نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا؛ تحدثت فيه عن نشر
وثائق سرية، من أرشيف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية؛ حول تاريخ رؤساء
الجزائر السابقين، أمثال هواري بومدين وأحمد بن بلة، وأزاحت اللثام عن الدور الذي لعبته الجزائر في كل من قضية الصحراء الغربية والقضية الفلسطينية.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه على الرغم من أن هذه الوثائق تعكس كواليس السياسة في الجزائر، تحديدا خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1962 و1988، إلا أنها لم تكتس أهمية كبرى مقارنة بوثائق ويكيليكس، التي سببت تسريباتها جدلا واسعا وفضحت عدة دول.
وذكرت المجلة أن وكالة المخابرات المركزية أعدت عدة وثائق وتحليلات ودراسات عام 1985، وقدمتها لمكتب الرئيس الأمريكي آنذاك، رونالد ريغان، قبيل زيارة الرئيس الجزائري السابق، الشاذلي بن جديد، إلى واشنطن. وقد شملت هذه الوثائق حقائق حول النظام الجزائري، وترسانته العسكرية ووضعيته الاقتصادية، فضلا عن علاقة الجزائر بجيرانها. علاوة على ذلك، أعدت الوكالة تقارير ووثائق حول الحالة النفسية للرئيس الجزائري في ذلك الوقت.
وأشارت المجلة إلى أن أولى الوثائق تحدثت عن الرئيس الجزائري الراحل، أحمد بن بلة، الذي وصل إلى سدة الحكم سنة 1962. وتقول الوثيقة التي يعود تاريخها إلى يوم 23 كانون الأول/ ديسمبر 1964: "نحن نؤمن بأن حظوظ بن بلة في البقاء على كرسي الرئاسة لا زالت قائمة خلال السنتين القادمتين".
وفي هذا الصدد، ذكرت المجلة أن مركز البحث الأمريكي "لا نغلي"، توقع في ذلك الوقت إمكانية استعانة بن بلة بالمؤسسة العسكرية بهدف الحفاظ على بقائه على رأس السلطة، خاصة أمام منافسه الأول، هواري بومدين، الذي كان يشغل منصبي نائب الرئيس ووزير الدفاع.
وجاء في وثيقة أخرى لوكالة الاستخبارات الأمريكية أن الوكالة لا تتوقع "أن يلجأ بومدين إلى الجيش من أجل أن ينقلب عسكريا على بن بلة إلا في الحالات القصوى". في المقابل، يبدو أن "توقعات" وكالة المخابرات المركزية كانت في محلها، حيث عاشت الجزائر في 19 حزيران/ يونيو سنة 1965 على وقع انقلاب عسكري قاده بومدين ضد الرئيس بن بلة.
من جهة أخرى، ذكرت المجلة أن العديد من الوثائق التي كشفت عنها الوكالة تضمنت تقريرا يتكون من خمس صفحات يعنى بقضية الصحراء، نشر تحت عنوان "الاجتياح المغربي للصحراء الإسبانية".
وقالت المجلة إن مدير الوكالة، وليام كولبي، أرسل تقريرا في سنة 1975، إلى وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، هنري كسنجر، جاء فيه: "لقد أعلن الحسن الثاني مرة أخرى عن رغبته في ضم الصحراء الإسبانية مع نهاية سنة 1975، حتى لو تطلب ذلك اللجوء إلى القوة".
وأضاف وليام كولبي في تقريره أن الحسن الثاني سيورط جيشه في حرب مباشرة ضد 5 آلاف جندي إسباني متواجدين في الصحراء، ومدعومين من قبل سلاح الجو الإسباني المتمركز في القواعد الجوية بجزر الكناري، مع إمكانية تعزيز هذه القوات بمسلحين من الجيش الجزائري.
وأفادت المجلة أن عدة وثائق بأرشيف وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تحدثت عن الدور الجزائري المتعلق بالقضية الفلسطينية. وفي هذا الإطار، ذكرت التقارير أنه منذ وفاة الرئيس السابق، بومدين، سنة 1978، ومع تولي الشاذلي بن جديد منصب الرئيس، تراجع اهتمام الجزائر بالقضية الفلسطينية.
علاوة على ذلك، أكد العملاء الاستخباراتيون في ذلك الوقت عدم وجود أي دليل يثبت دعم الجزائر لـ"الإرهابيين الفلسطينيين".
وخلال فترة حكم هواري بومدين، كثيرا ما وقفت الجزائر إلى جانب الفلسطينيين في عدة مناسبات، كان أبرزها رفض تسليم الفلسطينيين المتهمين بتحويل وجهات الطائرات.
وأفادت المجلة أن هذا الدعم الجزائري للفلسطينيين انتهى مع وفاة بومدين. ومع اعتلاء الشاذلي بن جديد سدة الحكم، تم تغيير المسار الدبلوماسي نحو التقرب من العالم الغربي وإعادة إحياء العلاقات معه.
وتحدثت المجلة عن عضوية الجزائر في أشد الجبهات العربية المعادية لوجود إسرائيل، والتي تضم العراق وسوريا واليمن الجنوبي والسودان وليبيا.
لكن الوكالة أشارت إلى أن "الجزائر تعتبر العضو الأكثر اعتدالا من بين هذه الدول الآنف ذكرها. وبالتالي، ستعمل على دعم ياسر عرفات، قائد الجناح المعتدل بمنظمة التحرير الفلسطينية".
وبعد مرور ثماني سنوات عن هذا التقرير، أعلن عرفات عن قيام دولة فلسطين، خلال خطاب ألقاه في الجزائر يوم 15 تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 1988.
وأضافت المجلة أن العملاء الأمريكيين المتواجدين في الجزائر أفادوا بأن نظام الرئيس الشاذلي بن جديد، مهدد من قبل فصائل جزائرية مسلحة غاضبة من التدهور الاقتصادي والمعيشي نتيجة انهيار أسعار النفط سنة 1986. وقالت الوكالة في تقريرها إن "على بن جديد السيطرة على الاستياء الشعبي".
وبيّنت المجلة أن بن جديد أعلن حالة الطوارئ خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1988، بعد أن اتخذت أعمال الشغب منعرجا أكثر عنفا. وأعطى بن جديد الضوء الأخضر لتدخل القوات المسلحة لإعادة الأمن والنظام، التي انتهجت أسلوبا قمعيا خلف حوالي 500 قتيل.