نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا، تناقش فيه مستقبل
الشركات الناشئة في العالم العربي، مشيرة إلى أن رجال الأعمال العرب يمكن أن يساعدوا في حل مشكلات المنطقة، لكن العديد من العقبات لا تزال تقف في طريقهم.
وتبدأ المجلة تقريرها متسائلة: "هل يمكن لبيروت أن تصبح (سيليكون فالي)
الشرق الأوسط، الذي قالت إن موقعا إخباريا لبنانيا طرحه عام 2015؟ فبشعبها المتعلم، وثقافتها الليبرالية نسبيا، ونظامها المصرفي الكبير، تبدو بيروت، عاصمة لبنان، مناسبة لأن تكون مركزا لشركات الإنترنت الناشئة في المنطقة، لكن هناك على الأقل مشكلة بارزة، فقد كتب توني فضل، أمريكي لبناني شارك في صناعة (الآي بود) في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر: (دعونا نواجه الحقيقة، شبكة الإنترنت في لبنان سيئة إلى أبعد الحدود)، فبسبب سوء إدارة الحكومة يعاني البلد من أبطأ سرعة تنزيل في العالم".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الشباب والشابات في أنحاء الشرق الأوسط عملوا منتجات، وأقاموا شركات جديدة، بشكل منح أملا بتقليد الشركات الناشئة في أمريكا وأوروبا، ويشكل رواد الأعمال هؤلاء هبة لاقتصادات دول المنطقة، التي تعاني من نمو بطيء وبطالة عالية، خاصة بين الشباب، لكن من المحزن أن توضع عقبات جمة في وجوههم -كثير منها تضعها الحكومات- وليس هناك مكان في العالم العربي يقترب في ظروفه من (سيليكون فالي) في أمريكا، لكن رواد الأعمال يقولون إن هناك تقدما بطيئا".
وتبين المجلة أنه "لفهم ما تواجهه الشركات الناشئة في تلك المنطقة تخيل أن معظمها سيفشل، وهذا يحصل في أنحاء العالم كله، ولكن في بلد مثل
مصر ليس فيها قانون إفلاس، فإن الفشل يعني السجن إن لم تدفع الديون في وقتها، وإغلاق شركة يأخذ خمس إلى عشر سنوات، وملفات ضخمة من المستندات والطلبات، وتلك التي تستمر في العمل عليها أن تلتزم بقوانين بالية، تجعل من الصعب القيام بما تقوم به الشركات الناشئة في أماكن أخرى من العالم، مثل مكافأة موظفيها بالأسهم، هذا بالإضافة إلى كل التحديات التي تواجه الشركات المصرية كلها، مثل ارتفاع الأسعار والمسؤولين المتطفلين".
ويلفت التقرير إلى أن "القصة تتكرر في الأماكن الأخرى، ففي الأردن ولبنان، اللتين تدعيان أنهما مكانان صديقان للشركات الناشئة، فإنه من الصعب في الواقع إنشاء شركة، حيث إن قوانين العمل في المنطقة كلها تجعل من الصعب توظيف الموظفين وفصلهم، خاصة الأجانب، مع أن المدارس لا تخرج ما يكفي من أهل البلد المؤهلين في وظائف معينه، مثل البرمجة، بالإضافة إلى أن سلطات الضرائب لا تدري كيف تتعامل مع الشركات الناشئة، بحسب ما قاله كون أودونيل، الذي بدأ شركة (سرمدي)، وهي شركة إنترنت مصرية، باعها لـ(فودافون) عام 2008، وأضاف أودونيل: (لا يستوعبون نموذج أمازون)، في إشارة إلى عملاق التجارة الإلكترونية الذي خسر لكنه نما بسرعة في عقديه الأولين".
وتكشف المجلة عن أنه "يعتقد بأن (أمازون) في مفاوضات لشراء موقع (سوق) في الإمارات، الذي تم إنشاؤه عام 2005، والذي عادة ما يشار إليه على أنه قصة نجاح من المستمثرين في المنطقة، ولو وضعنا موقع (سوق) التجاري جانبا، فإن هناك حواجز كبيرة منعت انطلاق التجارة الإلكترونية، فإدخال البضائع وتخليصها من الجمارك أمر صعب للغاية، ويزيدها سوءا ارتفاع التعرفة الجمركية، والقوانين المختلفة، والعملات المحلية المتقلبة الأسعار".
وينقل التقرير عن لويس ليبوس، الذي أنشأ "أسترو لابس" في دبي، قوله: "يتحدث الناس عن المنطقة على أن فيها 200 مليون نسمة، لكن حاول أن تشحن بضاعة لهؤلاء الناس"، مشيرا إلى أن "عدة شركات ممولة جيدا حاولت فعل ذلك لكنها فشلت، حيث كان الاستثناء الوحيد هو موقع (سوق)، الذي تنحصر تعاملاته مع دول الخليج، التي يجمعها اتحاد جمركي".
وتفيد المجلة بأن "التجارة الإلكترونية هي أحد الجوانب التي يمكن للشركات الناشئة أن تسد من خلالها الثغرة في احتياجات السوق، أما الجوانب الأخرى فتتضمن التكنولوجيا المالية، حيث لا يملك معظم العرب حسابات بنكية أو بطاقات ائتمان، وكذلك قطاع الصحة، حيث تزيد نسبة السمنة والأمراض الأخرى في المنطقة، لكن الشركات العاملة في هذا المجال عليها في العادة الحصول على موافقات من الدوائر الحكومية بطيئة الحركة، وهو ما قد يضيف سنوات لخطة العمل".
ويقول ليبوس للمجلة: "تستطيع الشركات الناشئة في الأنظمة الأكثر تطورا أن تسبق التقنين، وهو الذي يتبعها.. لكن هناك يقع الفأس على من يحاول القفز أماما".
وينوه التقرير إلى أنه "لم يكن للحكومات ذات التوجهات الاشتراكية ولعقود أي حماس تجاه الشركات الخاصة، فكثير من الزعماء قلقون من تمكين الشباب الذين قد يطالبون بالحرية السياسية، لكن بسبب معاناة
اقتصادات دول المنطقة، فإن هناك ضغطا على الحكومات لتحسين تعاملها مع الشركات الناشئة في البقاء على مستوى واحد مع بعضها، ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، عندما غرد فضل حول بطء الإنترنت في لبنان، رد عليه رئيس الوزراء سعد الحريري بسرعة قائلا: (أنا أسمعك يا توني، إن ذلك في أعلى أولويات أجندة حكومتنا القادمة)، وفي مصر وافقت الحكومة مؤخرا على أول قانون إفلاس، وهو واحد من إصلاحات اقتصادية عدة تهدف إلى تشجيع الاستثمار".
وتورد المجلة أن "عدة حكومات قامت بضخ المال في المنطومة لضمان بعض المخاطرة في دعم الشركات الناشئة، حيث أعلنت لبنان قبل أربع سنوات عن حزمة قيمتها 400 مليون دولار؛ لتشجيع القروض البنكية، لكن مثل تلك النفقات مقترنة مع قلة الشركات الناشئة الممكنة ذات القيمة قد تولد فقاعة، إلا أن الاستثمارات الأخيرة كانت أقل حجما، فمثلا تسلمت المغرب 50 مليون دولار من البنك الدولي لإنشاء صندوقين جديدين لدعم المشاريع، وجزء من الخطة هو تشجيع الشركات الناشئة، في الوقت الذي يقوم فيه الممولون الدوليون باستثمار 275 مليون دولار في (سوق)، و350 مليون دولار في (كريم)، وهو برنامج (تاكسي) في الإمارات".
وبحسب التقرير، فإن "هناك تجمعات للشركات الناشئة في معظم البلدان، تجمعها أماكن عمل مشتركة، مثل أسترولابس في دبي، وكوجيت في تونس، وأصبح التعاون منتشرا، واستضاف (غريك كامباس) في القاهرة، الذي هو عبارة عن مركز للشركات الناشئة، مؤتمر (رايز أب)، وهو أحد أكبر تجمعات رواد الأعمال في المنطقة، ويقول عبد الحميد شرارة، الذي بدأ هذا المؤتمر عام 2013، بأن فشل الربيع العربي هو ما حفزه، ويضيف شرارة: (شعرت أن هناك طريقا آخرى لتحقيق ذلك)، ويشاركه كثير من الحاضرين هذا الشعور، حيث يقول مؤسس (مام)، وهي شركة تقدم خدمات الطبخ المنزلي وتوصيله في القاهرة، وليد عبد الرحمن: (نحاول إيجاد طريق لإطعام الناس بشكل أفضل، ولتمكين النساء، وتعليم الأطفال)".
وتخلص "إيكونوميست" إلى القول: "لسوء الحظ، فإن صعوبة التجارة في المنطقة، والطبيعة القمعية للحكومات، تسببتا بدفع العقول اللامعة للسفر إلى الخارج، لكن هذه التحديات تضطر من بقوا لأن يفكروا بإبداع كيف يمكن لهم أن يتجازوا الصعوبات، وينتج عن هذا شركات أفضل، بحسب ما يقوله بعض رواد الأعمال، فيقول شرارة: (إن استطعت النجاح في بلد مثل مصر، فسيكون أي مكان آخر سهلا)".