لم يكن العدو يملك كسر تلك القشرة الصلبة، فسلط عليها من يتسمى بأسمائنا ويتكلم لغتنا.
في البداية كان محمد علي ذلك الماسوني الشيعي المبغض للإسلام، الذي مكنته فرنسا من مصر في لحظات وهن وضعف الخلافة الإسلامية.
ماذا لو كان يعلم مسلمو مصر في ذلك الحين أنهم كذات الرداء الأحمر؟
ماذا لو علموا أنهم سلموا قيادتهم لرجل يقف في المحفل الماسوني بالاسكندرية تحت صورة نابليون بونابرت، ويمارس خزعبلات الماسونية تحت إشراف قنصل فرنسا دروفيتي كما أفادت تحريات الشرطة النمساوية؟
ساق محمد علي أبناء المسلمين في مصر قسرا إلى أوروبا.
مشهد أقرب إلى مشاهد الرجل الأبيض الذي يخطف السكان الآمنين (كان معظمهم مسلمين) من إفريقيا، ليبحر بهم في سفن عبر المحيط ليعيشوا باقي حياتهم عبيدا.
محمد علي كان يفعل المثل، كان يسوق أبناء المسلمين مسلسلين بسلاسل البعثات إلى أوروبا، ليعود الواحد منهم عبدا فكريا للنموذج الأوروبي بقية حياته.
عبيد أفكار أوروبا هم الذين غرسوا البذرة الأولى للتمرد.
بعد مائة عام بدأت المرحلة التالية من التمرد.
خلع الحجاب ومهاجمة الخلافة والسخرية من الدين.
مجموعة من الأشقياء التعساء فتحوا الباب المغلق الذي تختبئ خلفه العناكب والبعوض.
كنتُ أقرأ منذ قليل الجزء الأول من كتاب عودة الحجاب.
وكنتُ قد كتبتُ كثيرا من قبل عن سعد زغلول وماسونيته ورعاية الاحتلال البريطاني له، وكيف خدعوا به البسطاء وجعلوا منه زعيما.
بدا لي وأنا أقرأ عن دور صالون نازلي فاضل وخريجيه كدار الندوة.
بدت لي تلك المجموعة كالتسعة المفسدين الذين عقروا ناقة نبي الله صالح، فأنزل الله العذاب على ثمود.
فتحوا الباب فدخلت منه العقارب والحيات والعناكب والجراد والبعوض، لتلدغ الجميع ويدخل الجميع في إغماءة عمرها مائة عام.
فيروسات احتلت العقول. عملية محو تاريخ كاملة قام بها الاحتلال البريطاني وأذنابه، مهد لها قبلها رجل فرنسا محمد علي.
احتلال للعقول وعملية نزع كاملة لمكونات الشخصية المسلمة، مهدت لوضع المسلمين في حظائر سايكس بيكو وغلقها بالأسوار.
صنعوا للناس دينا بديلا، ثم قضموا مكوناته واحدة تلو الأخرى في عملية متسلسلة مقصودة، وصنعوا نظاما بديلا لا ينتج إلا فاسدا.
قبل أن ينضم محمد عبده لمجموعة قاسم أمين وسعد زغلول في صالون نازلي فاضل، كتب مقالا عن محمد علي شرح فيه أسباب رخاوة المصريين في وجه الاحتلال البريطاني، وهم من قاوموا الاحتلال الفرنسي وجعلوا حياة جيش فرنسا جحيما، أدرك معه المحتل استحالة الاستمرار في مصر.
كان السبب الرئيسي هو ما فعله محمد علي من تدمير لمكونات الإسلام وخلع القيادات الدينية المخلصة، وتنصيب رجال فرنسا من أمثاله من الماسونيين كحسن العطار.
فتح هذا الباب فيما بعد لإنشاء مؤسسات كالجيش والشرطة وغيرها بفلسفة معكوسة، أصبحت العمود الفقري للدولة البديلة التي كانت في جوهرها تمردا على ثوابت الإسلام وصورة نيجاتيف مما أراده الله للمسلمين.
وهو ما فتح الطريق فيما بعد لتصبح مصر (وبلاد الإسلام جميعها) مزرعة تجارب للرجل الأبيض، يدبر هنا انقلابا وينصب هناك حكومة ويسقط حكومة. يعين ملوكا وينحي آخرين.
مائتي عام من التعاسة عاشها المسلمون في فقاعة زمنية لا طالوا حياة المواطن الأوروبي التي يعدهم بها العلمانيون، الذين يسيرون خلف جزرة التقدم الأوروبي المعلقة على ظهورهم، ولا أصبحوا مسلمين كما أمرهم الله.
حياة هي للموت أقرب وشعوب مخدرة زرعت في عقولها ثوابت بديلة.
تصور لو قام أحد من رسموا الحدود، من قبره ليقرأ ما يقوله من يعتبرون أنفسهم (مثقفين) عن الحدود!!
لابد أنه سيقع على ظهره من الضحك ويتوقف قلبه عن النبض ليموت مجددا.
تصور لو أن ثيودور لاسكاريس صاحب فكرة الجيش المؤسسي، الذي يحمي الحاكم، أو سليمان باشا الفرنساوي رجل المخابرات الفرنسي وخادم نابليون، الذي درب جيش محمد علي، قاما اليوم من قبريهما ليسمعا ما يقوله البعض عن "الجيش الوطني"!!
هؤلاء المتمردون الأشقياء الذين عقروا الناقة منذ مائة عام وسابقيهم منذ مائة عام أُخرى، أَدخلوا بلادنا في غيبوبة.
الغالبية موضوعة على أجهزة التنفس الصناعي في فقاعة زمنية معزولة، يرون مشاهد وهمية يصنعها لهم الإعلام لتستمر الغيبوبة.
نحن الآن بحاجة لتفكيك المكونات الفكرية لحياة الفقاعة التي جعلت البعض في مصر وفي سوريا وفي اليمن وليبيا والعراق، يصفقون للخونة وكلاء الاحتلال وهم يسلمون بلادهم للمحتل وينهبون ثرواتهم.
نحتاج الآن أكثر من أي وقت مضى لعملية إفاقة من غيبوبة عمرها مائة بل مائتي عام.
نحتاج الآن للتمرد على التمرد وأن ننفض عن أجسادنا أنابيب التنفس الصناعي ونستيقظ من تلك الإغماءة الطويلة.