تلك الأحزاب".
وأضاف بقوله إنّ ما حدث خلال الأيام الأخيرة بالبرلمان، "أكّد بما لا شك فيه وهم حكومة الوحدة الوطنية والائتلاف الحزبي والصيغة السياسية برمتّها".
وأوضح "حين نرى نوّابا من الائتلاف الحاكم يقفون ضدّ خيارات حكومتهم، فهذا يدلّ على وجود نواب يعملون مباشرة مع لوبي ومع مصالح قطاعية"، لافتا إلى أنّ ما حصل للحكومة في البرلمان، في علاقة بقانون المالية، يستوجب منها تقديم استقالتها فورا. خيارات الحكومة
وقال أستاذ القانون الدستوري ابن مبارك: "في دولة تحترم الحكومة ربع نفسها لو يحدث معها ما حدث في تونس ستستقيل مباشرة.. قانون المالية ليس لعبة بل سياسة دولة وخيارات حكومة، يفترض أن يكون لها أغلبية مريحة في البرلمان تسندها وتدعمها في سياساتها، فإن لم يتوفّر هذا فعليها أن تستقيل".
وتابع بقوله: "من المفروض ألّا تبقى الحكومة أكثر من 24 ساعة بعد إسقاط أحد أهم الفصول التي تفاخرت به الحكومة وأثار جدلا واسعا طيلة شهرين... هذه الحكومة، التي تحصّلت على 165 صوتا عند تشكيلها، في اعتقادي باتت ساقطة برلمانيا وظهرها مكشوف".
وأشار ابن مبارك إلى أنّ أغلب الفصول التي تمّ إسقاطها في البرلمان تُعبّر عن خيارات الحكومة، على غرار المواد المتعلّقة بجباية المحامين، والزيادة في الأجور والترفيع في الأداء على القيمة المضافة للأدوية المستوردة المحمولة على الصيادلة ورفع السرّ البنكي وغيرها".
وأكّد ابن مبارك في ختام حديثه لـ"عربي21" أنّ طعونا عديدة ولوائح قانونية سترفع إلى القضاء الدستوري، بهدف إسقاط فصول اخرى يرى بعض النواّب أنّها غير دستورية. "الأوطان القطاعية"
وقال الإعلامي برهان بسيس "إنّه تأكدت اليوم قوّة المحامين كـ"لوبي" موجود في كل مكان... فرئيس هيئة مكافحة الفساد محام، كذلك رئيس الجمهورية وعديد الوزراء وإطارات الدولة ورؤساء الأحزاب والكتل البرلمانية، كلهم محامون".
وتابع في تصريح على راديو "كاب أف أم" الخاص، الجمعة، أنّ نوّابا (محامين ومتعاطفين معهم) من مختلف الكتل البرلمانية والانتماءات السياسية والأيديولوجية، اتحدوا لأول مرة، وتكلموا بصفتهم القطاعية وأسقطوا مشروع الحكومة في مسألة جباية المحامي.
وقال إنّ ظاهرة جديدة برزت خلال السنوات الأخيرة بتونس وهي "الأوطان القطاعية"، مضيفا بقوله "كل قطاع وضع لنفسه راية ووطنا وعسكرا وقوانين... باتت لدينا دول قطاعية ومنها دولة المحامين".
وفيما قال المحلّل السياسي زياد كريشان، الجمعة، في مداخلة على راديو موزاييك الخاص إنّ النواب تصرّفوا داخل مجلس نواب الشعب كمحامين وتكلّموا بـ"صفاتهم"، وصف المحلّل السياسي مختار الخلفاوي في مداخلة له على راديو شمس أف أم الخاص، قانون المالية بالطائر الذي نتف ريشه فلم يعد أحد قادرا على التعرّف عليه. تعليق الإضراب
وأعلن عميد المحامين عامر المحرزي، الجمعة، عن تعليق الإضراب واستئناف العمل بداية من يوم الثلاثاء الموافق لـ 13 كانون الأول/ ديسمبر، داعيا مجلس الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين للانعقاد خلال الأسبوع المقبل.
وثمن المحرزي في بلاغ نشرته هيئة المحامين إسقاط الفصل 29 من مشروع قانون المالية لسنة 2017، معتبرا عدم إفراد المحامين بإجراءات انتقائية خطوة في الاتجاه الصحيح.
وفيما رفعت هيئة المحامين قضية جزائية قبل شهرين ضد الوزير مهدي بن غربية، تتهمه فيها بوصف المحامين بـ"اللصوص والمتهرّبين من دفع الضرائب"، قال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، الخميس، إنهم اكتشفوا "وجود 3000 محام متهرب من الضرائب".
يُشار إلى أنّ البرلمان التونسي يضم 37 محاميا و24 أستاذ تعليم ثانوي و19 أستاذا جامعيا و9 مدرّسي تعليم أساسي و19 مدير مؤسسة و14 موظفا بالقطاع الخاص و12 طبيبا و12 إطارا ساميا بالوظيفة العمومية و10 متقاعدين و8 موظفين عموميين و7 باحثين جامعيين و7 إطارات سامية بالقطاع الخاص إلى جانب طلبة ومهندسين وموظفي بنوك وصحفيين وصيدلي وعاطل عن العمل وقاض وفنان وغيرهم.