تتحول ثعالب
لبنان السياسية في مواسم الانتخابات إلى كائنات حساسة مرهفة بسيطة تصدق الناس بسهولة، لا سيما الدجالين منهم. أو قُل يتحول معظم المرشحين آنذاك إلى أطفال أغبياء مدللين يريدون شراء الألعاب قبل أن تنفد من المحلات.
والألعاب هي الناخبون الذين يستوي منهم آينشتاين مع فرانكشتاين، لكن تأييدهم وتصويتهم مهم لاستمرار الحياة وفق برنامجها المعتاد. وذلك لأن الطامحين امتهنوا السياسة وأحبّوها رغم مساوئها المهنية المتمثلة تحديدا بشهر الانتخابات المديد الذي يشبه طلب تجديد العقد الوظيفي "الخمس نجوم".
وفي لبنان، حيث يعتقد نائب فاز ببضعة آلاف من الأصوات المسبوقة الدفع، أنه نسبيا أهم من شارل ديغول في تاريخ فرنسا الحديث، هناك دوافع عديدة للانتخاب مثل كل دول العالم، بعضها صالح وأغلبها فاسد.
ويتصدر عناصر الفساد الانتخابي الخطاب الطائفي والرشاوى المالية، فيحك المرشح على جرح المواطن المتقيح بالمشاعر المذهبية ويمسكه من ذراع عَوَزه الضعيفة. وكلما أمعن في التجييش الطائفي وبذل المال الانتخابي كلما تقدم على منافسيه.
لعبة استقطاب الجمهور على حساب المحتوى والمضمون، تسللت بقوة في الآونة الأخيرة إلى التلفزيونات اللبنانية، في ظاهرة تخطت المتعارف عليه وتجاوزت خطوط اللعبة التقليدية. فلجأت بعض المحطات مؤخرا إلى "تسكيس" بثها في عدد من
البرامج لاستقطاب الجهور والفئات العمرية الشابة تحديدا، في معارك كسر عظم لها أسبابها التي تعلوها الأزمة المالية في الإقليم، التي أثرت سلبا على حجم الإعلانات التجارية و"السياسية".
ليس المطلوب من التلفزيونات اللبنانية أن تتحول إلى علب مهجورة، وهي التي استطاعت على مدى عقود أن تثبت جدارتها في المنطقة على صعيد صناعة البرامج، لا سيما الترفيهية والحوارية الاجتماعية.
لكن ما يجري مؤخرا على الشاشات بعيد جدا عن الإبداع والاحتراف، قبل الحديث على القيم والأخلاق.
في الطفرة التلفزيونية اللبنانية الجديدة، لا تكون النكتة نكتة إذا تجاوزت ما بين السرة والركبة، ولا يكون الحوار ممتعا إذا لم تتخلله إيحاءات جنسية. والمسابقات بدل أن تبقى حول المعلومات والتفوق المعرفي، باتت حفلات "تطبيق" على الهواء للمواعدة بين الجنسَين.
مؤكد أن هذه الموجة لن تطول، وبغض النظر عن تحرك وزارة الإعلام واللجنة النيابية للاتصال والإعلام، ذلك لأن هذا الاتجاه البرامجي لا يعيش طويلا، وسبق أن اختبر نفسه في برامج النكات الإباحية التي سرعان ما انتهت بعدما سئم منها الجمهور.
كما أن سقف حرية هاتف أي إنسان في العالم المفتوح على الإنترنت بات أعلى من أعلى سقف مؤسسة إعلامية، كذلك فإن عالَم الجنس المتوفر في الشبكة العنكبوتية لا يجعل برامج الإيحاء الجنسي على التلفزيونات حاجة تدوم لروادها.
هم يتابعونها الآن، لأنها قفزت إلى مرحلة جديدة أكثر سخونة لكنهم سيتركونها قريبا بعد أن تفقد بريقها، فما على الإنترنت من إغراءات تفاعلية بدون ضوابط أكثر جذبا للباحثين عن الإثارة، إلا إذا قررت التلفزيونات منافسة المواقع الإباحية الصريحة.. عجّل الله فرج المنطقة المالي.