بينما كانت أنظار العالم تتجه نحو "أستانة"، في انتظار نتائج المحادثات بين الأطراف السورية برعاية روسية تركية، بدأت فصائل
الجيش الحر في الجنوب السوري معارك مع قوات الأسد والمليشيات الموالية له في قلب مدينة
درعا، وعلى أخطر جبهاتها، وهي جبهة حي المنشية، آخر معاقل النظام في منطقة درعا البلد.
وأفاد الإعلامي المستقل، جورج سمارة، في حديث خاص لـ"عربي21"، أن النظام حاول يوم 12 من الشهر الجاري تنفيذ مشروعه الذي يخطط له منذ فترة، وهو استعادة جمرك درعا القديم، على الحدود مع الأردن، مشيرا إلى أن فصائل الجيش الحر في غرفة عمليات "البنيان المرصوص" تصدت له، وبدأت معركتها التي كانت تخطط لها منذ 8 أشهر.
وأوضح سمارة أن غرفة عمليات "البنيان المرصوص" تضم كل فصائل مدينة درعا، مشيرا إلى أن فصائل الجيش الحر بدأت هجومها عبر الخنادق التي كانت قد حفرتها سابقا، تحت تكتلات خطوط الدفاع الأولى لقوات النظام، منطلقة من مبدأ "خير وسيلة للدفاع هي الهجوم"، الأمر الذي "قلب السحر على الساحر"، وحوّل قوات النظام من الهجوم إلى الدفاع وللحفاظ على مراكز قوتها، وفق قوله، وهو ما أكده المتحدث باسم غرفة البنيان المرصوص، "أبو شيماء"، الذي بيّن أن قرار المعركة كان داخليا.
وبالرغم من أن الجبهة الجنوبية التزمت بهدنة وقف إطلاق النار في الجنوب السوري، بحسب قيادات عسكرية، إلا أن استمرار خروقات قوات الأسد ومليشياته، وعزمه على الهجوم، وضع الجيش الحر أمام هذا الخيار.
وفي سياق متصل، ذكر مصدر عسكري في الجبهة الجنوبية، فضل عدم ذكر اسمه، أن الدول الداعمة للجبهة لم تكن تريد مثل هذه المعركة وسط هذه الظروف، "إلا أن الإرادة الشعبية الداخلية كانت أكبر من الحسابات والسياسات الإقليمية والدولية"، وفق قوله لـ"عربي21".
وفي إطار الإنجازات على أرض المعركة، أكد "أبو شيماء" أن الفصائل تمكنت من السيطرة على ما يزيد على نصف حي المنشية، وهو ما أكده أيضا الإعلامي جورج سمارة، مضيفا أن النظام يستخدم أسلوب الدروع البشرية، في محاولة منه لإعاقة تقدم الثوار السريع داخل الحي.
وبحسب ناشطين متابعين، فإن هجوم الثوار على حي المنشية الذي يسيطر عليه حزب الله اللبناني، يواجه سلاح الجو الروسي الذي ينفذ غارات مكثفة منذ اليوم الأول للمعركة، مستهدفا أحياء مدينة درعا التي تقع تحت سيطرة الجيش الحر، إضافة للعديد من قرى ومدن المحافظة، حيث نفذ الطيران الروسي الحربي منذ بداية المعركة حتى الآن ما يزيد على 400 غارة جوية، استهدفت التجمعات السكنية والبنى التحتية، خصوصا المشافي الميدانية، في مناطق الثوار.
وفي السياق نفسه، ذكر الدكتور خالد عميان، مدير صحة درعا الثورية، أن الطيران الروسي وصواريخ النظام استهدفا مستشفى درعا البلد الميداني، ومستشفى الشهيد عيسى عجاج في حي طريق السد، إضافة لاستهدافها مستشفى بلدة صيدا ومستشفى بلدة تل شهاب، ما أدى إلى خروجها عن الخدمة.
وبسبب الغارات الجوية الروسية المكثفة، عمدت المجالس والهيئات المدنية إلى إيقاف كل النشاطات في المحافظة التي تستوجب تجمعات بشرية، خوفا من استهدافها بالطيران، و ذلك بحسب بيانات أصدرتها هذه الهيئات، إضافة إلى إغلاق بعض المشافي خوفا من استهدافها.
وبحسب أبو شيماء، فإن المعركة مستمرة حتى تحقيق السيطرة الكاملة على حي المنشية ومنطقة سجنة، التي تعتبر جزءا من الحي، مشيرا إلى ضرورة إبعاد شبح قصف النظام قدر الإمكان عن المدنيين، وإفشال مشروعه في التقدم إلى جمرك درعا القديم قرب الحدود مع الأردن.
ويقول محللون إن الجيش الحر في حال سيطر على الحي، فسيكون المربع الأمني للنظام داخل درعا المحطة، إضافة إلى اللواء 132 المتمركز في المدينة، تحت مرمى نيرانه، ما سيضطر النظام إلى التراجع؛ لأن قواته ستكون هدفا مباشرا.
وفي الأثناء، تعيش محافظة درعا وضعا إنسانيا صعبا، فغالبية أهالي مدينة درعا هم اليوم نازحون إما في السهول المتاخمة للحدود الأردنية، أو في قرى وبلدات المحافظة البعيدة، في محاولة منهم لتجنب القصف الجوي الروسي، فيما يعاني الوضع الطبي ظروفا صعبة، تبدأ باستهداف المشافي الميدانية، وتنتهي بعدم القدرة على إخراج الجريح للعلاج خارج
سوريا.