نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا لمراسلها لشؤون
أفريقيا جيسون بيرك، حول العودة الجديدة لتنظيم
القاعدة.
ويشير التقرير في بدايته إلى مقتل قادة لتنظيم القاعدة في
سوريا واليمن وأفغانستان في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، الذي مر دون أن يترك أثرا، بشكل يجعل المراقب يظن أن
تنظيم الدولة أصبح مسيطرا على الساحة الجهادية.
ويناقش بيرك قائلا إن "العكس هو الصحيح، فمقتل القادة بغارات جوية أمريكية يشير إلى عودة تنظيم القاعدة في وقت بدأ به تنظيم الدولة بالتراجع في العراق وسوريا وليبيا، حيث يقوم تنظبم القاعدة بهدوء وعبر القوة الناعمة، لا الممارسات الشرسة، بالعودة من جديد".
ولا يتفق الكاتب مع مزاعم وزارة الدفاع الأمريكية بأن حيدر كيركان، أحد الثلاثة الذين قتلوا، كان يخطط لتنفيذ هجمات ضد الغرب عند مقتله، ويعلق بيرك قائلا إن هذا زعم مثير للجدل؛ لأن تنظيم القاعدة تبنى في السنوات الأخيرة منهجا هادئا لبناء التأثير والقدرات على المستوى المحلي في العالم الإسلامي.
وتعتقد الصحيفة أن هذا القرار مرتبط بضعف تنظيم القاعدة، الذي تولى أيمن الظواهري قيادته بعد مقتل أسامة بن لادن عام 2011، وعانى من حملة استهداف لقادته منذ هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، مبينا أنه لهذا السبب، حاول تنظيم القاعدة إبعاد نفسه عن العمليات التي نفذها تنظيم الدولة أو متعاطفون معه في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وتونس، وشجب هو وفروعه وحشية تنظيم الدولة، وحاول بناء علاقات مع قادة القبائل وعرابي السلطة، وأحيانا التوصل إلى المجتمعات، بدلا من استخدام لغة التخويف والإكراه.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية الأمريكية دافيد غارنشتاين روس، قوله إن "تجربة تنظيم القاعدة الاستراتيجية، التي تعلم منها أنه عندما يعلن عن السيطرة على المناطق فإنه يجذب عمليات مكافحة الإرهاب، ولهذا يحاول ألا يعلن عن إنجازاته".
ويلفت بيرك إلى أن المناطق التي ضربها الطيران الأمريكي خلال الشهرين الماضيين تعد مهمة؛ لأن تنظيم الدولة فشل في بناء قاعدة نفوذ له فيها -
اليمن وأفغانستان، أو أنه يتراجع، كما هو الحال في سوريا، ففي عام 2015 أعلن تنظيم الدولة عن إنشاء "ولاية خراسان" في أفغانستان وغرب باكستان، وتوسع نحو بنغلاديش، حيث حاول تعزيز موقعه في جنوب آسيا لكن دون جدوى.
وتورد الصحيفة نقلا عن المستشار السابق للقوات الأمريكية في أفغانستان سيث جونز، قوله: "رغم جهود تنظيم الدولة الكبيرة، إلا أنه لم يستطع السيطرة إلا على مناطق ضيقة في جنوب آسيا، ولم ينفذ سوى عمليات قليلة، وفشل في تحقيق الدعم له، وعانى من فقر في القيادة"، مشيرة إلى أن المعارضة المحلية كانت من أهم معوقات انتشاره، خاصة حركة طالبان.
ويفيد التقرير بأنه عند المقارنة مع تنظيم الدولة، فإننا نجد أن تنظيم القاعدة احتفظ بعلاقات جيدة مع حركة طالبان، حيث اكتشفت القوات الأمريكية والأفغانية في عام 2015 معسكرا للتدريب في جنوب البلاد، وقتلت أكثر من 200 متدرب فيه، لافتا إلى أن فرع تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية استخدم هذا المعسكر للتدريب.
وينقل الكاتب عن مسؤول، قوله إن تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية فشل في القيام بأي عملية نوعية، لكنه أشار إلى أن مجرد نجاته يعد "مثيرا للإعجاب"، وأضاف: "هناك ضغوط على الجماعة، خاصة قيادتها الموجودة منذ 15 عاما"، مشيرا إلى أن "مقتل القحطاني يعد ضربة قوية للتنظيم، لكنه عانى مما هو أسوأ وعاد من جديد"، بحسب المسؤول.
وتنوه الصحيفة إلى جبهة أخرى، وهي اليمن، التي تشهد عودة لتنظيم القاعدة، الأمر الذي كان من الآثار التي لم يقصدها التدخل السعودي في البلاد، حيث استطاع تنظيم القاعدة إدارة دولة صغيرة على الشاطئ الجنوبي لليمن، وقدمت له المدينة الساحلية المكلا موارد مالية بقيمة مليوني دولار في اليوم.
ويكشف التقرير عن أنه بحسب تقرير أمريكي، فإن تنظيم القاعدة في اليمن يمكنه حشد حوالي أربعة آلاف مقاتل، وهو أربعة أضعاف العدد الذي كان متوفرا العام الماضي، لافتا إلى أن التنظيم أقام علاقات قوية مع الجنوبيين، الذين شعروا بالتهميش ولسنوات طويلة من الشماليين، وقال دبلوماسي يتابع شؤون المنطقة: "ربما نواجه تنظيما للقاعدة أكثر تعقيدا، وليس فقط منظمة إرهابية، ولكن حركة تسيطر على مناطق يسكن فيها أناس يشعرون بالسعادة".
ويبين بيرك أن تنظيم القاعدة توسع في القارة السوداء أفريقيا، حيث ارتبط العنف والوحشية بجماعة بوكو حرام النيجيرية، التي انقسمت حول ارتباطها الاسمي بتنظيم الدولة، وتوسعه في تونس وليبيا ومصر، الذي طغى على جهود تنظيم القاعدة التوسعية، التي قامت بها فروع تنظيم القاعدة في القارة، ففي الصومال، قامت حركة الشباب بالقضاء على العناصر الموالية لتنظيم الدولة، التي حاولت التخلي عن ولاء الحركة، الذي مضى عليه خمسة أعوام لزعيم تنظيم القاعدة، مشيرا إلى أن الجماعة المتمردة تواجه حصارا من قوات الحكومة في المعقل الأخير لها في منطقة بونتلاند.
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم ظهور جماعة موالية لتنظيم الدولة في منطقة الساحل، إلا أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هو المسيطر، حيث استثمر الأخير العلاقات العميقة، من خلال الزواج مع المجتمعات المحلية، وعبر حل الخلافات الاثنية؛ للحصول على دعم محلي وقدرات خاصة في مالي، وهي دولة لم تكن فرنسا والقوى الدولية قادرة على حل مشكلة التطرف فيها، ويقول غارنشتاين روس إن تنظيم القاعدة على مسار التحول ليصبح أخطر منظمة جهادية في أفريقيا.
ويرجح التقرير أن "تصبح سوريا أهم مسرح لتنظيم القاعدة، فرغم تأكيد الكثير من المحللين استمرار التهديد النابع من تنظيم الدولة، حتى بعد شرذمة قواته، إلا أن تنظيم القاعدة قد يخرج منتصرا، وأهم عنصر في نجاحه هو جبهة فتح الشام، التي كانت تعرف باسم جبهة النصرة، حيث أعادت تشكيل نفسها في تموز/ يوليو، وأبعدت نفسها عن الحركة الجهادية العالمية، وأكدت أن هدفها هو الإطاحة بنظام الأسد وقتال حلفائه".
ويذكر الكاتب أن تنظيم القاعدة حاول في السنوات الماضية التقليل من علاقته بالجماعات المحلية؛ لتجنب تنفير المجتمعات التي لا ترغب أن تكون جزءا من الحركة الجهادية العالمية، مشيرا إلى قول المسؤولين الغربيين إن تنظيم فتح الشام لن يسيطر على الفضاء الجهادي في الشرق فقط، لكنه قد يصبح نقطة انطلاق لتنفيذ هجمات في أوروبا في حالة قرر تنظيم القاعدة تغيير استراتيجيته الحالية.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول ماثيو هينمان، من مركز "جينز" للإرهاب والتمرد: "مع خسارة تنظيم الدولة لمناطقه، ومواصلة التحالف الدولي هجماته عليه، فإنه من المحتمل رؤية اسم آخر سيحتل عناوين الأخبار: جبهة فتح الشام"، لافتا إلى أن هناك من يرى أن فتح الشام أكثر خطورة وتهديدا من تنظيم الدولة.