في اليوم العالمي للمرأة والذي يوافق الثامن من شهر آذار/ مارس كل عام يهتم العالم بالتذكير بقضايا المرأة والتي بلا شك تحمل الجزء الأكبر من العبء والأمل فى بناء مجتمعات سليمة ومتعافية.
وهذا العام، ومنذ أيام قليلة، شاهدت لأول مرة في حياتي على شاشات العالم المرأة
المصرية النازحة.. هي لحظة إنسانية شديدة القسوة على القلب، حينما وثقت قنوات العالم تقريبا مشاهد النزوح الجماعي للأسر المصرية، وخاصة من
الأقباط، والفرار الجماعي من
سيناء وخاصة مناطق العريش ورفح ورومانة والشيخ زويد. وهذه الأسر على الرغم من قلة أعدادها، بالمقارنة بمساحة سيناء، ولكنها، وعن قرب، كانت ومنذ عشرات السنوات اتخذت القرار غير المرغوب فيه بتعمير أرض سيناء.
هذا القرار العصامي من المواطنات والمواطنين بتعمير سيناء يبدو أنه غير مرغوب فيه؛ لأنهم وعلى مدار عقود من الزمن، لم يحصلوا على الاهتمام أو الدعم الحكومي المطلوب ويبدو أن بعد المسافة بين الحكومة المركزية في القاهرة ومحافظة سيناء قد ألقى بظلاله على ملف التنمية وأدخلها الثلاجة منذ كامب ديفيد وترويج الانتصار الزائف بعودة سيناء مكبلة ومنقوصة السيادة، لنصحو الآن على واقع سيناء خارج التغطية، وعلى كارثة النزوح هذه!!
وكارثة النزوح ومعاناة تلك الأسر الآن ليست وليدة اليوم. وعلى الرغم من ندرة ما يصل للرأي العام المصري من معلومات عن سيناء وتجريم التغطية الصحفية والعمل الصحفي المهني. ونستطيع أن نتذكر هنا حالات القبض على صحفيين من سيناء لمجرد المحاولة لإخبار الناس عن حقيقية ما يجرى في سيناء وطبيعة المعارك الدائرة، وكذلك حبس أي باحث مصري يحاول تناول هذا الشأن بالبحث الجاد للوقوف على الحقائق، كما تم مع الباحث هشام جعفر والذي ما زال محبوسا حتى الآن بسبب العمل على هذا الملف؛ الذي بموجب القانون هو محظور، حيث لا مجال لرواية ثانية عن سيناء ولا أخبار أو تحقيقات ومصادر متعددة. هي فقط الرواية الرسمية، وبمعنى أدق الرواية الأمنية.
ومنذ عام 2013، تخبو الحقائق، ويتعقد الوضع، ويتشابك الواقع في سيناء، وتزداد معاناة الأسر التي تمسكت بالعيش هناك رغم كل تلك المخاطر والمهددات، حتى الوصول إلى ذروة المخاطر، واستهداف المواطنات والمواطنين بالقتل والتنكيل في غيبة من السلطات؛ وحقوق هؤلاء الضحايا في الحماية وحفظ حقهم الأساسي في الحياة!!!
خيبة الأمل والرعب في عيون هؤلاء السيدات وهؤلاء الصغار، وتلك القصة على لسان سيدة نازحة تحكي عن جرائم قتل لأقارب تمت أمام أطفالها، ومشهد الجدة المسنة التي تحتضن حفيدتها ذات الأعوام الستة، والتي ترمق الكاميرا بنظرة رعب ولا أقسى!!! تلك الصغيرة التي لن تسامحنا يوما على كل هذا الخوف، وكل تلك المرارات التي عاشتها وهي فى عمر الزهور. وعوضا عن حقها في الطفولة فقدت مع تخاذلنا حقها الأساسي في الحماية والشعور بالأمن في وطن النزوح!!!
والصادم عند سماع تلك الشهادات من الأسر النازحة، وتلك الصور للنساء والأطفال، أنها تحت سمع وبصر السلطات. والتي لم تكتف بالتعامل البيروقراطي المعتاد، ولكنها قامت بنوع من المتاجرة الإعلامية والترويج لنظريات المخاطر العالمية، وكأن المطلوب تجهيز حلقة الصراع لمعركة استنزاف طويلة المدى؛ قد يتم الخروج منها بترويج انتصارات زائفة تعادل ما تبقى من سيناء!!
ومن المخجل حقا المتاجرة بمعاناة تلك الأسر، والزيارات المستهلكة من بعض الوزراء لبعض الأسر في أماكن الإيواء التي تم إلقاء العبء فيها على الكنيسة، لتفتح الكنائس في محافظة الإسماعيلية أبوابها لإيواء تلك الأسر، وكأن السلطات غير مسؤولة. وبدلا من التعامل بمسؤولية، تتخلى السلطات عن التصدي، وتلقي بالعبء الكبر على الكنيسة للتصرف في شؤون الرعية النازحة!!!
وتبقى مسؤولية نجدة المواطنات والمواطنين النازحين والفارين بحياتهم؛ هي شأن خاص رعوي قد تتفضل السلطات بالمعاونة فيه على تمهل ووفقا للمتاح، وعلى المواطنة العصامية والمواطن العصامي النازح تدبر أمره، وعلى الكنيسة تدبير شؤون الرعية وتوفير الموارد المالية وإجراءات التصدي وخطط التوطين وغيرها من إجرات التدخل السريع والعاجل للكوارث!!!!
ومع استنكار الكنيسة للفظ
التهجير، نقول هنا نعم هو نزوح جماعى لأسر مصرية هي بالأساس ضحية فيما بين سندان التعامل الحكومي البيروقراطي ومطرقة معركة الحرب على الإرهاب!!
ويبدو أنها معركة مستمرة، وخاصة في غياب استراتيجية السلطة للتعامل مع المخاطر الحقيقية، وبالتالي يبدوأ معركة استنزاف، ومعها تستمر معاناة وتشريد هذه الأسر، وقد يلحقها تشريد ونزوح أسر أخرى ومعاناة هؤلاء النازحين هي معاناة مركبة وشديدة الخصوصية. ففي العادة، وعندما يعبر المدنيون حدودا دولية إلى دول الجوار فرارا من المخاطر، فإن الدولة المستقبله تقدم لهم بصفة عاجلة الغذاء والمأوى، وتوفر لهم الحماية بموجب القوانين الدولية وتمنحهم وضع لاجئ، وهو وضع قانوني يرتب حقوق وواجبات ينظمها القانون الدولي والمعاهدات الدولية الفاعلة، بينما النازحون، وعلى الرغم من تعرضهم لذات الظروف، ولكنهم مقيمون في دولهم نفسها كأشخاص نازحين داخليا لا ينالون أي دعم يذكر. ولنا في مشهد التعامل مع النزوح الجماعي لمواطني العريش مثل فعلي، وإحالة السلطات مسؤولية إيواء هؤلاء لمؤسسات رعوية، بل واستحضار نظرية إلقاء العبء على المواطنة العصامية والمواطن العصامي القائم على تصريف شؤون نفسه بنفسه ولنفسه!!
ونذكر هنا بالمبادئ التوجيهية الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وخاصة "المبدأ 5": ينبغى على جميع السلطات والقوى الدولية الفاعلة أن تحترم وأن تعمل على ضمان احترام التزاماتها بموجب القانون الدولى- بما في ذلك القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي- في ظل جميع الظروف، بحيث تمنع وتتجنب نشوء أوضاع قد تفضي إلى نزوح أشخاص.
"المبدأ 6" (1): من حق كل إنسان التمتع بالحماية ضد التعرض للنزوح القسري من داره/دارها، أو من محل إقامته المعتاد.
ولنساء بلادي كل الكرامة، ولزهرات النيل وطن المواطنة الحقيقية. وللغاليات الراحلات منهن في موسم الربيع ما زلن يسكن ذكريات تفيض بخيوط من الأمل والنور، وترسل رسائل بهية تليق بالمرأة المصرية.