استقر سعر صرف
الليرة التركية أمام
الدولار الأمريكي خلال الأيام الماضية عند حدود 3.76 ليرة، بعد خسائر قياسية متواصلة تعرضت لها منذ محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو الماضي وحتى الآن.
وسجلت الليرة التركية انخفاضات تاريخية أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، خلال تلك الفترة، فقدت فيها نحو 25% من قيمتها أمام الدولار، مع تصاعد المخاوف بشأن تجدد العمليات الإرهابية في البلاد، وتزايد القلق بشأن الاستقرار السياسي والاقتصادي، والغموض حول سياسات البنك المركزي التركي للحد من تراجع العملة المحلية.
وأكد الباحث الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، في تصريحات خاصة لـ"
عربي21" أن استقرار سعر صرف الليرة أمام الدولار لأكثر من أسبوع عند حدود 3.76 ليرة "يرجع لعاملين رئيسين، العامل الأول اقتصادي، يتعلق بسياسات البنك المركزي التركي، والتي ركزت على تقليل المعروض النقدي لدي البنوك للحد من المضاربة على الدولار، والعامل الثاني سياسي، وهو تمرير
التعديلات الدستورية في البرلمان وطرحها خلال الأيام القادمة للاستفتاء العام، وكذلك حالة التقدم في المفاوضات الروسية التركية بشأن القضية الروسية خاصة بعد حادث مقتل السفير الروسي في
تركيا".
وتوقع الصاوي، أن يشهد الدولار انخفاضا في قيمته أمام الليرة في حاله تمرير التعديلات الدستورية عبر
الاستفتاء، مضيفا: " لكن هذا التراجع سيكون محدودا وتدريجيا حتى يستقر عند 3.5 ليرة للدولار".
وحول مصير سعر صرف الليرة في حالة تعثر أو تعذر تمرير التعديلات الدستورية، قال الصاوي إن البنك المركزي التركي لن يقف مكتوف الأيدي في هذه الحالة، وسيتدخل عبر الآليات المتاحة له بعيدا عن استنزاف الاحتياطي في حماية سعر الليرة.
وأوضح أن الآليات المتاحة لدي "المركزي التركي" تتمثل في: "سعر الفائدة، ومعدل التضخم، والتحكم في المعروض النقدي، وحركة الإقراض بين البنوك، وسعر الخصم، وإلزام المصدرين بعودة كامل أثمان التصدير".
وأشار إلي أن انخفاض الدولار أمام الليرة لأكثر من 3.5 ليرة للدولار مرهون بعودة الاستثمارات الأجنبية والسياحة إلى ما كانت عليه في عام 2015، وهذا أيضا عامل رئيس آخر يؤثر في مستقبل العملة المحلية أمام العملات الأجنبية الأخري.
وأضاف الصاوي، أن تأثر الاقتصاد التركي بانخفاض قيمة الليرة التركية، "سيكون على قدر حجم التراجع فإذا كان التراجع في ما يمكن استيعابه وتحويله إلى ميزة من خلال الصادرات فيكون قد أمكن السيطرة عليه وتوجيهه، أما إن كان التراجع بمعدلات كبيرة فسيكون له دلالات سلبية على الاستثمار بمكونيه الداخلي والخارجي، وكذلك تراجع معدلات الادخار".
وتابع: "سوف يجد الجهاز المصرفي نفسه مضطرا لمواجهة هذه الأضرار برفع سعر الفائدة للحفاظ على ما لديه من ودائع وتشجيع الادخار ما سيضر بالإنتاج من خلال رفع تكاليفه وبالتالي خفض تنافسية المنتجات المحلية في السوق الإقليمي والعالمي".
وأكد وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، أن المرحلة القادمة ستشهد عودة الليرة التركية إلى مسارها الطبيعي وذلك بعد فشل حركة التقلبات والمضاربات.
وأضاف الوزير التركي في تصريح لوكالة الأناضول، الجمعة 13 يناير/ كانون الثاني، أن "لدى البنك المركزي القدرة على اتخاذ إجراءات ضد نهج المضاربة الذي تتعرض له تركيا، وهناك أدوات قوية يمكن استخدامها، ونعتقد أن هذه الإجراءات لن تشكل خطرا على تركيا".
وقال الكاتب والمحلل السياسي، على باكير، في مقال له بعنوان "محنة الليرة التركية" إن "الاقتصاد التركي يعتمد في جزء كبير منه على صادرات السلع إلى الأسواق الخارجية، ويحتاج مثل هذا الاقتصاد إلى حالة مستدامة من الاستقرار الداخلي والإقليمي حتى يحافظ على ازدهاره، وهي عناصر ليست متوافرة في الآونة الأخيرة، حيث تؤثّر حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني إلى جانب الفوضى الإقليمية وتقلّص عدد الأسواق الخارجية بشكل سلبي على الأداء الاقتصادي التركي وعلى ثقة المستثمرين".
واستطرد: "رغم التحديات الضخمة التي شهدها الاقتصاد التركي لاسيما بعد العملية الانقلابية مؤخرا، فهو لا يزال صامدا ولاتزال الحكومة تبحث عن حلول للتحديات الجديدة التي يواجهها".
وأوضح باكير، أن الاقتصاد والمنجزات الاقتصادية السابقة هي أثمن ما يملكه حزب العدالة والتنمية في سجل حكمه، متوقعا ألا يفرط الحزب الحاكم بسهولة في العنصر الذي كان له الفضل الأكبر دوما في إبقاء الحزب في السطلة، "لكن التراجع السريع لسعر صرف الليرة مؤخرا يصعب من مهمة الحكومة التركية ويزيد من الضغوط على الاقتصاد المحلي".
وأكد أن مناشدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمواطنين والشركات التركية بالتخلي عن الدولار لصالح الليرة سجلت نجاحا ظرفيا إلى حد ما، "لكنها لم توقف تراجع سعر صرف العملة بشكل تام، بسبب دخول المضاربين على الخط لتحقيق أرباح كبيرة".
وتوقع باكير أن تستمر الأسباب الداخلية والخارجية التي أثرت سلبا على أداء الاقتصاد التركي وسعر صرف العملة المحلية حتى الاستفتاء القادم في شهر أبريل المقبل بحد أدني، لافتا إلى أن السلطات التركية ستستمر في البحث عن حلول تمكنها من الصمود خلال هذه المرحلة وتجاوز هذه التحديات في المرحلة المقبلة.