تشهد الحكومة
المصرية هذه الأيام حالة من الارتباك، بسبب اعتذار عدد من الشخصيات المرشحة لتولي مناصب وزارية؛ عن عدم قبول هذه المناصب في
التعديل الوزاري المرتقب، الذي أعلن عنه رئيس
الوزراء شريف إسماعيل.
وأكد إسماعيل، في تصريحات صحفية نقلتها وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية مساء الجمعة، أن الاعتذارات هي التي تعطل الانتهاء من المشاورات المتواصلة التي يجريها، وتؤخر إعلان التشكيلة الجديدة لحكومته، رافضا الإفصاح عن أسباب هذه الاعتذارات الكثيرة.
وتوقع إسماعيل الانتهاء من التعديلات الوزارية الأسبوع المقبل وتقديمها للبرلمان نهاية الشهر الجاري لإقرارها، وفق قوله.
تعاون دون مسؤولية رسمية
وبحسب الإعلامية رشا نبيل، عبر قناة دريم، مساء الجمعة الماضية، فإن كثيرا من المعتذرين أعلنوا لرئيس الوزراء استعدادهم للتعاون مع الحكومة دون تولي مسؤولية رسمية.
وفي المقابل، أكد شريف إسماعيل أن دمج عدد من الوزارات أمر وارد، مستبعدا استحداث أي وزارات جديدة في الفترة الحالية.
وقالت تقارير صحفية إن ظاهرة رفض المرشحين تولي مناصب وزارية، دفع قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي إلى دراسة تقليص عدد الوزارات عن طريق دمج وزارتين أو ثلاث في وزارة واحدة.
وأوضحت صحيفة "الشروق" أن أكثر الوزارات التي شهدت اعتذار شخصيات عامة عن عدم تولي مسؤوليتها؛ هي الصحة والتعليم والزراعة والاستثمار، وتوقعت أن تشمل التعديلات 10 حقائب وزارية.
ولفتت الصحيفة إلى أن الكلمة النهائية في تعيين المرشحين للمناصب الوزارية هي للسيسي، بينما يقتصر دور رئيس الوزراء على لقاء المرشحين للتعرف على موقفهم من قبول الحقائب الوزارية أم لا، وكذلك استطلاع رؤيتهم للعمل إذا ما قبلوا هذه المناصب.
السيسي يضعهم في "وش" المدفع
من جانبه، رأى الباحث بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، جمال عبد الجواد، أن المناصب في الحكومة أو السلطة التنفيذية أصبحت تمثل عبئا على صاحبها، حتى لو كان هذا الشخص يتمتع بقدرات عالية في الإدارة والتخطيط والمتابعة، بسبب تسليط الضوء المستمر عليه في ظل المشاكل والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها مصر الآن.
وأضاف عبد الجواد، في حديث لـ"عربي21": "الناس في الشارع أصبحت تدعو على الحكومة ليل نهار بسبب ارتفاع الأسعار وتدهور الأوضاع، وأصبح أول شخص يهاجمونه ويطالبون بإقالته هو الوزير على عكس رئيس الجمهورية، الذي يملك كثيرا من المؤيدين والمدافعين عنه"، كما قال.
وأوضح أن النظام جعل الشعب "يكره الحكومة ووزراءها، حيث يضعهم دائما "في وش المدفع" كما يقولون، ويحملهم مسؤولية أي قرار أو مشكلة تواجهه، ويتم تصدير ذلك للناس في الشارع"، مشيرا إلى أن وسائل الإعلام أيضا لا تتمتع بمساحة نقد مسموحة بها إلا في مهاجمة الحكومة فقط، "دون اقتراب من رأس السلطة التنفيذية، وبذلك يتم تشكيل وعي الناس على أن الحكومة هي المسؤولة عن كل شيء".
وقال: "بطبيعة الحال، فإن الشخص المرشح لمنصب وزاري يضع كل هذه العوامل في ذهنه، ولهذا يرفض معظم المرشحين تولي مناصب وزارية"، على حد قوله.
تجنبا لتلويث السمعة
أما أستاذ العلوم السياسية، عبد السلام نوير، فأكد أن "الظروف في مصر الآن تجعل أي شخص يخشى تولي مناصب تنفيذية أو مسؤولية عامة؛ لأن الأوضاع متردية، والناس تحتاج إلى من يحل لها مشكلاتها بشكل فوري بعدما نفد صبرهم، وأصبحوا غير قادرين على انتظار المسؤول الجديد حتى يفكر ويخطط للمستقبل؛ لأن المشكلات تزداد يوما بعد يوم والأوضاع تزداد سوءا على المستوى السياسي والاقتصادي".
وأضاف نوير لـ"عربي21"، أن هناك الكثير من الشخصيات العامة عرض عليها منصب وزير ورفضت، "حتى لا تلوث اسمها أو تفسد مسيرتها العملية؛ لأنها متيقنة من أن الحكومات في مصر أصبحت حكومات مؤقتة تأتي لفترات انتقالية قصيرة".
ورأى أن "الوزير الذي يخرج من الحكومة لا يخرج إلا بعد إقالته أو بفضيحة، ولم نر وزيرا استقال في تاريخ الحكومات المصرية الحديثة إلا في السبيعينيات، حينما استقال إسماعيل فهمي وزير الخارجية الأسبق اعتراضا على اتفاقية كامب ديفيد"، وفق قوله.
كما اعتبر أن "الوضع العام في مصر يجعل الحكومة دائما مخطئة وتتعرض للضرب من جميع الأطراف، بدءا من الشعب لمجلس النواب لرئيس الجمهورية، الأمر الذي يجعل من يوافق على منصب الوزير يفكر ألف مرة قبل تولي هذا المنصب الذي يعرضه لهجوم من الجميع".