بات قائد الانقلاب في
مصر، عبد الفتاح السيسي، ومحكمة
القضاء الإداري؛ على موعد مع معركة قضائية جديدة حول تنازله عن جزيرة "تشيوس" لليونان، وذلك بعد أسبوع من حكم نهائي للمحكمة ذاتها، ببطلان التنازل عن جزيرتي
تيران وصنافير للسعودية.
وقررت هيئة مفوضي الدولة، الأحد، عقد أولى جلساتها لإعداد رأيها القانوني في اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان في 2 شباط/ فبراير المقبل، وهي الاتفاقية التي جمعت السيسي، ورئيس وزراء
اليونان أنتونيس ساماراس، والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، التي تنازل بموجبها السيسي عن جزيرة تشيوس المملوكة للأوقاف المصرية منذ عهد محمد علي، للجانب اليوناني.
محامي تيران وصنافير
وكان المحامي علي أيوب، صاحب دعوى بطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، قد تقدم بدعوى لدى محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، في 28 آب/ أغسطس 2016، تطالب ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان.
ويرى محللون مصريون أن قائد الانقلاب سيخسر معركته الثانية مع القضاء الإداري، بعد حكم المحكمة ببطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، مؤكدين أنه لم يعد بيد السيسي أوراق ليلعب بها مع قضاة مجلس الدولة.
من أدوات المواجهة
وفي تعليقه على هذه الدعاوى لدى القضاء الإداري، رحب المحامي والحقوقي والبرلماني السابق، نزار غراب، بدور "مقيمي تلك الدعاوى من الوطنيين في مصر"، ودعاهم للاستمرار في "مواجهة السيسي"، مشيرا إلى أن "التقاضي هو أحد أدوات تلك المواجهة"، وفق تعبيره.
وأوضح غراب لـ"عربي21"؛ أنه "إن لم يحصل مقيمو تلك الدعاوى على أحكام لصالح قضايا الوطن، فإنهم يفضحون انتهاكات الانقلاب لحقوق مصر"، مشيرا لعدة قضايا أخرى منظورة بالقضاء الإداري، كالتي تقدم بها السفير إبراهيم يسري ضد اتفاقية ترسيم الحدود مع قبرص في عهد مبارك عام 2004.
وأكد غراب أهمية دور القضاء بكل مكوناته، مبديا رفضه لوصف دور القضاء بـ"السياسي"، وقال: "إنه دور قانوني وطني يقع على عاتق المحامين والقضاة،" واعتبر أن تلك الأحكام قد تكون "فرصة لاستعادة الشعب لقضائه وخروجه من عباءة السيسي"، كما قال.
ونبه إلى أن "القضاء الذي يتنازل عن استقلاله يفقد مصداقيته، والقضاء لا بد أن يصدر أحكامه باسم الشعب، فإن لم يكن قضاء يحمي حقوق الشعب؛ فسوف تناله يد الثورة حينما تطال كل النظام"، وفق قوله.
خسارة مؤكدة
وتوقع المحامي مختار العشري أن يخسر السيسي معركته الثانية مع القضاء الإداري، وقال: "لو أخذنا الأمر بشكل دستوري وقانوني، فإن خسارة السيسي واردة بشكل كبير".
وأضاف لـ"عربي21": "هذا ليس استباقا لنتيجة تقرير هيئة مفوضي الدولة، ولكنه رد فعل طبيعي لما دأب عليه هذا النظام من التنازل عن ثروات مصر وأرضها لصالح الغير، مقابل الاعتراف بالانقلاب، وللقضاء على مصر لصالح عدوها الاستراتيجي إسرائيل".
واعتبر العشري أن إلغاء القضاء الإداري لاتفاقية اليونان بعد بطلان اتفاقية السعودية؛ يعد "فرصة لاستعادة الشعب جزءا من القضاء من جديد وإخراج القضاة عن سيطرة السيسي".
وأضاف: "نحن نتحدث عن مجلس الدولة، وليس عن القضاء بصفة عامة، فالنظام بغبائه تصور أن تركيع مجلس الدولة في الفترة الأخيرة سوف يؤمن له أحكاما لصالحه، ولكن يبدو أن السحر انقلب على الساحر، وأدرك مجلس الدولة أنه لا مستقبل له مع هذا النظام وأن مستقبله في الاستقلالية عن السلطة التنفيذية والانحياز لمصالح الشعب"، بحسب تعبيره.
ولم يستبعد العشري استخدام النظام بعض أوراق الضغط ضد قضاة مجلس الدولة، معتبرا أن "هذا النظام يتعامل بطريقة فيها كثير من الرعونه تصل لحد قتل معارضيه، أو التخلص من أحد قضاة مجلس الدولة والادعاء أنه انتحر"، في إشارة إلى واقعة وفاة القاضي وائل شلبي داخل محبسه الشهر الماضي، خلال احتجازه على ذمة قضية فساد مالي بمجلس الدولة، وأعلن النظام حينها أن القاضي انتحر، وهي الرواية التي شكك فيها الكثيرون، بمن فيهم عائلته.
في أضعف حالاته
ويقول الكاتب الصحفي عامر عبد المنعم: "أظن أن السيسي سيخسر المعركة الثانية حول الأرض المصرية مع محكمة القضاء الإداري"، معللا قوله بأن "السسي ليس لديه شيء يفعله أو حجج أو أوراق يستند عليها للتنازل عن جزيرة تشيوس".
ورأى عبد المنعم أن قائد الانقلاب الآن "في أضعف حالاته وفي موقف صعب بعد أزمة تيران وصنافير"، وتحدث لـ"عربي21"؛ عن وجود "حالة من التصدع في نظام الانقلاب، غير مسبوقة، وسعي من عدة جهات للتخلص من قائد الانقلاب"، مضيفا: "لأن السيسي متمسك بالكرسي حتى النهاية، فإن تلك المحاولات تسير ببطء"، كما قال.
الوقف المصري باليونان
وترجع بداية الوقف المصري في اليونان لعام 1813، حينما وافق السلطان العثماني محمود الثاني على طلب محمد علي باشا، والي مصر، لإنشاء وقف له في حي "ألبانا عيا" بمدينة "كافالا" اليونانية.
وتقوم هيئة الأوقاف بتأجير ممتلكات مصر باليونان بأسعار زهيدة، فيما تهيمن بلدية "تاسوس وكافالا"، على بعض منها، كما استولى بعض اليونانيين على بعض تلك الأصول ويقومون بتأجيرها من الباطن، وخاصة الأراضي الزراعية، فيما توقفت الحكومة اليونانية عن دفع قيمة إيجار الوقف عقب توقيع الاتفاقية مع السيسي.