قضايا وآراء

الإسلام وحق الثورة على الجوع

1300x600
لا أدري لماذا يصر بعض رافضي الانقلاب العسكري في مصر على حصر أي حراك في قضية الشرعية وإسقاط الانقلاب فقط، وأن أي حراك لا ينادي بحق الشهداء، وعودة الرئيس مرسي فك الله أسره وإخوانه، لا يعده حراكا مقدرا ومحترما ومقبولا، ولا يتضامن معه، بل يشن البعض الهجوم الساخر اللاذع بأن من خرج لأجل لقمة العيش، أو المواد الغذائية، أو حقوق العمل، أو أي حق آخر دنيوي، هو حراك أصحاب البطون، من حركتهم مطالب الحياة الرخيصة وليست الحرية، وعودة الديمقراطية، وهو كلام ربما يقبل من باب الارتقاء بمطالب الشعب إلى مطالب أعلى وأرحب، لكنه لا يقبل من باب نفي شرعيته أو وجاهته الدينية، فالشرع يعتبر مطالب الحياة مطالب مشروعة، من حق كل فرد أن يخرج لأجلها، ويثور لأجل تحقيقها، وأن من مات في طلبها فهو شهيد عند الله عز وجل، وللأسف إن البعض يضيق مفهوم (في سبيل الله)، بينما وسعه الشرع الإسلامي، فجعل كل هدف مشروع ونبيل، هو في سبيل الله، وكل حراك أو سعي لإدراكه فهو في سبيل الله عز وجل، يعلي من شأن من قام به، ويطالب المسلم بالمساهمة فيه، والمعاونة عليه.

وأول نص شرعي يبين هذا الأمر، هو هذا الحديث الذي صحح فيه صلى الله عليه وسلم مفهوم (في سبيل الله) والذي كان ملتبسا عند بعض الصحابة، وذلك أنه: "مَرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من جَلَده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما سبيل الله إلا من قتل؟! إن كان خرج يسعى على ولده صغارا، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء وتفاخرا، فهو في سبيل الشيطان". فالحديث هنا جعل كل سعي مشروع على لقمة العيش سعيا في سبيل الله.

بل إن القرآن الكريم أمر المسلم أن يبذل كل جهده في الجهاد في سبيل الله، وكذلك في سبيل أهل الضعف، يقول تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا) النساء: 75. قال الإمام محمد عبده: (أي: في سبيل المستضعفين، أو: وأخص من سبيل الله إنقاذ المستضعفين من ظلم الأقوياء الجبارين). فجعل القرآن الكريم الدفاع عن الضعفاء مساويا للجهاد في سبيل الله.

وقال صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون ماله فهو شهيد"، ولم يقل كما يقول البعض عن الذي يموت دفاعا عن ماله، أو حفاظا عليه: أنه عبد للقرش والمال، بل جعل الموت في سبيل الحفاظ على ما رزقه الله من مال شهادة يؤجر عليها، سواء كان المال قليلا أم كثيرا. وفي نصوص أخرى جعلت الموت دون المظالم والحقوق شهادة، فقال صلى الله عليه وسلم: "من قتل دون مظلمته فهو شهيد"، وفي رواية: "دون مظلمة" فسواء مات دفاعا عن مظلمته الخاصة فهي شهادة، أو مات دفاعا عن (مظلمة) بصيغة النكرة، أي مظلمة، سواء كانت له أو لغيره، كبيرة أو صغيرة، عظيمة أو حقيرة، فهي شهادة في سبيل الله.

بل إن من مفاخر تاريخنا الراشدي أن أبا بكر الصديق جيش الجيوش لقتال مانعي الزكاة، وهي حق مشترك بين الله عز وجل والفقراء، فكانت أول حرب تاريخية تنحاز فيه دولة لحق الفقير، وتطالب الأغنياء به، وتسعى لرده له.

للأسف هناك بعض من يروجون في السوشيال ميديا، ووسائل التواصل الاجتماعي، ليس لديهم تعمق في نصوص الشرع، فيصورون الشرع للناس، وكأنه لا شهيد إلا من في معسكرهم، ولا شهادة إلا في قضاياهم، ولا حراك في سبيل الله والحق إلا معهم فقط، وهي إساءة كبيرة للشرع، واحتقار مطالب الناس الدنيوية وكأنها محتقرة شرعا كلام فارغ لا ينطلق من دين، فالله عز وجل قال في سورة قريش: (فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)، فطلب إليهم العبادة بعد أن تكفل لهم بالشبع والأمان، وهما من أهم مطالب الإنسان الدنيوية، بل رأينا تشريع الإسلام في العبادة لو تعارض الطعام مع الصلاة لدرجة يفقد فيها خشوعه يقدم الطعام، وتؤخر الصلاة، حتى لا تكون صلاة بلا روح وخشوع، ولم يقل الشرع: إن هذه دونية من المسلم أن تتعارض عنده العبادة والطعام، بل راعى الإسلام ذلك، وفي تشريعات أخرى ليس هنا مجالها، دلالة على مراعاة الجانب الحياتي عند الإنسان في الإسلام. وهذا ما نطالب به في حراكنا لإسقاط الانقلاب، أن نخاطب الناس بما يفهمون، وبما يتحركون ويتجاوبون فيه، ولو في قضايا جزئية تلتقي مع القضايا الكلية، فالتدرج سنة في الحياة، وسنة في التشريع مرعية، من خالفها قهرته.

Essamt74@hotmail.com