نشرت صحيفة الموندو الإسبانية تقريرا، تحدثت فيه عن أهمية تصرف
الآباء بشكل هادئ أمام أطفالهم؛ نظرا لأنهم يلجأون أحيانا إلى استعمال عبارات من شأنها أن تضر بمشاعر أطفالهم دون التفطن إلى ذلك.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن
تربية الطفل مهمة صعبة ومعقدة، وأحيانا يكون
الأطفال سببا في شعور الوالدين باليأس أمام عدم قدرتهم على السيطرة على تصرفاتهم بشكل صحيح.
فمن المعلوم أن الصراخ وفقدان الأعصاب يأتيان حتما بنتائج عكسية، وهو ما يقودنا شيئا فشيئا إلى الابتعاد عن أطفالنا أو ابتعاد أطفالنا عنا.
وأشارت الصحيفة إلى جملة من
السلوكيات التي يلجأ إليها الآباء باستمرار، معتقدين أنها أكثر نجاعة، إلا أنها لا تزيد الأمر إلا تعقيدا، ولا تساعدهم على تحقيق أهدافهم؛ فالعديد منهم يستعملون في مناسبات عدة تعابير وعبارات من شأنها أن تمس بمشاعر أطفالهم، دون أن يدركوا ذلك؛ لذلك ينبغي ألّا نتفوه بها تحت أي ظرف من الظروف.
وبينت الصحيفة أن هذه السلوكيات الخاطئة تكمن أولا في التهديد؛ فاستعمال عبارة "حذار أن يكتشف والدك أو أمك ما قمت به"، يعدّ خطأ مزدوجا؛ نظرا لأنه من ناحية أولى يقلل من سلطتنا أمام أطفالنا، ومن ناحية أخرى، نكون بذلك منحنا دورا سلبيا، سواء للأب أو الأم؛ وبذلك يشعر الأطفال بالتخوف من اللحظة التي سيكشف فيها أحد والديه ما قام به، وهو ما يجعلهم يلجأون إلى إخفاء أفعالهم مستقبلا.
كما أفادت الصحيفة بأن استعمال عبارة "سوف أقوم بـ..." التي توحي بالتهديد، تأتي في كل الأحوال بنتائج عكسية، وتفشل في تغيير سلوك أطفالنا، كما أنها لا تساهم سوى في غرس الخوف والرهبة لديهم. أما إذا كنا حريصين دائما على التهديد، دون اتخاذ إجراء بشأن المسألة، فسوف يساهم ذلك، في نهاية المطاف، بفقدان مصداقيتنا وسلطتنا أمام أطفالنا؛ لذلك، إذا فكرنا في معاقبتهم فيجب أن نقوم بذلك على الفور، وأن نتجنب أيضا التحذيرات التي لا تفي بالغرض.
كما لفتت الصحيفة إلى عدم مقارنة أطفالنا بأشخاص آخرين؛ فمثلا، استعمال عبارة "أنت مثل أمك أو أبيك"، بطريقة سلبية، غير مفيد على الإطلاق، ويؤدي بالطفل إلى الشعور بالإهانة، كما هو الشأن بالنسبة لعبارة "يجب أن تتعلم من فلان"؛ إذ إن المقارنة بين الأشقاء غالبا ما تؤدي إلى البغض واضطراب العلاقة؛ نظرا لأنها تتسبب في الغيرة فيما بينهم.
وعلاوة على ذلك، تجعلهم يعتقدون أنهم أقل شأنا من إخوتهم الآخرين، وهو ما يجعلهم يسعون جاهدين إلى تغيير شخصياتهم. وفي هذه الحالة يجب على الآباء مراعاة الفرق بين سلوكيات أطفالهم وتشجيع خصوصية كل واحد فيهم واحترامها.
وأضافت الصحيفة أنه من الضروري تجنب تكريس الصور النمطية بين الجنسين، الذي يتجلى من خلال عبارة "الأولاد لا يبكون"، التي لها عواقب سلبية بحتة؛ فأولا، تجعل العديد من الأطفال يعتقدون أن البكاء أمر غير جائز، وهو ما يؤدي بهم إلى كبت مشاعرهم، وثانيا، تساهم في تعميق الفرق بين الذكور والإناث؛ حيث إنها تعزز قيمة الذكور مقابل ضعف الإناث.
وأوضحت الصحيفة أن تخصيص الدمى للفتيات والسيارات للفتيان هي عادة متجذرة، تقريبا، في سلوكيات جميع الآباء. ويتضح مثلا في تلوين غرف الأولاد باللون الأزرق والفتيات باللون الوردي، أو مثلا في إهداء الدمى للفتيات والكرات للفتيان. وهذه طريقة لا تنعكس من خلال دور الآباء فحسب، وإنما نجدها أيضا في محلات الألعاب والإعلانات التلفزيونية. فما المشكلة إذا كان الطفل يريد أن يلعب في مطبخ صغير، أو أرادت الفتاة اللعب بالكرة؟ فالألعاب متاحة للجميع، بغض النظر عن جنس الطفل.
وأوردت الصحيفة أن استعمال عبارة لا تكن "مثل البنات"، تؤدي بنا ثانية إلى الوقوع في استعمال الصور النمطية بين الجنسين، وجعل السلوكيات الحساسة مرتبطة حصريا بالأنثى، وهكذا نكون وقعنا ثانية في خطأ قمع مشاعر أطفالنا.
وأشارت الصحيفة أيضا إلى أن استعمال عبارة "كن رجلا وافعل ما عليك القيام به" تدل على اعتقادنا بأن الشجاعة مرتبطة دائما بالذكور، والضعف صفة خاصة بالإناث، وهذا الاعتقاد لا يزال متجذرا في لا وعي المجتمع إلى حد اليوم. فمن المؤكد أن تحفيز الطفل وتفعيل صفة الشجاعة لديه شيء جيد من دون شك، لكنه في الوقت ذاته لا يلغي شجاعة المرأة ودورها في مكافحة المشاكل والتغلب عليها.
وتحدثت الصحيفة كذلك عن تغاضي بعض الآباء عن تقدير مشاعر أطفالهم، التي تنعكس من خلال عبارة "لا تبك، فالأمر لا يستحق البكاء"، لا سيما مع الأطفال الأصغر سنا، الذين اعتادوا التعبير عن أحاسيسهم بالبكاء. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن هذه العبارات تشجع الأطفال كذلك على قمع مشاعرهم، ما من شأنه أن يؤدي بهم في المستقبل إلى عدم القدرة على التعبير عن أنفسهم، ما يولد لديهم شعورا بالذنب.
وفي الختام، أضافت الصحيفة أن عبارة "أنت سيئ أو أنت سيئة" تجعل طفلك يعتقد دائما أنه فعلا شخص سيئ، لكنه يجد نفسه عاجزا عن معالجة هذه المشكلة بمفرده، وهو ما يحدث شرخا في شخصيته، ويؤثر سلبا على تصرفاته، وبهذه الطريقة سوف يجد أعذارا لتبرير أفعاله، قائلا: "أنا هكذا، أنا شخص سيئ"، ما يجعله غير واع بسلوكه السيئ، على الرغم من أنه مقتنع تماما بعكس ذلك. وبهذه الطريقة يكون الأبوان قد منحا الطفل أعذارا غير حقيقية لتبرير أفعاله.