تبادل كل من مسؤولي الأزهر والفاتيكان المديح، الخميس، في ندوة دارت حول الحوار المشترك.
وأشاد مسؤولو الأول بالمحبة في المسيحية، بينما أقرَّ ممثلو الثاني بأن الإسلام أقرب ديانة إلى المسيحية.
وأكد الجانبان على ضرورة معالجة أسباب ظواهر التعصب والتطرف والإرهاب والعنف، من فقر وأمية وجهل، وتوظيف الدين توظيفا سياسيا، وعدم فهم النصوص الدينية فهما صحيحا.
جاء ذلك، الخميس، في البيان الختامي للندوة المشتركة التي عقدت في القاهرة على مدار يومين، بين مركز الحوار بالأزهر والمجلس البابوي بالفاتيكان، في رحاب مشيخة الأزهر، بعنوان "دور الأزهر الشريف والفاتيكان في مواجهة ظواهر التعصب والتطرف والعنف".
وطالب البيان باحترام التعددية الدينية والمذهبية والفكرية، والتعاون الجاد لمواجهة حقيقية وفعالة للإرهاب والمنظمات الإرهابية، والعمل على تجفيف منابعه، ومنع الإمدادات بالمال أو السلاح عنه، وكذلك العمل على غلق منافذ التواصل الاجتماعي أمامه، وغير ذلك من الوسائل الفعالة؛ لأجل حماية الشباب من أفكاره الهدامة، بحسب البيان.
وأكدت الندوة أهمية التعامل بين مركز الحوار بالأزهر والمجلس البابوي للحوار بين الأديان، في تفعيل القيم الإنسانية المشتركة في مواجهة التعصب والتطرف والعنف، وإقرار السلام والعيش المشترك والتواصل مع أصحاب القرار؛ لأجل التعاون في إقرار الأمن والتنمية.
وأوصى الأزهر والفاتيكان، عبر بيانهما، بـ"المساعدة في الدعوة إلى تخفيف حدة العنف والتوتر بين أتباع الأديان في كثير من بلدان العالم، وضرورة القضاء على ظاهرة بث روح الكراهية والعداء للأديان، والإساءة إلى الرموز الدينية؛ لأنها من مبررات الأعمال العدوانية".
ورفض البيان جميع أشكال التعصب والتطرف والعنف، وأكد قيم الرحمة والمحبة والقيم الأخلاقية لمواجهة التعصب والتطرف والعنف والإرهاب.
وأوصت الندوة كذلك بالاهتمام بكيفية إدارة الخلاف، وبيان أن الاختلاف في العقيدة أو المذهب أو الفكر يجب ألا يضر بالتعايش السلمي، وأن الاختلاف واقع معبر عن إرادة الله تعالى.
وافتتح الندوة وكيل الأزهر، الدكتور عباس شومان، وتحدث فيها رئيس مركز الحوار في الأزهر، الدكتور محمود حمدي زقزوق، كما تحدث رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، الكاردينال جان لويس توران.
وتابعت الندوة جلساتها على مدى يومين، وشهدت استعراض ستة أبحاث باللغتين العربية والإنجليزية.
وقال زقزوق، في كلمته، إن التنوع هو قانون الوجود، وإن الحوار ينبغي أن يكون هو اللغة المشتركة التي تسود بين البشر؛ ليزول الالتباس والخلاف، مشددا على أن الأديان قادرة على تجاوز تلك الخلافات بسماحتها.
وأشار إلى أنَّ القرآن الكريم حصر الرسالة المحمدية في منهج لا يخفى علينا جميعا، وهو الرحمة، الذي جاء في قوله تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ"، كما أنَّ المسيحية تقوم على المحبة، وهنا يمكن القول إنَّ الرحمة والمحبة وجهان لعملة واحدة، فلا محبة دون رحمة، ولا رحمة دون محبة، وفق قوله.
من جانبه، قال رئيس المجلس البابوي لحوار الأديان بالفاتيكان، الكاردينال جون لويس توران، إن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين الديانات، وإن أقرب الديانات إلى المسيحية هو الإسلام؛ نظرا للعديد من الجوانب المشتركة بين الديانتين، لا سيما على صعيدي العقائد والأخلاق.
واستدرك: "لكن للأسف، هناك جماعات من النَّاس تتبنى خطاب الكراهية والعنف، وهذه الجماعات المتطرفة تسعى لفرض معتقداتها الخاطئة بالقوة، وهم متعصبون لأفكارهم المغلوطة، ويكفرون من يخالفهم، وينصبون له العداء، قائلا إننا نعيش في عالم منقسم على نفسه وعنيف؛ نظرا لاعتماد
سياسة القوة، وإغفال دور الحوار في نشر السلام.
من جهته، أكد أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، الدكتور محيي الدين عفيفي، أن ندوة الأزهر والفاتيكان شهدت حالة من النقاش الحيوي والمثمر على مدار مختلف الجلسات، أسفرت عن إصدار التوصيات المشار إليها.
وفي سياق متصل، قال شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، في اجتماعه بعمداء ورؤساء أقسام ووكلاء كليات جامعة الأزهر بمحافظات الوجه القبلي، الخميس، إن رسالة الأزهر ودوره الإنساني، وجهوده في نشر المنهج الوسطي، لا يمكن أن تتم إلا من خلال ترسيخ هذه المنهج في هيئات الأزهر، وفي مقدمتها الجامعة، مشددا على أنه لا مكان في الأزهر لأي فكر يخالف منهج الأزهر ووسطيته، وفق قوله.
وتشهد العلاقات بين الأزهر والفاتيكان تعاونا واسعا. ففي 23 أيار/ مايو الماضي، اتفق بابا
الفاتيكان فرانسيس، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، خلال زيارة قام بها الأخير للمقر البابوي آنذاك، على عقد مؤتمر دولي للسلام (لم يعقد حتى اليوم)، وهي الزيارة التي جاءت بعد سنوات من تجميد الحوار بين الطرفين.
ومنذ تأسيس اللجنة المشتركة للحوار بين الأزهر والفاتيكان عام 1998، تم تجميدها لفترات متقطعة بين عامي 2006 و2016؛ بسبب تصريحات مثيرة للجدل للبابا السابق بنديكت السادس عشر، تضمنت ربطا مزعوما بين الإسلام والعنف، ومطالبة بحماية دولية للمسيحيين في
مصر.