قضايا وآراء

حقائق منسية عن الثورة السورية

1300x600
مع اشتداد المعارك في حلب ودخول سوريا منعطفات إنسانية وعسكرية أكثر قسوة، ينبغي رد بعض القضايا لأصلها كي لا تتوه وسط زحام الأحداث اليومية. فهناك عدة أمور لا يختلف عليها أحد من مؤيدي النظام السوري أو معارضيه وستوضح وتختصر كثيرا ما يحدث في سوريا لأي متابع.

وأولى هذه الحقائق أن الثورة السورية لم تبدأ بسبب دعوة سياسية. ففي مطلع عام 2011 ومع سقوط الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسني مبارك واندلاع الثورات في كل من ليبيا واليمن، كانت سوريا هادئة لا تشهد أي حراك سياسي حقيقي لإسقاط النظام. وكان أبرز حلفاء نظام بشار سياسا واقتصاديا هم قطر وتركيا.

أما المشهد السياسي الداخلي في سوريا فقد كان جافا تماما منذ أكثر من أربعة عقود ولم يبق فيه أية قوى سياسية فاعلة بما فيها الإسلاميون. بل كان هناك قانون سار يعاقب بالإعدام على من يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين. وكان أطفال المدارس في كل سوريا يرددون شعارا صباحيا يمجد الوحدة العربية ويسب الإخوان. إلا أن بعض الأطفال الصغار في مدينة درعا البعيدة عن العاصمة دمشق كتبوا بعض العبارات ضد النظام على الجدران فاعتقلتهم السلطات وقامت بتعذيبهم وإخفائهم قسريا، وعندما شكَّل الأهالي وفدا للمطالبة بمعرفة مصير الأطفال تمت إهانتهم.

تصاعدت المطالب الشعبية لمجرد الإفراج عن الأطفال، حتى ارتكب النظام مجزرة بدرعا وانتفضت بعض المناطق السورية احتجاجا على ما جرى. لم يُرفع في هذه الاحتجاجات أية مطالبات بإسقاط النظام أو رحيل بشار، وانصبت فقط على إصلاح الأجهزة الأمنية. بعدها بدأت كرة الاحتجاجات تدور وتكبر شهرا بعد آخر. 

الحقيقة الثانية هي أن هناك حربا غير متكافئة تدور رحاها بين مسلحين لا يملكون أية أسلحة نوعية أو طائرات (بغض النظر عن تقسيماتهم أو داعميهم) وبين ثلاثة جيوش هي الإيراني والسوري والروسي.

وهذه المجموعات المسلحة لم تظهر فجأة، بل ظهرت تدريجيا على مدار السنوات الماضية. يسمي البعض هذا حربا أهلية. ولو افترضنا أنها حرب أهلية، ماذا نسمي المشاركة الروسية والإيرانية فيها؟ 

الحقيقة الثالثة تتمثل في مراوغة النظام السوري وحلفائه الإيرانيين والروس لسنوات كي يسمحوا بممرات إنسانية آمنة لتوصيل المساعدات مثلما يحدث في كل حروب الدنيا، ورفضوا إقامة أية منطقة عازلة لحماية المدنيين. ولم تقبل الدول الغربية، المعادية علانية للأسد، بفرض منطقة حظر جوي، كأضعف الإيمان، لحماية المدنيين من القصف.

الحقيقة الرابعة أن حدود كل الدول العربية تقريبا مغلقة أمام السوريين الفارين من ويلات الحرب، ولا تمنح هذه الدول اللاجئ السوري ربع ما تمنحه له تركيا، رغم أن هذه الأخيرة لا تعطيهم حقوق اللاجئين كاملة التي تفضي إلى الإقامة الدائمة والتجنس كما تفعل كثير من الدول الغربية في حال أعطت السوري حق اللجوء. يحدث هذا رغم أن السوريين فتحوا أذرعهم للعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم من العرب في ظروف الحروب والصراعات على المستوى الشعبي قبل الرسمي.

الحقيقة الخامسة أن النظام السوري لا يزال يتمتع بعلاقات دبلوماسية علنية وسرية مع العديد من الدول العربية. 

هذه بعض الحقائق المتعلقة بالثورة السورية يراد لها أحيانا أن تختفي كي يتم إفساح المجال لسرديات عديدة تحاول رسم صورة مغايرة لما يجري هناك. من هذه السرديات تلك التي تحمل الثوار والشعب السوري جزءا كبيرا من المسؤولية عما آلت إليه الأمور وجعله عبرة لأي مواطن عربي تسول له نفسه المطالبة بالحق في حياة كريمة، أو تلك التي تعطي لإيران وروسيا المبرر للقيام بكل هذه المجازر في حق السوريين بحجة الدفاع عن المصالح الاستراتيجية.